أبين.. متاهة الحروب العبثية في خاصرة الجنوب

> عبدالله الظبي

> تعرضت محافظة أبين لحرب شرسة ولحق بمدنها وعدد من مديرياتها أبشع صنوف الدمار، ومازالت آثار تلك الحرب باقية إلى هذه اللحظة لتكون شاهدة على جرائم لحقت بالمحافظة أرضاً وإنساناً منذ صيف العام 94م مروراً بالعام 2011م بعد سيطرة الجماعات المتطرفة على عاصمة المحافظة زنجبار، ولم تسلم محافظة أبين من الحرب في عام 2015م التي شنتها مليشيات الحوثي وصولاً إلى الواقع المأساوي الذي تعاني منه اليوم.

وتتمتع محافظة أبين بمواقع جغرافية هامة، وتمتلك شريطاً ساحلياً يقدر طوله بحوالي 200 كليو متر، ويعتمد معظم سكانها على الزراعة وصيد الأسماك وتربية النحل.
لم تنعم هذه المحافظة بالهدوء والاستقرار والسلام والأمان منذ تحولها إلى مسرح للعبث، وملعب للعمليات الإرهابية، ومأوى للتنظيمات المتطرفة، واليوم تكمل جماعة الإخوان مشوار العبث.

خذلان وتهميش
استخدمت الحكومات السابقة والحالية أساليب متعددة للقضاء على محافظة أبين وتجويع وتركيع أبنائها، حيث جرى حرمانها من كل الخدمات الأساسية كانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع أسعار المواد الغذائية وإهمال مواجهة المشكلات اليومية وتردي النظافة وطفح مياه الصرف الصحي وتكدس القمامة، وكذلك الطرقات فأغلب أبناء هذه المحافظة يعانون حالات مادية صعبة للغاية نتيجة للبطالة المتفشية فيها، واتجه أبناء وأهالي أبين إلى جبهات القتال في مناطق مختلفة للحصول على راتب شهري يسد رمق الجوع الذي يعانون منه مع الحكومة في مواجهة مليشيات الحوثي، إلا أن الحكومة استخدمت أبشع صور التجويع والتنكيل والتعذيب مع انعدام الخدمات المختلفة في المحافظة التي معظم أبنائها ذهبوا لجبهات القتال ولم يعودوا أحياء، بل جثثاً هامدة.

أبين دائماً تدفع الثمن
يقول الشيخ أبو بكر العويني، أحد الشخصيات الاجتماعية والسياسية في محافظة أبين: "أبين خاصرة الجنوب في السلم، ومنذ عام 1967 إلى عام 2020م وهي تدفع الضريبة وتنال القسط الأكبر من المعاناة بين المحافظات الجنوبية، وقدمت أشرف الرجال من أبنائها في سبيل الجنوب.
وأضاف: "هدف أبين من 67 إلى 2020م الجنوب، وليس لهم أي هدف غير الجنوب لقد دمرت أبين إنساناً وأرضاً بسبب السياسات القذرة المقصودة ضدها وأهلها بسبب موقعها، فلو نحصي شهداء وجرحى أبين في كل المنعطفات لوجدناها تحتل الصدارة بين بقية المحافظات".

وتابع: "لا توجد في أبين أي تنمية أو مشاريع تنموية قدمتها الحكومات المتعاقبة منذ اجتياح الجنوب في صيف 94م، بل عمل النظام على تحويل أبين إلى جغرافيا لمعسكرات تنظيم القاعدة".
وأضاف: "في عام 2011م تم تدمير البنية التحتية بسبب حرب القاعدة، وتدمير المستشفيات والمدارس والمرافق الحكومية ومنازل المواطنين والقضاء على الزراعة بالكامل، وتسببت حرب القاعدة وأنصار الشريعة بنزوح أبناء أبين من منازلهم التي عادوا إليها لاحقاً فوجدوها أطلالاً وخرائب".

وأردف: "لقد كذبوا على أبين باسم التعويض، لكن التعويضات فيما يبدو أنها ذهبت إلى جيوب اللصوص، ومنذ تلك الحرب إلى اليوم لا تزال منازل كثير من المواطنين مهدمةً، ومن حينها والأهالي يسكنون في منازل بالإيجار".
وقال: "وفي عام 2015م حلت على أبين حرب الحوثي، ودفعت خيرة رجالها وخرجنا من حرب الحوثي، وعادت القاعدة إلى أبين، وتم قتل ما كان يسمى اللجان الشعبية".

ولفت إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تعط أبين أي اهتمام، فكل شيء فيها مدمر، فلا مشاريع خدماتية كالكهرباء والطرقات ومشاريع الري الزراعية، وكذلك مجال الأسماك معطل.

والآن نحن في عام2020 لازالت أبين تدفع الثمن بسبب الحرب الدائرة على أراضيها وكل الضحايا من أبناء الجنوب، لكن أبين هي من تدفع الضريبة في هذه الحرب فمثلاً أبناء الشيخ سالم نزحوا من منازلهم، وشردوا إلى أكثر من مكان، وتعطلت أعمالهم وحياتهم، وكذلك أبناء شقرة المدينة الساحلية المسالمة تعطلت الحياة فيها، والمنظمات الإنسانية مسيسة فجميع نازحي أبين من حرب 2011م حتى 2020م لم يتحصلوا على دعم كما يحظون به في المحافظات الشمالية،

وفي أبين تدفع المعونات لنازحي المحافظات الشمالية والإيجارات والمبالغ النقدية، ونازحي أبين لم تعاملهم المنظمات ولم تساعدهم ولم تقدم لهم يد العون.
وتساءل: "أين اتفاق الرياض من معاناة أهل أبين؟ أين اتفاق الرياض من تعويض أبين المدمرة في نسيجها الاجتماعي الذي تخلفه الحروب، وغرس الحقد والدمار في نفوس أجيالنا بدل الحب والسلام والتنمية؟".

رأس حربة وحروب عبثية
من جهته، قال نبيل النمي، أحد الشخصيات الاجتماعية بمدينة زنجبار: "سقطت أبين في مستنقع المؤامرة في 2011م، وكان رأس حربة المؤامرة شباب أبين فظلت جريحة مكلومة تنزف إلى يومنا هذا، وقدت كل مقوماتها وخيرة رجالها في حروب عبثية لا معنى لها وتوقفت عجلة التنمية، والمواطن يتعامل مع مجموعة من المهرجين، ولم يستفد من صندوق الإعمار، وذهبت المليارات إلى حسابات أساطين الفساد".

وأضاف: "الحكومة لا تريد أن تتعامل مع أبين على أنها محافظة ولا إقطاعية من إقطاعيات الموز، لأن من يمثلون أبين في الظاهر يمثلون أنفسهم ومشاريعهم الأسرية، ولا زالت الحكومة تتعامل معهم لأنهم (ترانزيت) مريح ومغرٍ للغاية وغير مكلف، وستبقى أبين في دوامة المجهول".

إهمال الجرحى ونسيان الشهداء
وأضاف: "بالنسبة لحرب 2015م خرج لتصدي الغزو أبناء أبين الفقراء والمساكين، وبعد أن اشتد عودهم وقوي مراسهم في ميادين الموت، وبدأت العقيدة الوطنية تؤتي ثمارها، وتسلق المتسلقون وركبوا موجة الدفاع عن الوطن، واليوم هم على رأس الهرم أبطال حقيقيون مهملون، بل الشهداء الذين قدموا أرواحهم لم تجد أسرهم أي اهتمام، وأتذكر رفيقاً لنا من الجول الشعبية بترت قدماه واستشهد، وكثيرون منسيون ومهملون إلى اللحظة ما يحزن النفس أن أشباه الرجال يركبون السيارات الفارهة، ويتمتعون بملذات الحياة، وأسر الشهداء والجرحى في خانة النسيان".

وتابع: "لازالت المعركة مستمرة في (الشيخ سالم)، و(ثرة) وكل المديريات الشرقية، حيث يقدم أبطال أبين وردفان والضالع أرواحهم فداءً للوطن وذوداً عن حياضه، ونتمنى ألّا يتسلق أشباه الرجال بعد النصر على حساب تضحيات الأبطال، وستنتصر أبين لا محالة وسينتصر الجنوبً قريباً فقط ننتبه للطابور الخامس الذي يتربص بنا في المراحل والمنعطفات، ستدور عجلة التنمية بإرادة الله ثم المخلصين الصادقين من السواد الأعظم من أبناء أبين والجنوب".

تدمير ممنهج
من جانبه، قال الإعلامي عبدالعزيز باداس: "من هنا نجدها فرصة من منبركم الإعلامي الحر لنعبر عن حديثنا فيما تتعرض له هذه المحافظة الجريحة، ولكن في حقيقة الأمر أن حرب 2011م بداية لتدمير ممنهج من قبل نظام صنعاء وأذنابه وأدواته، وإن كان ذلك من بعض الجهلاء من أبناء جلدتنا الذين بعضهم استوعب الدرس في نهاية المطاف، ولقد سُلّمت المحافظة من قبل الأمن المركزي والنجدة لجماعات متطرفة، وتحولت إلى مسرح للعبث في زنجبار وجعار والكود وشقرة ووصلت نسبة الدمار والنزوح إلى أكثر من 80 % وبعدها بعامين. أتى الحوثي ليمر بجيشه ويدك بوحشية من كان في طريقه، فكان لأبين نصيب في أول نزوله من عقبة ثرة، وفي تفخيخ منزل الشهيد محمد عيدروس و14 منزلاً آخر، وصولاًَ إلى زنجبار ليقصف بمدفعه مستشفى الرازي وعدداً من المنازل، وتسبب بأضرار جسيمة في منازل المواطنين وعدد من المؤسسات التعليمية والخدمية والعسكرية".

بؤس وحرمان
ومن جهته، قال فيصل السعيدي رئيس منظمة سما أبين للتوعية والإرشاد ومدير تنفيذي منظمة حق للدفاع عن الحقوق والحريات: "رغم تواجد أكبر عدد من أبناء محافظة أبين في أعلى المناصب بالسلطة من الرئيس إلى أصغر موقع قيادي، إلا أن أهالي المحافظة يعانون الشقاء والبؤس والحرمان، وأصبح الحزن هو العنوان الأبرز منذ عام 2011م إلى يومنا هذا".

وأضاف: "كنت شاهد عيان على الأحداث التي حولت أبين إلى ساحة حرب وميدان قتال، وتصفية حسابات بين جميع الأطراف المتنازعة باليمن، وإن كانت أبين بمنأى عن تلك الصراعات ولا يوجد لها ناقة ولا جمل غير أن شلة صغيرة من أبنائها يتم استخدامهم أدوات بأيدي غيرهم".

200 ألف نازح
وأضاف: "في مايو من العام 2011م تم تسليم عاصمة المحافظة زنجبار لتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة من قبل السلطة التنفيذية ومؤسساتها العسكرية والأمنية وانسحابهم إلى خارج المحافظة مخلفين وراءهم المصير المجهول للأهالي، وبذلك انطوت صفحة محافظها ومدراء عموم المحافظة الذين ظلوا يراقبون الأحداث من الفنادق، وتم تدمير المنشآت والمرافق والمباني الحكومية، وتوقف سير العملية التعليمية وجميع الخدمات جراء القصف الممنهج من قِبل طرفي النزاع والجيش اليمني من ناحية، والتنظيمات المسلحة المتطرفة من الناحية الأخرى، ما تسبب بنزوح جماعي للأهالي وخروج سكان مدينتي زنجبار وجعار إلى عدن بأعداد تزيد عن مئتي ألف نازح ذاقوا الأمرين في مناطق ومخيمات النزوح الإجباري، ولقى بعضهم حتفه في الطرقات من قبل الطيران الحربي والجيش مثل الأسرة التي تمت إبادتها في دوفس، والبعض الآخر تعرضت منازلهم بجعار للقصف والكوارث كمصنع 7 أكتوبر ووادي حسان وغيرها".

نزوح معاكس
وتابع حديثه: "ما أن تحررت المحافظة في يونيو 2012م كانت المعاناة على أشدها فأغلب المنازل والبنية التحتية مدمرة، حيث لم تتمكن بعض الأسر من العودة إلى منازلها إلى اليوم بسبب سوء التعامل والفساد الذي طال ملف إعادة الإعمار، ولم تنته آثار حرب أبين المفتعلة 2011م - 2012م حتى ظهرت في الأفق أزمة الصراع المسلح في صنعاء التي انتقلت إلى الجنوب في مارس 2015م لتقضي على ما تبقى من بصيص أمل لعودة الحياة اليومية في مدن محافظة أبين، حيث تسببت الاعتداءات الحوثية على الجنوب بنزوح معاكس من عدن ولحج إلى محافظة أبين، ولم تكن جاهزة لاستقبال آلاف الأسر، وتحولت مدارس المحافظة إلى مراكز لإيواء النازحين، وبذلك تعطل التعليم للمرة الثانية".

وأضاف: "حرب 2015م زادت الطين بلة، حيث تسببت بحصار خانق وقطعت الطرقات، وتسببت باعتقالات واسعة للمدنيين في النقاط الأمنية في حين انعدمت الأدوية بالمستشفيات وارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية، وأصبحت أبين تعاني من أزمات إنسانية مركبة وبتحرير عدن وأبين من المليشيات الحوثية دخلت أبين في مرحلة جديدة من الصراع في عهد محافظها الخضر السعيدي المعيّن في أغسطس 2015م، حيث عادت إلى الواجهة عناصره، وتمت السيطرة على مدينتي زنجبار وجعار كبرى مدن أبين لتبقى أبين في عزلة تامة وغياب كامل للدولة والسلطة حتى مارس 2017م الذي تم فيه صدور قرار بتعيين أبو بكر حسين خلفاً للسعيدي الذي عاشت المحافظة أسوأ أيامها في عهده، وتفاءل أبناء المحافظة بالمحافظ الجديد الذي أبدى حماسه في الأشهر الأولى إلا أنه فشل في أحداث نقلة بسيطة تخدم المحافظة المدمرة المنكوبة التي يتوجع أهلها بصمت منقطع النظير لا يوازيه إلا صبر أيوب".

واستدرك: "اليوم يقاتل أبناء أبين في حدود السعودية في الجوف وصعدة ومأرب والساحل الغربي لتحرير صنعاء، إلا أن ما يسمى بالجيش الوطني بقيادة الإخوان المسلمين حشدوا قواتهم إلى شبوة وشقرة".
واختتم حديثه: "في الأخير أنصح أخواني أبناء أبين، وبالذات الذين تستخدمهم بعض القوى كأدوات لضرب إخوانهم أن يعودوا إلى رشدهم، فالجنوب يتسع لجميع أبنائه ومصائب أبين يجب أن تتوقف، وما يحصل لأبين يحصل لنا كلنا والأجيال القادمة وسنحصد ثماره معاناة وألماً ووجعاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى