هل تمكنت الشرعية من إغراق السعودية في اليمن

> د. علي أحمد الديلمي

> أحداث الحرب في اليمن تؤكد تراجعاً في سير المعارك العسكرية لصالح أنصار الله رغم الفارق الكبير في حجم النفقات الضخمة التي أنفقتها السعودية والإمارات ودول التحالف من أجل حسم المعركة العسكرية لصالحها، لكن حقائق الأمور وما يجري على الأرض تؤكد عكس ذلك. ستنتهي السنة السادسة للحرب دون أن تتمكن دول التحالف من تحقيق أي من الأهداف المعلنة، ولعل أهمها استعادة الدولة وعودة الشرعية، ولعل أهم ما تحقق حتي الآن هو استقرار الشرعية في الرياض، والتي أصبحت عاصمة الشرعية.

إن الأسباب من وراء ذلك كثيرة ولعل أهمها:

أولاً - الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها السعودية بتوفير كل متطلبات الشرعية والحكومة، وعدم إلزامها بالعمل من داخل أراضي الجمهورية اليمنية، والمحافظات التي تحت سلطة الشرعية، بل على العكس من ذلك وفرت لهم الإقامة والمرتبات بالعملات الصعبة، وهذا ما أدي إلي تراخي الشرعية وعدم رغبتها في خسارة المغانم التي تحصل عليها من السعوديين، وفضلت البقاء في فنادق الرياض وفي الخارج.

ثانياً - اعتمد السعوديون على القوى التي تحمل العداء للسعودية ونظامها غير مدركة لتعقيدات الصراعات اليمنية وآثارها على المدي الطويل، واعتمدت السعودية على آلة إعلامية ضخمة أنفقت عليها المليارات، لكنها لم تتمكن من مواجهة إعلام أنصار الله المحدود.

ثالثاً - فارق الأداء السياسي والعسكري بين الانقلابيين (أنصار الله) الذين أصبحوا اليوم سلطة، ويديرون الدولة في نفس الوقت الذي تخلت فيه الشرعية عن سلطتها ومسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه المواطن اليمني، وفضلت البقاء في فنادق الرياض غير مكترثة إلا بالمنافع التي تحصل عليها من السعوديين، وتركت المواطن اليمني يواجه مصيره منفرداً.

رابعاً - السعودية أنفقت مليارات في شراء الأسلحة والمعدات الدفاعية من الولايات المتحدة والدول الغربية، وفشلت كل هذه الأسلحة في حماية السعودية من هجمات الطائرات المسيرة والضربات الصاروخية التي يستخدمها أنصار الله.
خامساً - أنصار الله اليوم لم يعودوا حركة معارضة صغيرة، بل أصبحوا قوة عسكرية قادرة على جلب ضربات مؤلمة إلى المملكة العربية السعودية على الرغم من الضعف المالي الشديد والأسلحة التي لا تقارن بما تمتلكه دول التحالف والشرعية.

هذه الأسباب مجتمعة تؤكد أن الشرعية تمكنت من إغراق القوات السعودية في اليمن، بالإضافة إلي أن الخلافات الكبيرة بين مكونات الشرعية المختلفة وارتباطاتها الإقليمية قد عكس نفسه على دول التحالف، حيث إن الأمارات أدركت أن حرب اليمن لن تصل إلى أي مكان، وربما هذا هو السبب في إعلانها مؤخراً انسحاب قواتها من اليمن، وتركت المملكة العربية السعودية وحدها.

اليوم في ظل هذه الحرب التي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر أزمة أودت بحياة الآلاف من اليمنيين المدنيين بسبب الحرب وأمراض قابلة للعلاج، بما في ذلك سوء التغذية وضعف الصحة.
إن استمرار قتل اليمنيين في حروب عبثية لا يمكن أن يقبل به كل من لديه دين وذرة من ضمير وأخلاق وإنسانية، فإلي متي يظل الدم اليمني ينزف ويظل اليمنيون يقتلون والعالم لا يحرك ساكناً.

اليمنيون جميعاً يريدون السلام، بينما من يتصارعون على السلطة هم من يقتلون اليمنيين يومياً، وسيكون حسابهم عسيراً من كل فئات الشعب. أصبح اليمن من أفقر دول العالم يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وصحية وأمنية وغيرها. وكل الأحزاب والقوي السياسية وقادة الرأي، والمثقفون والناشطون والإعلاميون والأكاديميون والأطباء عاجزون عن العمل، وتشكيل قوة ضاغطة حقيقية تساهم في وقف الحرب.

ينبغي أن تكون هناك واقعية في التعامل مع ما يحدث، وفتح المجال للمبادرات السياسية والإنسانية من أجل وقف الحرب والدفع بحوار سياسي جاد من أجل الحل الشامل بين كل اليمنيين ووقف الاقتتال بينهم، وتكون نابعة من إرادة حقيقية، وليس عبارة عن مبادرات شكلية مدفوعة من أطراف الصراع لأهداف معروفة سلفاً، فقد أصبحت بعض التحركات عبارة عن مشاريع مقاولات بالتكليف، وتنتهي بمجرد الإعلان عنها.

اليوم في ظل هذا العبث لا بد من مبادرة حقيقية تصل إلي جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لوقف الحرب، وهذا الوقت هو الوقت المناسب للحوار وإحلال السلام بين جميع اليمنيين ومجابهة الأعداء الذين يتربصون بالمنطقة، وتكون لليمنيين دولة مؤسسات وقانون تحقق العدالة والمساواة لهم جميعاً، وتحد من تسلط وانتهاك السلطات الحالية التي تحكم اليمن، وأصبحت بينها وبين المواطن فجوة كبيرة.

سفير ودبلوماسي يمني*

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى