التغيير الاستراتيجي في السعودية

> بدر قاسم محمد

> عمليةُ التغيير الاستراتيجي في سياسة المملكة العربية السعودية تُشبهُ السيرَ على الحافّة، عمليةٌ محفوفةٌ بالمخاطر والمخاوف والاحتمالات الملتبسة، تارة يبدو السائرُ عليها مدفوعاً للهلاك والخلاص منه، وتارة أخرى يبدو سائراً على الصراط المستقيم الواصل إلى جنّة الحكم الرشيد على حساب الخلاص من استراتيجية الماضي بأدواتها العميقة والعتيقة.

بتولّي آخر أبناء الأب المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، سلمان بن عبد العزيز حكم المملكة خلفاً لأخيه عبد الله، تنتهي حلقةُ حكم الأبناء بالانفتاح على حلقة الأحفاد بشهيةٍ للحكم متعددة. أخيراً حَسم الملكُ سلمان الأمر بتوْليتهِ نجله محمد بن سلمان لولاية العهد من بعده، متجاوزاً هذه العقدة التي حلّها بأسلوبٍ توافقي، لا يخلو من تداعيات البدايات الصعبة وإرهاصات الممانعة وعدم رضى بعض الأسرة الحاكمة.

أتى وليُ العهد الأمير محمد بن سلمان على رأس سياسةٍ جديدةٍ ورشيدةٍ كشف عنها فيما يسمّى برؤية 2030 الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية، تتمحورُ حول فكرة الوسطية والاعتدال الديني وتتفرعُ إلى جوانب عدة ثقافية واقتصادية تنموية تُمارس مهمة العصف بالذهنية السعودية وارتباطها العقائدي بجوارها العربي ومحيطها الإسلامي.

حالياً تخوضُ المملكة أكثر من معركة على أكثر من صعيد، داخلياً وخارجياً، وهي تُحاول الوصول لأهدافها الاستراتيجية في طريقٍ آمن وسلس يُجنبّها الهزات القوية غير المضمونة النتائج وردات الفعل. مثلّت الأزمة اليمنية وتدخل السعودية فيها بشكل مباشر، غرفة تغيير الملابس السعودية القديمة والتخلّص منها على أرضية الملعب اليمني.

رغم الخسارة المادية التي لحقت بالسعودية في حرب اليمن إلا أنّ الفائدة المعنوية تكمنُ في حضور عامل التجريب وتعريض أوراق اللعب الداخلي والخارجي للانكشاف والانحشار في زاوية التلبّس الكامل بالذنب، بما يسمح بالنفاذ القانوني لديناميكية التغيير وإجراء التعديلات والترتيبات اللازمة للمرحلة القادمة.

يَمرُقُ الحاكم السعودي على الصراط المستقيم المرسوم له. يَغيظُ هذا المُروق السريع بعضَ الأطراف في الداخل -المغتاظة أصلاً من عملية حصر الحكم في أسرة الملك سلمان- هذه الأطراف التي تتغلغل في أجهزة الدولة العميقة، فتشتغلُ بأسلوبها القديم المحافظ الذي عُرف بارتباطه الوثيق بجماعاتِ الإسلام السياسي واستخداماتها المتعددة في وقتٍ تبدو فيه السعودية قد نفضت يدَها من العلاقة مع هذه الجماعات، بل تضعها الآن على رأس الجماعات الإرهابية المحظورة.

هناك محاولة من الداخل لكبح جماح التغيير السعودي وإفشاله، ربما قد تكون معلومةُ النيات مسبقاً، لكن يتركها الحاكم السعودي لتُصبحَ معلومةَ الفعل والعمل لاحقاً بهدف إنفاذ العذر والحُجّة وإبرازِ الأدلّة والشواهد التي تُدين هذه الأطراف. هكذا تبدو السعودية كمن يخلع ملابسَه البالية في اليمن، نفس الأمر ينطبق على علاقتها بجماعة الإخوان اليمنية (حزب الإصلاح).

ثِقلُ الخطوات السعودية يُبرّرها هذا الأسلوب المتثاقل من السير السياسي في طريق آمن وسلس ألقى بظلاله على سير حلفاء السعودية المحليين في اليمن والعرب والدوليين بأسلوب متثاقل هو الآخر يَحْمِلُ السعودية على التغيير ويُشجّعها على إحداث تغييرات أخرى على ارتباطٍ وثيقٍ بالأمن القومي العربي والدولي ويحقّقُ استراتيجيةَ سلام دائم قائم على نبذ الإرهاب والتطرف وتحقيق الوسطية والاعتدال العقائدي.

"سوث24"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى