الإسلام السياسي وقيم الحداثة

> حسن الدولة

> لقد تحقق شبه إجماع كوني على اعتبار الديمقراطية الليبرالية النموذج الأسمى للنظام السياسي واكتمال حركية التاريخ تتجسد في الدولة الليبرالية الحديثة.

وحتى لو لم ينجح النظام الليبرالي على المستوى الواقعي في عدة مناطق، إلا أنه أصبح النظام السياسي الأكثر شرعية ولا يوجد مشروع أو بديل أيديولوجي أو سياسي له الإمكانات الكافية لتحديه، فقد أصبح الأفق الأسمى الذي يتطلع إليه البشر والذي سينتهي إليه كل نظام اجتماعي كيفما كانت طبيعته وولاءاته الأيديولوجية والقيمية.

فمن بين مختلف الأنظمة السياسية التي ظهرت عبر التاريخ الإنساني من الملكيات إلى الأرستقراطيات وحتى الأنظمة الثيوقراطية والفاشية والشيوعية، يبقى الشكل الوحيد للحكم الذي حافظ على اكتماله وصدقيته حتى نهاية القرن العشرين هو النظام الديمقراطي الليبرالي.
لكن.. لماذا سيصبح النظام الليبرالي هو الأساس للانخراط في التاريخ الكوني وتحقيق الدولة العالمية الليبرالية؟

يعتقد فوكوياما في نظريته الموسومة بـ "نهاية التأريخ" مقتفياً خطوات كانط، هيجل، ماركس، بوجود تاريخ كوني موحد للإنسانية يختزن تجارب كل الأزمنة والشعوب. وهذا التاريخ يتجسد اكتماله حين يتحرر من التناقضات والصراعات وتحقق الإنسانية شكلاً مجتمعياً يستجيب لرغباتها الأساسية.
ويرى فوكوياما أن التناقضات الجوهرية في المجتمعات الغربية الحديثة قد انتهت فلم تعد هناك مشكلات أساسية لم تجد لها حلاً داخل المنظومة الليبرالية الحديثة، وهذا ما يعد بقدوم عصر الدولة العالمية المنسجمة التي يعد الاتحاد الأوروبي نواتها الأولى.

إن الدولة العالمية الليبرالية لن تعرف تناقضات كبرى ورغبات الإنسان سوف تعرف الإشباع الكلي، لذلك، لن يكون هناك صراعات حول قضايا جوهرية أو أسئلة كبرى تهم مستقبل البشرية. فلن يحدث في عصر نهاية التاريخ أي تطور نوعي في ما يخص المبادئ والمؤسسات والقيم الأساسية المتحكمة في المجتمعات الليبرالية، ولن تكون هناك حاجة إلى رجال السياسة والعسكر بل فقط إلى موظفين إداريين وتكنوقراط لتدبر النشاط الاقتصادي.

ولن يصنع الإنسان التاريخ في هذا العصر حيث سيفقد كل روح ثورية للتفاعل مع التاريخ لتغييره وتطويره وسيقنع فقط بالحفاظ على الوضع القائم، واستمرار بعض المشكلات كالقوميات والأصوليات الدينية والأنظمة الاستبدادية.
في الوقت الحاضر يرجع إلى أن مجموعة من المجتمعات ما زالت تحاول بكل جهدها للالتحاق بالمجتمعات التي دخلت مرحلة ما بعد التاريخ.

لكن، ألا يوجد بدائل أيديولوجية وفكرية بإمكانها تحدي النظام الليبرالي؟
يرى فوكوياما أنه بعد انتصار الليبرالية على منافستيها الأساسيتين الفاشية والشيوعية لم تعد هناك تحديات حقيقية كفيلة بمنافسة النظام الليبرالي ويعتبر أن الأصوليات الدينية والتيارات القومية تحديات ثانوية قد يخلقان بعض المشاكل لكنهما يفتقدان العالمية والشمولية.

ويركز فوكوياما كثيراً على الإسلام حيث تعتبر الدول الإسلامية مجموعات تعيش خارج التاريخ الحديث وليس في العالم المعاصر غير الإسلام يطرح النظام الثيوقراطي كبديل للنظام الليبرالي.

وعلى الرغم من كون الإسلام يشكل نظاما أيديولوجياً منظماً له منظومته الأخلاقية ونسقه الاجتماعي والسياسي الخاص ودعوته دعوة عالمية تخاطب كل الناس متجاوزة كل الحدود الأثنية والوطنية وعلى الرغم من أنه انتصر على الديمقراطية الليبرالية في عدة مناطق من العالم الإسلامي إلا أنه، حسب فوكوياما، لا يمتلك جاذبية وقبولاً كبيراً خارج العالم الإسلامي، وعلى المدى البعيد سيكون العالم الإسلامي أكثر قبولاً للأفكار الليبرالية، ولهذا يحاول الأصوليون الإسلاميون التنديد بالنفوذ المتزايد للقيم الغربية في المجتمعات الإسلامية. وعلى إثر ذلك ازداد تأثير فوكوياما على اعتبار الإسلام المنظومة الثقافية الوحيدة التي تعادي الحداثة والقيم الليبرالية يقول في هذا الإطار: يبدو أنه يوجد في الإسلام أو على الأقل في الإسلام الأصولي شيء ما يجعل المجتمعات الإسلامية معادية للحداثة من بين جميع الأنظمة الثقافية المعاصرة يحتوي العالم الإسلامي أقل عدد من الديمقراطية ولا يحتوي على أية أمة استطاعت الانتقال من وضع الدول الفاشلة إلى الدول المتقدمة.

ربما فوكوياما ليست له لا الرغبة ولا المصلحة في البحث الدقيق والكشف عن الأسباب الحقيقية التي تجعل العالم الإسلامي لا ينجح في التحديث الحقيقي كما أن هناك تخوفاً من المسلمين على اعتبار أنهم من بين الشعوب الأكثر رفضاً للآثار السلبية للقيم الليبرالية الغربية، وهذا لا يعني رفضاً للحداثة والتحديث بل السعي إلى التحديث بدون السقوط في التغريب المفرط، وبالفعل نجد أن الإسلام السياسي يؤكد للعالم صحة نظرتهم القاصرة للدين الإسلامي الذي أنزل رحمة للعارفين برغم أن العلماء لا يستوون مع الذين لا يعلمون، وما سوف يحقق نظرية فوكوياما أنه قال إن الليبرالية ليست النظام الأمثل إلا أنها ستكون كذلك مادام هناك من ينتقدها.

نعم النقد بخاصة نقد الذات، أي النفس اللوامة التي أقسم الله بها لرفعة مكانتها، فلن تقوم للمسلمين قائمة مادام هناك تنابذ بين سنة وشيعة وروافض ونواصب، فقبح الله الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا فليسوا من الدين في شيء لقوله سبحانه: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء".

من صفحة الكاتب بالفيسبوك

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى