المناطقية وباء فاحذروه

> د. عبدالله عبيد

>
ترددت في كتابة هذه القصاصة، وكنت أظن أن عدم الخوض فيها ينسجم مع مبادئي، وأن الصمت أسمى من الحديث في موضوع هكذا. الحقيقة أن الشعور بالانتماء للأسرة والعائلة والقبيلة شعور طيب وحق يفرضه الوفاء إن كان الوفاء مغروساً في الشخصية. وما سبق يكون أمراً مقبولاً إلى حدود يفرضها العقل، وأن لا يتحول ذلك الشعور بالانتماء والاعتزاز بالأسرة والقبيلة والمنطقة إلى هاجس مرضي يفضي إلى نوع من النرجسية والشوفينية أو العنصرية التي على أساسها يُنظر إلى الشركاء في الوطن كمواطنين من الصنف الأدنى. ويتم تغييب الآخر عن المواقع السياسية والاقتصادية والعسكرية وغير ذلك من جوانب الحياة المختلفة. يصبح الأمر أكثر خطورة عندما تلعب أصابع أعداء الجنوب على هذه الأوتار الشعبوية والقبلية والمناطقية لأغراض إثارة النعرات في مجتمع متعب وناقم وكافر بطبيعة ونوعية الحياة التي يعيشها المرء في مثل ظروف بلادنا. يزداد الأمر سوءاً عند متوسطي الفهم والذكاء والثقافة، الذين يظنون أن الانتماء المناطقي يجعل منهم أشخاصاً يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من بقية المواطنين فقط لكونهم من منطقة معينة بذاتها، فتظهر لديهم وتنمو صفة الغرور الأبله الذي يجعل الأمور أكثر سوءاً. لقد ذكرت متوسطي الفهم والذكاء والثقافة كونهم الأكثر انجراراً للدعوات الشعبوية والقبلية والمناطقية. وفي حالة هكذا يسهل نسج المؤامرات على قاعدة التمايزات المناطقية التي تسير على منهج الفعل ورد الفعل. فالتقليل من حق الشخص أو منطقته أو قبيلته أو أسرته لا بد من أن يأتي برد الفعل المعاكس، ويبدأ التنابز يفعل فعله، ويبدأ التباعد في الرؤى، وتختلف المصالح، ونفقد تدريجياً وحدتنا الجغرافية ووحدتنا النضالية المستهدفة في هذه المرحلة المتمثلة في وحدتنا الجنوبية حول هدفنا الإستراتيجي. وللأسف الشديد أن نرى في هذه المرحلة انجرار بعض المحسوبين على الفكر والثقافة إلى هذا المربع. وهنا يصبح الأمر أكثر خطورة. الحقيقة أن مجرد حدوث رد الفعل الذي ذكرته يدخلنا في الوضع المطلوب للأعداء الذين يريدون إذكاء ردود الأفعال هنا وهناك في المدن والأرياف في المحافظات وبين المحافظات. وبذلك يتم ضرب وحدة الصف الجنوبية بسبب فعل هو في حقيقته فعل ناقص أخلاقياً ودينياً ومجتمعياً.

ما العمل إذن لعدم الانجرار لرد الفعل؟ الإجابة بسيطة فنقول إن كل منا يعتز بالهوية الأكبر والأسمى وهي أننا مواطنون جنوبيون يشرفنا الانتماء لوطننا أولاً وثانياً انتماؤنا الجهوي والأسري وما في حكمه.
وفي مجتمع مثل هذا في وجود وسائل إعلامية شريفة ووجود أناس ناضجين وعقلاء، وأصحاب تجارب وخبرات في الحياة نأمل أن تختفي مثل تلك الأفعال  المريضة وأن نسمو بوعينا إلى مستوى التحديات التي أمامنا. وأن نحب وطننا ومدننا ومناطقنا وأسرنا وعشائرنا بوعي وحسن تقدير للأمور، وبما لا يضر بمستقبلنا المشترك الذي لن تقوم لنا قائمة بدونه.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى