> صنعاء «الأيام» اسوشيتد برس:
لمدة خمسة عقود كان ياسين عبد الوارث واحداً من حفنة من علماء الأوبئة في اليمن يسافرون عبر البلد الفقير للبحث عن تفشي الأمراض المستوطنة مثل النزاعات المسلحة في أفقر دولة في الشرق الأوسط.
وقال عبد الوارث لشقيقه: "الفيروس في كل بيت في اليمن".
وقال الزميل عبد السلام العاقل: "سنحتاج 100 عام ليكون لدينا شخص مثل د. ياسين".
ينحدر عبد الوارث من عائلة فقيرة، وكان الابن الأكبر بين سبعة أشقاء من محافظة تعز الغربية مسقط رأس العديد من المثقفين ورجال الأعمال في اليمن. غادر فترة قصيرة كمراقب جوي لدراسة الطب في الاتحاد السوفيتي آنذاك.
قال عبد الحكيم: "إذا حدث تفشي في مكان ما، فإنه يقود الفريق ويتجه على الفور بغض النظر عن المكان إذا كان من الصعب الوصول إليه أم لا سواءً كان ذلك في الصباح أو في الليل، أو إذا كان خلال العطلات أم لا".
عبد الوارث لم يترك نوباته تذهب سدى. قالت عائلته إنه استخدم تجربته الخاصة لتثقيف الناس حول مخاطر المرض.
تذكر العاقل زيارة إلى منطقة تهامة الفقيرة، حيث كان عبد الوارث يحقق في تفشي حمى الوادي المتصدع، وهو مرض ينقله البعوض ويصيب الحيوانات، ويمكن أن يكون قاتلاً. يمكن أن يصاب البشر به عن طريق ملامسة سوائل الجسم أو أنسجة الحيوانات المصابة.
بعد عام انتقلت الملاريا إلى نفس المنطقة. وقال العاقل إن الحكومة استخدمت تحقيقاً ميدانياً أجراه عبد الوارث للحصول على أموال من المانحين الدوليين والبرلمان. في ذلك الوقت كان معدل الوفيات 48 %، وانخفض بحلول منتصف عام 2000 إلى أقل من 3 %.
وقال نجله إسحاق إن بعد مفاوضات بين عبد الوارث ومسؤولي وزارة الصحة، وزعيم قبلي تمت دعوة الفرق للعودة إلى العمل. رفض جميع الأطباء. وقال "لقد شكل والدي للتو فريقاً جديداً وتوجه إلى هناك"، مضيفًا "لم يتردد".
قال شقيقه جمال: إن عبد الوارث أحضر الأسرة بأكملها تحت سقف واحد في منزل صغير في صنعاء، حيث تقاسم راتبه بين والديه وإخوته. لقد دعم إخوته مالياً أثناء تعليمهم وتزوجهم.
في المجتمع اليمني شديد المحافظة، المرأة هي آخر من يأكل، وتبدأ في محاولة إنجاب الأطفال بمجرد زواجها، ويحد من تفاعلها مع العالم الخارجي. حرص عبد الوارث على ألا تغزو تلك العادات حياة أسرته.
تذكرت ابنة الأخت رغدة جمال أنه قبل زفافها جاء إليها بنصائح "لا يمكن تصورها" في مجتمع تتعرض فيه النساء لضغوط لبدء إنجاب الأطفال فور الزواج، فقال لها أن تؤجل الحمل حتى تتعرف على زوجها جيداً.
قال شقيقه إنه مع انتشار فيروس كورونا حول العالم هذا العام شعر عبد الوارث بالقلق من أنه كان يشق طريقه عبر بلاده. ثم علم عبد الوارث إصابته.
وقال ابنه: "إنهم جميعاً في خطر، ونحن نتفهم تماماً كل الأعذار لعدم المساعدة".
بعد وفاته استمر هاتف عبد الوارث في الرنين: كان العاملون في مجال الصحة العامة والطبية من جميع أنحاء اليمن، غير المدركين لوفاته، يرسلون إليه رسائل تحتوي على تحديثات يومية بشأن تفشي الأمراض.
لقد شاهد الكوليرا والملاريا وحمى الوادي المتصدع، وفي أوائل يونيو كان قلقاً بشأن فيروس كورونا الجديد.
بعد أسابيع توفي الطبيب البالغ من العمر 72 عاماً، والذي تحول إلى عالم الأوبئة بسبب كورونا. قالت عائلته إنه ربما أصيب بالفيروس أثناء تفقده منشأة الحجر الصحي التي أقامها المتمردون الحوثيون خارج العاصمة صنعاء، والذين كانوا يخفون حصيلة الفيروس في اليمن.
تتذكر عائلة عبد الوارث وزملاؤه رجلاً كريماً، طيّب القلب كان يحميهم من المجتمع اليمني، شديد المحافظين، وطبيباً لا يكل بذاكرة موسوعية، اجتاز خطوط الصدع القبلية والإقليمية في البلاد لتثقيف اليمنيين حول الوقاية من الأمراض.
بعد سنوات عاد للعمل في المستشفيات الريفية، حيث كان العامل الصحي الوحيد، وكان يفعل كل شيء من علاج سوء التغذية إلى إجراء العمليات الجراحية. تولى علم الأوبئة لأنه أراد منع الأمراض التي دفعت العشرات من المرضى إلى مستشفاه.
الكحلاني، مسؤول صحي كبير التقى عبد الوارث لأول مرة منذ 26 عاماً في رحلاته إلى مدن الأكواخ والقرى النائية والوديان الخفية، نادراً ما كان يرتدي أردية واقية أو أقنعة. قالت عائلته وزملاؤه إنه يعتقد أن جهاز المناعة لديه سيقاوم أي مسببات الأمراض حتى عندما أصيب بالأمراض التي حاول منعها.
قال العاقل، عالم الأوبئة، إنه إلى جانب طاقته اللامحدودة، فقد جلب معرفة حميمة بالأماكن والأشخاص الذين زارهم.
وقال: "كان يعرف الأماكن الأكثر ضعفاً والأماكن التي يقيم فيها أكثر من 60 عاماً، والقصر، والحوامل، وأولئك الذين يحتاجون إلى اهتمام خاص، حتى الحيوانات سيعرف من لديه أي نوع من الحيوانات".
طوال عمله الميداني لم تترك الابتسامة وجهه أبداً. وقال العاقل: "عندما تتوتر الأمور في الميدان بين أعضاء الفريق، فإن ذكاءه ونكاته ستخفف من الحالة المزاجية".
بعد سنوات، وبينما كانت الحرب الأهلية تختمر أصبح السفر إلى المناطق المتوترة مع القتال القبلي تحدياً. في عام 2014 وهو العام الذي استولى فيه المتمردون الحوثيون على العاصمة، وشرعوا في اندلاع الحرب الحالية كان عبد الوارث يقود حملة لمكافحة الملاريا في مأرب بشرق اليمن عندما استولى رجال قبائل مسلحون على قافلته وانطلقوا بها آخذين معها كل ما في وسعهم. معدات وأدوية.
في المنزل، تتذكر عائلة عبد الوارث كرمه وكل ما فعله ليكون قدوة ضد التقاليد المحافظة للمجتمع اليمني.
وقال: "لن يفكر في يوم غد. إذا كان لديه 1000 دولار، وكانت هناك حاجة فإنه ينفق المال فقط دون تفكير".
قالت عائلته إنه كان، على سبيل المثال، يستيقظ كل صباح لشراء وجبة الإفطار لزوجته، وكان دائماً يتأكد من أن والدته ستكون أول من يأكل.
قالت: "إنه بطلي الأسطوري".
رفضت المستشفيات في صنعاء اصطحابه في البداية خشية أن يؤدي ذلك إلى تعريض منشآتها للفيروس لأنها تعاني من محدودية الموارد والطاقم الطبي غير المحمي. تم قبوله لاحقاً في إحداها، لكنه انتظر تسع ساعات لتلقي العلاج. عائلته لا تلوم المسؤولين.
بعد وفاته استمر هاتف عبد الوارث في الرنين: كان العاملون في مجال الصحة العامة والطبية من جميع أنحاء اليمن، غير المدركين لوفاته، يرسلون إليه رسائل تحتوي على تحديثات يومية بشأن تفشي الأمراض.