عدن من على السطح

> عدن.. إنها قصّة مدينة طفت على السطح ولكنها غارقة؟! هل استغربتم هذه العبارة؟! نعم هي كذلك، فلمَ العجب؟! هي شبه جزيرة على نقطة التقاء ما بين خليج عدن والبحر الأحمر شكلت مضيقا بينهما، وهو ما يعرف بمضيق باب المندب على البحر الأحمر، جنوبا، إنها سفر من أسفار العهد القديم، بل تكاد تكون هي العهد. نستطيع أن نقول إنها تشكل مركزا مهما للعالم، ماليا وعسكريا، بحكم موقعها الاستراتيجي. استراتيجية ربانية، ومنحة إلهية جعلت منها عنوانا رئيسيا في أحداث كثيرة وقعت ولا تزال تحدث على أرضها التي تحيط بها الجبال وبركانها الخامد، وبحر له سحره، وبشواطئها التي تعدّ من أجمل شواطئ العالم.

كل هذا وأنتم تتعجبون، لا، حقا هل لا زلتم تتعجبون؟! أعتذر منكم، كنت أحدثكم عن عدن في الماضي البعيد وما كانت تتمتع به من عنفوان. وللأسف لم تعد كذلك. لا أريد أن أصدمكم، لقد حكى التاريخ حكايتها فقد كانت محصنة ومسورة وتملك قدرة كبيرة للدفاع عن نفسها، قلاعا وحصونا، وفيها صهريج من أكبر صهاريج العالم الذي تزخر به مدينة كعدن، بمعنى أن لها مورد ماء خاصا بها، تتم الاستفادة منه في حفظ الماء وسقاية المدينة، والفائض من الأمطار يذهب إلى البحر. معالجة وتكرير وتقطير وخزان، عوامل بيئية مائة بالمائة. تتميز عدن بثروة سمكية هائلة، ومنتجعات طبيعية. وعلى الرغم من طقسها الحار جدا صيفا ورطوبتها العالية إلا أنها حقا مصيف بديع لكل من يقصدها من الزوار، دعونا نعود إلى الحقيقة والواقع، عدن لم تعد كما كانت، بل هي في الحقيقة أضحت تحمل عبارة واحدة تمثل قصتها الحقيقية. (عدن كانت) هي اليوم مدينة تطفو على سطح بحرها، فالأطماع التي تحيط بها قد قضت على كل ما كان فيها جميلا، وغارقة، لأن خزانها الوحيد في العالم بدأ في الانهيار بسبب تلك الأطماع، والكل يحفر في صخرها ويقتلعه من مكانه ليبني مكانه حجرا صمّاء تنخر في جسدها حتى فاضت مياهها ولم تستوعب صهاريجها مياه الأمطار. فغرقت المدينة وأضحت، فوق ما كانت، منكوبة.

اليوم عدن مخيفة ولم يجد الأمان فيها مكانا ليستريح من عثرات الزمن، لم تعد كما كانت مصدرا للرزق ومأوى للخائفين، أصبحت اليوم موطنا للطامعين والمجرمين وقطاع الطرق وناهبي القوافل التجارية واللصوص! لقد تحوّل باب الرزق فيها إلى باب ارتزاق، وتغيّرت طباع القوم فيها، إلا ما رحم ربي، وأبقى لنفسه فيها من عبق تاريخها شيئا منه، فيتمسك به، ولا يضيّعه، ضعف الطالب والمطلوب.

من يريد استلهام الحكمة والمعرفة فعليه بتاريخ هذه المدينة، ومن أراد معرفة الحقيقة، فليبحث لماذا كانت عدن كذلك؟ وماذا يريد الطامعون منها؟ وأين تكمن مطامعهم؟ عدن كانت قِبلة، فلم تعد كذلك، عدن كانت منارا فلم تعد كذلك، عدن كانت حاضنة للجميع، فلم تعد كذلك، بل هي اليوم عبارة عن قناني ماء كل طامع يقوم بتعبئة ما يمكنه من مائها، وكل يحفر بئره، وكل له فيها جداره وسوره، عدن مدينة مفتوحة وهي اليوم مقطّعة الأوصال، ابحثوا عن ما تبقى في عدن، وإن وجدتموه فحافظوا عليه حتى لا يضيع فيضيع آخر سطر وجملة وحرف من تاريخ عدن.

إذا كانت عدن كذلك، فلماذا نخطئ في حقّها وحقّ أنفسنا؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى