تحديث للرؤية الإستراتيجية لتصحيح أوضاع قطاع الكهرباء بعدن (1 من 2)

> م. خالد عبد الواحد محمد نعمان

>
سأحاول في هذه الورقة المقتضبة التي أعددتها سريعاً في ضوء التغييرات الإيجابية المحتملة التي أحدثها قرار تعيين محافظ جديد لعدن، وخاصة أن المحافظ الجديد أعلن أنه يرغب في إصلاح أوضاع الخدمات بعدن، ومن ضمنها خدمات الكهرباء التي تدهورت بصورة مريعة جداً حتى وصلت إلى الحضيض خلال سنوات الحرب 2015م - 2020م، وأصبحت معاناة سكان عدن لا تطاق، ولم تشهد مثلها في التاريخ الطويل لدخول الكهرباء لعدن الذي كان في عام 1926م، أي قبل 94 عاماً، وكانت أول مدينة تدخلها الكهرباء على مستوى كل مدن الجزيرة والخليج، وأصبحت أسوأ مدينة في مجال خدمات الكهرباء بين مدن المنطقة كلها.

وهذه الورقة اختزلنا فيها تجربة أكثر من خمسة وأربعين عاماً، بالقرب من هذا القطاع وقياداته المتعاقبة بحكم المناصب التي توليناها كمستشارين للطاقة في سكرتارية مجلس الوزراء، ومعاون للشؤون الاقتصادية في المكتب الخاص برئيس الوزراء في الجنوب سابقاً، وعضو المجلس التنفيذي لمحافظة عدن، وعضو المجلس الاستشاري للمحافظة، ونائب رئيس فريق إعداد الرؤية الاقتصادية لولاية عدن، وأخيراً عضو مجلس حكماء محافظة عدن المعطل. وقد حاولنا أولاً أن نضع الرؤية الإستراتيجية لتصحيح أوضاع قطاع الكهرباء بعدن، ثم عمل خطة إجراءات تنفيذية عاجلة ومتوسطة المدى للتغلب على التحديات والمصاعب الراهنة التي تعيشها مؤسسة الكهرباء، والتي يفترض أن تنفذها قيادة المؤسسة العامة للكهرباء بدعم لا محدود من قِبل قيادة السلطة المحلية الممثلة بالمحافظ الجديد، ومؤسستي الرئاسة والحكومة بدعم  من منظمات المجتمع المدني، وفي مقدمتهم رجال المال والأعمال، وأيضاً المستهلكون للكهرباء، ويجب التنويه بأن هذا الإصلاح الشامل لهذا القطاع يتطلب تحديد الرؤية الإستراتيجية الواقعية بشكل واضح وصريح وشفاف، ثم توفر الإرادة والعزم  للتنفيذ وتوفر الإدارة الفعالة والقوية والحكيمة لترتيب أولويات التنفيذ وفق خطط وبرامج واضحة تتضمن آليات التنفيذ والرقابة والتقييم. لقد وضعنا هذه الرؤية بأفق الدولة الاتحادية المكونة من أقاليم، والتي تضع محافظات عدن ولحج والضالع وأبين في إقليم واحد تحت مسمى "إقليم عدن" مع الاحتفاظ بخصوصية عدن كمنطقة اقتصادية خاصة تتمتع باستقلال اقتصادي ومالي حسب ما أقرته مخرجات الحوار الوطني الشامل بشأنها.

1 - جوهر الرؤية الإستراتيجية لتصحيح أوضاع قطاع الكهرباء بعدن.
تعتمد الرؤية الإستراتيجية على إعادة تصحيح أوضاع قطاع الكهرباء بعدن أو (إقليم عدن) على إعادة صياغة منظومة الطاقة الكهربائية بعدن على أساس أنها خدمة اقتصادية منتجة يجب أن تعمل وفق أسس اقتصادية بكفاءة عالية وبتكلفة معقولة، وأن يتحمل المستهلكون كلفة هذه الخدمة كلاً حسب استهلاكه الفعلي ولا يعفى أحد منها، وأنها خدمة يجب أن توفر مقومات تنمية منظومتها الإنتاجية والتوزيعية وفقاً لاحتياجات النمو السكاني والنمو الحضري بشكل مستمر بالاعتماد على مواردها ذاتها، ولا يمنع ذلك من لجوئها إلى الاقتراض بشروط ميسرة من الحكومة أو الجهات الممولة أي كانت بنوك تجارية أو إسلامية أو منظمات دولية أو إقليمية مانحة أو الدخول في شراكة مع القطاع الخاص وفق قانون الشراكة مع القطاع الخاص أو قانون الاستثمار أو قانون المنطقة الحرة، في كل أو جزء من مكونات المنظومة، أو الحصول على دعم من قبل الدولة، فيما إذا كانت الدولة تريد أن تدعم أي شريحة مجتمعية في ظل الوفرة لديها. ولكن ذلك لا يستحب نتيجة للتجربة المريرة التي مرت بها المنظومة خلال أكثر من الـ 50 عاماً الماضية التي كانت أحد الأسباب الرئيسة لتعثر مسار تنمية هذا القطاع بعد أن استنزف الدعم بأشكال مختلفة حوالي أكثر من 5 مليارات دولار خلال العشرين سنة الماضية فقط. كما يجب عند إعادة تصحيح أوضاع هذا القطاع أن يتم الفصل بين المكونات الثلاثة للمنظومة، التوليد، والنقل والتوزيع، وجعل العلاقات أو التشابك بين هذه المكونات الثلاثة، تحكمها الالتزامات القانونية المتبادلة على أسس فنية واقتصادية متينة وثابتة، وفي كل الأحوال إذا ظلت مسؤولية إدارة هذا القطاع على أساس مؤسسة حكومية، فيجب أن تمنح الاستقلال المالي والإداري والفني لتعمل وفق آلية السوق على أسس مؤسسة تجارية خدمية منتجة تقدم سلعة أساسية لا غنى عنها من قبل كل المستهلكين، ولا تسأل عنها الحكومة إلا في حدود الدعم المقدم لها من الحكومة دون التدخل في شؤونها الداخلية، ويجب أن تدار من قبل مجلس إدارة متخصص يحافظ على مصالحها أمام الجميع (الدولة والمجتمع)، ولا يمنع أن يفتح المجال للمنافسة الشريفة بين مختلف القطاعات لتقديم هذه الخدمة المنتجة على أساس عادل لخدمة كل المستهلكين أو لقطاعات محددة من المستهلكين. كما يجب اعتبار المنظومة الكهربائية للمحافظات الأربع: عدن ولحج والضالع وأبين منظومة وطنية واحدة تبرر تشغيلها بكفاءة اقتصادية وبتغطية سكانية مناسبة في كل الأحوال صيفاً وشتاءً مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاحتفاظ بالربط بالشبكة الوطنية العامة لاستخدامها عند الحاجة والطوارئ في سد النقص في الطاقة أو تصدير الفائض منها. وفي كل الأحوال يجب على كل المنظومة الإنتاجية للتوليد أن تعتمد على محطات تعمل بالتوربينات الغازية أو البخارية التي تشغل بالغاز أو الفحم أو الوقود الثقيل (المازوت) على أساس محطات قادرة على تلبية الأحمال الأساسية (Base Load Stations)، وليس محطات تعتمد على مولدات الديزل التي تستخدم للأحمال الطارئة أو الاحتياطية (Peak Load Stations)، وذلك لتخفيض كلفة الإنتاج والتشغيل والصيانة وضمان عمر أطول للمنظومة الكهربائية، ولا بد من امتلاك المنظومة لخطوط النقل العالي بمستوياتها الثلاثة بقدرة 132 ألف كيلو فولت، و33 ألف كيلو فولت و11 ألف كيلو فولت أكانت بكابلات أرضية أو هوائية على كامل نطاق التغطية الكهربائية للإقليم، وأن يعاد نشر محطات التحويل والتوزيع للرفع والخفض على المناطق وفقاً لحاجتها الفعلية والمتوقعة، بحيث تضمن توزيع الأحمال واستقرار وانسيابية التيار الكهربائي في كل المناطق بصورة آمنه وعادلة. هذا هو جوهر الرؤية، ويمكن تلخيصها في الإضاءات التالية:
أن تعاد صياغة قطاع المنظومة الكهربائية على أساس أنها خدمة اقتصادية منتجة يجب أن تعمل وفق أسس اقتصادية بكفاءة عالية وبتكلفة معقولة، وأن يتحمل المستهلكون لهذه الخدمة كلفتها كلاً حسب استهلاكه الفعلي، ولا يعفى أحد منها.

يجب أن توفر هذه الخدمة مقومات تنمية منظومتها الإنتاجية والتوزيعية وفقاً لاحتياجات السكان في النمو السكاني والحضري باستمرار، بالاعتماد على ذاتها
ولا يمنع من أن تلجأ المؤسسة إلى الاقتراض بشروط ميسرة من الحكومة أو من البنوك التجارية أو الإسلامية أو منظمات التمويل الإقليمية والدولية.
إمكانية الشراكة مع القطاع الخاص وفق قانون الشراكة، أو قانون الاستثمار أو قانون المنطقة الحرة في جزء أو كل من مكونات المنظومة.
الفصل بين مكونات المنظومة الإنتاجية (التوليد) والنقل والتوزيع، وتنظيم العلاقة بين هذه المكونات على أساس علاقات تعاقدية فنية واقتصادية واضحة وشفافة وملزمة.
منح الاستقلالية المالية والإدارية والفنية إذا ظلت خدمة الكهرباء بمنظومتها الكاملة أو الجزئية تتبع للمؤسسة الحكومية "المؤسسة العامة للكهرباء"، وعلى أن تدار من قِبل مجلس إدارة معين مستقل عن القرارات الحكومية، وتعمل وفق أسس تجارية وفقاً لآليات السوق.
فتح مجال المنافسة الشريفة بدون احتكار في كل أو جزء من المنظومة الكهربائية لكل القطاعات على أساس عادل لخدمة كل المستهلكين أو لقطاعات محددة من المستهلكين.

اعتبار المنظومة الكهربائية للمحافظات الأربع عدن ولحج والضالع وأبين منظومة وطنية واحدة تبرر تشغيلها بكفاءة اقتصادية بتغطية سكانية مناسبة، وفي كل الأحوال صيفاً وشتاءً مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاحتفاظ بالربط بالشبكة الوطنية العامة لاستخدامها حين الحاجة والطوارئ.
يجب على كل المنظومة الإنتاجية للتوليد أن تعتمد على محطات تعمل بالتوربينات الغازية أو البخارية التي تعتمد على الغاز أو الفحم أو الوقود الثقيل (المازوت) على أساس محطات (Base Load Stations)، وليس محطات تعتمد على مولدات الديزل (Peak Load Stations) إلا لحالات الاستخدام الاحتياطي أو الطارىء، وذلك لتخفيض كلفة الإنتاج والتشغيل والصيانة وضمان عمر أطول للمنظومة الكهربائية.

امتلاك المنظومة لخطوط النقل العالي بمستوياتها الثلاثة بقدرة 132 ألف كيلو فولت، و33 ألف كيلو فولت و11 ألف كيلو فولت بكابلات أرضية أو هوائية على كامل نطاق التغطية الكهربائية، وأن يعاد نشر محطات التحويل للرفع والخفض على المناطق وفقاً لحاجتها الفعلية والمتوقعة، بحيث تضمن توزيع الأحمال واستقرار وانسيابية التيار الكهربائي في كل المناطق بصورة آمنة وعادلة.

2 - ما هي التحديات والتهديدات الراهنة في قطاع الكهرباء بعدن؟
يمكن تحديد وتلخيص التحديات والتهديدات الراهنة في منظومة الكهرباء بعدن وإدارتها كما هي في بداية شهر سبتمبر 2020م، والتي تنتصب أمام القيادة الجديدة في المحافظة والقيادة في المؤسسة العامة للكهرباء هي الآتي:
عجز حاد في التوليد.. يعاني القطاع عجزاً حاداً في طاقة التوليد بمنظومة عدن وصل إلى حوالي 58 %، حيث وصل إجمالي التوليد حتى يوم الخميس 3 سبتمبر 2020م  216.8 ميجا وات والعجز 291 ميجا وات، وإجمالي الحمل المطلوب 506,8 ميجا وات منها الإنتاج من المحطات الحكومية المختلفة 68.6 ميجا وات ومن محطات الطاقة المشتراة المستأجرة 148,2 ميجا وات: أي أن كل إنتاج التسع محطات الحكومية لا تنتج سوى 31.6 % من إجمالي التوليد، وأن 68.4 % من التوليد يأتي من 6 موردين للطاقة المشتراة، وذلك بدل من خطورة وضع التوليد للكهرباء في عدن من حيث العجز الكبير في التوليد، وفي أعبائه وتكلفته الاقتصادية. ومرفق 3 جداول هي التقرير اليومي للإنتاج من كل محطة على حدة وإجمالي الأحمال والعجز، والتقرير عن عدد الساعات لتشغيل محطات التوليد حسب الوقود والأحمال، والتقرير اليومي لاستهلاك الوقود مع الطاقة المنتجة لكل محطة ومعامل الكفاءة في كل محطة. وكل هذه التقارير عن الفترة 1 - 3 سبتمبر 2020م، وكما توضحه هذه التقارير، فإن كل المحطات الحكومية قد انتهى عمرها الافتراضي، وتستهلك كميات كبيرة من الوقود والزيوت كفاءتها جميعها متدنية، حيث لا يتجاوز معامل الكفاءة فيها ما بين 35 إلى 39 % فقط، بينما محطة الحسوة (الروسية والصينية) بالرغم من أنها قدرتها التصميمة تصل إلى 185 ميجا وات، فبالرغم من أنها تستهلك أكثر من 200 ألف لتر من المازوت يومياً، وأكثر من 900 ألف لتر من المياه  يومياً، فإن متوسط التوليد فيها لا يصل إلى أكثر من 23.3 ميجا وات، ومعامل كفاءتها هو الأدنى، حيث لا يتجاوز 23.8 %، ويمكن أن تصل أقصى طاقتها إلى 50 ميجا وات إذا أجريت لها عمرات مكلفة ناهيك عن الكلفة الباهظة للعمالة في التشغيل، حيث يعمل فيها أكبر مجموعة من الموظفين مقارنةً بجميع المحطات الحكومية. أما المحطات المستأجرة الست فإنها تستهلك 642 ألف لتر من الديزل يومياً ناهيك عن تكلفة التأجير العالية. والخلاصة أن توليد الكهرباء في ظل هذا الوضع على حافة الهاوية ومكلف جداً. ولا يمكن  تحقيق أي تحسين في الخدمة وزيادة التوليد إذا ظللنا نعتمد على هذه المحطات المتهالكة والطاقة المستأجرة، وفي ظل عدم تنفيذ أعمال الصيانة العمرية في وقتها المزمن حسب توصيات الشركات المصنعة، وعدم توفر  قطع الغيار التشغيلية أو الطارئة حسب الاحتياج. إذن كل عمليات التوليد القائمة هي استنزاف للمال العام، وسوء خدمة ومعاناة مستمرة للمواطنين. وقد تنخفض القدرات المولدة المذكورة أعلاه في أي وقت إذا توقفت بعض المحطات، أو انتهى الوقود، أو حدث إعطاب في الشبكة كما يحدث دوماً. وهذا العجز ليس العجز الكلي عن الاحتياجات الفعلية لأن معظم المنشآت الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية تستخدم مولداتها ناهيك عن الاحتياجات الفعلية للمحافظات التي تم ربطها بمنظومة عدن مؤخراً أو عبر الشبكة الوطنية التي تضررت وتحتاج إلى إعادة تأهيل بكلفة تصل إلى 10 ملايين دولار، وهي في نطاق إقليم عدن. والخلاصة أن تكاليف إنتاج الطاقة في عدن من قِبل المحطات الحكومية أو المستأجرة تصل إلى 345 مليون دولار في السنة، ويمكن توزيعها على النسب التالية:
46 % كلفة وقود التوليد من محطات الطاقة (المستأجرة من شركات الطاقة)
35 % كلفة وقود التوليد من المحطات الحكومية
10 % كلفة الطاقة المشتراة (المستأجرة)
4 % رواتب العاملين في مجال التوليد
5 % نفقات أخرى.
وهذا يعني أننا يمكن أن نبني محطة كل عام من هذه الكلفة السنوية لإنتاج طاقة توليد لا تفي سوى  بـ 42 % من إجمالي الحمل على الشبكة، وليس الحجم المطلوب من الكهرباء للمدينة، حيث إن جزءاً كبيراً من الطلب يوفره المستهلكون من القطاع الخاص من خلال مولداتهم الخاصة.

التحديات والمشاكل في شبكات النقل والتوزيع داخل محافظة عدن والربط بالشبكة الوطنية:
تعمل منظومة النقل في عدن بجهد نقل متوسط 33 كيلو فولت، و11 كيلو فولت، وتشمل محطة تحويل رئيسية واحدة (الحسوة التحويلية 132/ 33 كيلو فولت  والتي تربط عدن بالشبكة الوطنية، ونغذي محافظة أبين عبر خط النقل 132 كيلو فولت الحسوة/ جعار، كما تتم تغذية محافظة الضالع وأجزاء من محافظة لحج عبر خط النقل 132 كيلو فولت الحسوة / نوبة دكيم / الحبيلين، وقد تعرضت هذه الخطوط (خطوط النقل ومحطات التحويل الرئيسية) إلى أضرار كبيرة أثناء الحرب، وتعمل حالياً بنسبة 50 % من جاهزيتها وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل وإصلاح بكلفة 12 مليون دولار. أما شبكات التوزيع داخل عدن، فتتكون من 16 محطة تحويل و1621 محول توزيع بكابلات بجهد 33 كليو فولت و11 كيلو فولت بطول 2,116.4 كيلو متر من الخطوط الهوائية بكابلات أرضيه بطول 2,207.3 كيلو متر. وكل هذه الشبكة للتوزيع تحتاج إلى التحسين وإزالة العشوائية المحملة عليها، ومعالجة الاختناقات فيها وتعزيز مصادر التغذية فيها ناهيك عن تصريف الطاقة من محطة التوليد الجديدة قدرة 264 ميجا وات، والكلفة المقدرة لذلك هي 55,72 مليون دولار، وقد اعتمد مجلس الوزراء بقراره رقم 36 لعام 2019م في تاريخ 14 مايو 2019م توفير كلفة تصريف الطاقة من المحطة الجديدة بكلفة 19 مليوناً و695 دولاراً، والتي لم تنفذ حتى الآن بعد مضي أكثر من عام من اتخاذ القرار، وذلك يدلل على أن خدمات الكهرباء في عدن لا تحتل الأولوية لدى الحكومة، ما سيؤدي إلى عدم دخول المحطة الجديدة للخدمة في صيف عام 2021م، وستظل معاناتنا مستمرة سنة أخرى.

تدنٍ كبير في كفاءة التشغيل والتوزيع وارتفاع نسبة الفاقد
بالرغم من هذا العجز في التوليد فإن أكثر من نصفه يعتبر فاقداً فنياً وغير فني عبر الاستهلاك الداخلي أو التسرب في الشبكات أو السرقات والربط العشوائي من الشبكة العامة في كل المناطق العشوائية والمرتفعات، ويشكل حوالي 57 % من حجم التوليد: أي أن ما يحتسب أنه مباع لا يشكل سوى أقل من 50 % من الطاقة المولدة. وبالتالي فقد صرفت على هذا التوليد نفقات وقود وزيوت ورواتب ونفقات تشغيل أخرى ولم تحصلها المؤسسة كمبيعات.

عدم ضمان استمرار التشغيل الدائم بسبب عدم انتظام تموينات الوقود والمتطلبات الأخرى للتشغيل
لقد ظل تزويد المحطات بالوقود من ديزل ومازوت بشكل غير منتظم ومتقطع يشكل سبباً رئيسياً للاطفاءات المتكررة، ودائماً ما يتم الوصول إلى الحافة من انعدام المخزون للوقود في كل المحطات، ويسبب ذلك تذمراً كبيراً للسكان، وللأسف لا يوجد حل مستدام لهذه المشكلة، لأن التزويد بالوقود ظل محتكراً من قِبل جهة واحدة، وتشكو تلك الجهة من عدم سداد مستحقاتها بانتظام، ويبلغ استهلاك المحطات يومياً من الوقود ما يزيد عن 2000 طن ديزل، و550 - 750 طناً من المازوت يومياً (طن الديزل 1,200 لتر، وطن المازوت 1,050 لتراً) ناهيك عن عدم توفر الزيوت والفلاتر وقطع غيار في الوقت الذي تحتاجه علميات التشغيل والصيانة للمحطات في ظل عدم قدرة مؤسسة الكهرباء على تسديد قيمة الوقود وهذه المواد، بسبب الظروف المالية التي تعيشها من التخلف عن التسديد لمستحقاتها من قِبل معظم المستهلكين. ويعتبر ذلك من أكبر التهديدات والتحديات على إمكانية ضمان استمرار تقديم خدمة الكهرباء. وقد تولت الحكومة تسديد كلفة الوقود المورد للمحطات الحكومية والمستأجرة، ولكن أيضاً لم تتمكن من ضبط انتظام توريدات الوقود، وأيضاً أخفقت "الإدارة الذاتية" في تأمين الوقود بشكل منتظم، ومازالت هذه الأزمة قائمة تتكرر باستمرار بالرغم من أن تعليمات صدرت مؤخراً من رئيس الحكومة المكلف بتسيير الأعمال بتكليف شركة النفط اليمنية من تحمل مسؤولية تزويد المحطات بالوقود، ولكن ليس هناك ضمانات لاستمرار ذلك ما لم تعود آلية اللجنة التي كانت تشرف على التموين بالوقود من قِبل المنحة السعودية.

محطات توليد متداعية وتشغل بكلفة عالية وباعتمادية غير مضمونة
إن كل المحطات العاملة قد انتهى عمرها الافتراضي، فمحطة الحسوة قد انتهى عمرها الافتراضي قبل مدة طويلة، والآن تشغل بكلفة عالية جداً تصل إلى 3 - 5 أضعاف مثيلاتها من المحطات، وقد استنزفت لتشغيلها خلال الخمسة وعشرين من السنوات الماضية، ما يربو على كلفة إقامة سبع محطات مماثلة، أما محطات الديزل في المنصورة فقد عملت بدون توقف وبدون إجراء عمرات أو صيانة، وبالتالي فهي قد استهلكت، وتوقفت الأولى والثانية بعد إجراء عمرة لها بكلفة 23 مليون يورو، وتعمل الآن تحت الخطر لأن من المفترض أن تتوقف لإجراء الصيانة الدورية لها بعد عمل أكثر من 12 ألف ساعة تشغيل، كما أن المحطة الغازية (الحسوة 2 القطرية) بحاجة إلى إعادة تأهيل وبقية المحطات الحكومية تحتاج إلى صيانات عمرية وقطع غيار أساسية، وتبلغ التكلفة المطلوبة للقيام بهذه الصيانة والعمرة ما يفوق 14 مليون دولار. ولم تتبق سوى محطات الطاقة المؤجرة التي هي حل كارثي استنزفت ملايين الدولارات كان يمكن أن تبنى فيها العديد من المحطات، إذن فلا بد من إنشاء محطات بديلة وفق الرؤية الموضحة أعلاه وتوقيف كل المحطات العاملة التي تستنزف الأموال بعبثية لا مثيل لها. ولكن ذلك لم يمكن تنفيذه حتى الصيف القادم إلا إذا اشتغلت المحطة الغازية الجديدة (محطة الرئيس) بقدرة 264 ميجا وات، والتي سنتحدث عنها لاحقاً، والتي وعد الأخ  رئيس الجمهورية عند لقائه بشخصيات ووجاهات عدن في يونيو 2018م بأن المحطة ستكون جاهزة للعمل في صيف عام 2019م، ولكن مازالت المحطة تحبو، ومازال أمر تصريف طاقتها محل شك في أن تعمل بصيف عام 2021م ما لم تحل المشاكل التي سنستعرضها لاحقاً في سياق هذه الوثيقة.

الافتقار التام لكل أنواع مواد وأدوات التشغيل والصيانة
إن كل مخزونات مؤسسة الكهرباء من مواد شبكة ومحولات وقطع غيار، ومنشآت وآليات وأدوات عمل قد دمرت أو نهبت أثناء الحرب، ولم تعوض عنها أبداً، فيما عدا بعض المساعدات الإماراتية الإسعافية للتشغيل المؤقت بعد الحرب مباشرة ثم توقفت، وأصبحت المؤسسة في شح شديد لكل متطلبات العمل والتشغيل والصيانة والإصلاحات بدءاً من المحولات والفيديات والكابلات ومواد الشبكة، وحتى الآليات الخاصة بالطوارئ أصبحت شحيحة لا تلبي الاحتياجات المطلوبة، وكل التشغيل للشبكات بعد الحرب تم بحلول مؤقتة، ومازالت حتى الآن بحلول مؤقتة وليست دائمة.

الاختلاس الواسع للتيار الكهربائي بأشكال مختلفة
إن ظاهره السطو على الشبكات العامة أو أعمدة النور، وسرقة التيار الكهربائي أصبحت شائعة وهي السائدة في كل المناطق العشوائية التي بنيت أثناء وبعد الحرب، وكلها تستهلك الكهرباء مجاناً ناهيك عن الأخطار التي تسببها تلك الأعمال على الشبكات والمستهلكين النظاميين الآخرين، كما أن اختلاس الكهرباء في بعض المناطق المرتفعة من أحياء عدن التي يصعب الوصول إليها. وعند الاختلاس يتوسع المختلسون في استهلاك الكهرباء للتكييف وأغراض أخرى، الأمر الذي يؤثر على الشبكات ودائماً ما تتعرض تلك المناطق لاحتراق الكابلات وحوادث حريق، وللأسف فبعض موظفي الكهرباء هم من يساعد في تلك الاختلاسات

وضع مالي صعب ومعقد لا يفي بأدنى نفقات التشغيل
تعاني مؤسسة الكهرباء من وضع مالي صعب جداً بكل المقاييس، فبالرغم من أن الطاقة المباعة تصل إلى ما يقترب من مليار ريال شهرياً، إلا أن التحصيل لا يتجاوز 15 % من قيمة الكهرباء المباعة، ويتركز التسديد  بنسبة 13 % من القطاع التجاري، أما القطاع المنزلي فلا يدفع سوى 2 % من إجمالي المتحصلات الشهرية، وذلك بسبب امتناع المستهلكين من سداد قيمة استهلاك الكهرباء منذ عام 2011م، وتراكمت المديونيات التي على المستهلكين لتصل إلى 30 مليار ريال، بينما عليها مديونيات للغير (لشركة النفط مقابل الوقود وآخرين) بحوالي 15 مليون دولار وأكثر من مليار ريال يمني.

عمالة فائضة عن الحاجة وعدم توازن بين العمالة الفنية والإدارية
تنوء مؤسسة الكهرباء بحمل ثقيل في مجال القوى العاملة، ففيها تضخم عمالة كبير وصل إلى 2752 موظفاً، منهم 1016 موظفاً في الشؤون الإدارية والمالية و1736 موظفاً فنياً، ويعتبر ذلك من أعلى المعدلات العالمية لإنتاج الكهرباء، ففي حالة إنتاج المؤسسة الذي بلغ متوسط إنتاج يومي ما يقارب 216 ميجاوات فإن معدل إنتاج الميجاوات الواحد يقابله حوالي 13 موظفاً، ويشكل ذلك عبئاً كبيراً على مالية المؤسسة وكفاءتها التشغيلية ناهيك عن المؤسسة يجب أن تكون الأغلبية فيها للعمالة الفنية، ولكن واقع المؤسسة يشير إلى أن العمالة الإدارية تشكل أكثر من 70 % من العمالة الفنية، والمفترض أن لا يتجاوز عدد العمالة الإدارية نصف عدد العمالة الفنية. لذلك سيظل هذا الوضع يضغط بشكل كبير على فعالية وكفاءة التشغيل في المؤسسة، وعزوف كثير من الجهات التمويلية من إقراض مؤسسة الكهرباء لمشروعاتها التطويرية.

الإهمال والتسيب وعدم الانضباط والفساد المستشري في المؤسسة
تعاني الأوضاع الإدارية والمالية من ضعف شديد في الالتزام بنظم وقوانين العمل، وتسيب في تطبيق الثواب والعقاب، وتدخل النقابات في أعمال الإدارات وكثرة الإضرابات والاعتصامات والمطالبة بالحقوق دون الالتزام بالواجبات وتفشي الفساد في تقديم الخدمات للمواطنين والعديد من الترهل في تطبيق أنظمة شؤون الموظفين والمناقصات وغيرها من أعمال المؤسسة.
لذلك أمام كل تلك التحديات والتهديدات والمصاعب، فقد اقترحنا خطط عمل عاجلة لمواجهة هذه التحديات، وخطط عمل متوسطة الأجل لمواجهة هذه التحديات، ومصفوفة تنفيذية تبرمج تنفيذ هذه الخطط بآجال زمنية محددة للوصول إلى أهداف الرؤية الإستراتيجية التي وضعناها في مقدمة هذه الورقة.


> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى