من مأرب إلى عدن.. طبيعة العلاقة بين الإخوان والحوثيين

> بدر قاسم محمد

> أهم ملامح علاقة جماعة الحوثيين بحزب الإصلاح (جماعة الإخوان اليمنية)، بدت بوضوح بتسلسل زمني من حادثتي معسكر الجلاء وشرطة الشيخ عثمان في عدن في الأول من أغسطس 2019، واتضحت أكثر في تفجير معسكر اللواء الرابع حرس رئاسي، أسفل جبل هيلان في مأرب، لتضعنا على مشارف الإمساك بحقيقة الأحداث التي تلتها والوقوف تماماً على ما يحدث الآن.

كل الدلائل تُشير إلى أنّ حادثتي الأول من أغسطس 2019 الدامي في عدن، خضعت لتفاهم جزئي بين الحوثيين وحزب الإصلاح، يلتقي عند هدف مشترك لضرب القوات الجنوبية. نقول "جزئي" معتمدين على أنّ الحوثيين موكلين بإصدارهم بياناً عسكرياً يعلن مسؤوليتهم فقط عن حادثة معسكر الجلاء، وعلى افتراض أنّ حادثة التفجير المفخخ الذي ضرب شرطة الشيخ عثمان في نفس وقت حادثة معسكر الجلاء، لم يكن لهم به علم، وقد أعلن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مسئوليته عنه.

تزامن الحادثتين ألحق ضررا واضحاً بسمعة الحوثيين الذين يقدمون أنفسهم للعالم كجماعة إسلامية، وكيل معتمد يحارب الإرهاب ويسعى لاجتثاثه، وضعهم في شبهة ومأزق سياسي يربط بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية. بينما ظلت جماعة الإخوان (حزب الإصلاح) بمنأى عن هذا بل ومارست دوائرها الإعلامية الاصطياد في مياه الحوثيين العكرة.

انتظر الحوثيون إلى لحظة حادثة جبل هيلان بمأرب، وعندما كررت جماعة الإخوان المشهد، لم تُعلن جماعة الحوثيين مسؤوليتها عن الحادثة والتزمت الصمت بل وذهبت إلى أبعد من الصمت عندما كشف أحد قياديها، محمد البخيتي، لوسائل الإعلام عن وجود هدنة غير معلنة في جبهات مأرب مع قيادات من حزب الإصلاح. ولأنّ حادثة جبل هيلان كانت بشعة لاستهدافها للجنود داخل مسجد للصلاة في وضعية غير قتالية وهي علاوة على أنّ المكان والزمان غير مناسبين كذلك فإنّ كمّ وعدد الضحايا الكبير ينم عن بشاعة وإجرام كبيرين لدى الجاني. وقد أصدرت العديد من الدول بيانات التنديد والاستنكار بالحادثة.

عطفا على التصريح الحوثي بالهدنة غير المعلنة مع حزب الإصلاح، ما المتوقع أن يصدر من جانب حزب الإصلاح؟ هل يمتلك الحزب موقفاً يمكنه من التصعيد الإعلامي مع الحوثيين؟

على الأرجح لا، فالتصعيد قد يُظهر أعظم ما خُفي ويدفع الحوثيين لكشف أوراق أخرى ما زالت بحوزتهم، وبالتالي صمتت قيادات حزب الإصلاح ولم ترد. كان الرضوخ الإخواني للحوثيين هو سيد الموقف آنذاك، وعندما رأى الحوثيون ضرورة تغيير المشهد العسكري عقب حادثة هيلان كي لا تزدحم المساحة التي يسيطر عليها الإخوان بقدوم عناصر مقاومة جديدة أخرى، كان لا بد لتفاهم بيني آخر أن يحدث بين الحوثيين والإخوان لا يقوم على الندية هذه المرة أكثر من قيامه على تبعية وخنوع الإخوان لإملاءات الحوثيين التي تفضي لسيطرتهم على كامل جغرافيا الشمال اليمني. ولأسباب أخرى يتوقف الحوثيون عند نقطة إسقاط مأرب المدينة والعاصمة.

لذا إسقاط مأرب محكوم برغبة الحوثيين وبمناسبة الظرف السياسي، وربما بالوقوف على خطوة ما بعد مأرب: هل هي نافعة أم ضارة؟
لذا مجدداً، عندما لوّح الحوثيون بورقة ضغطهم القوية المتمثلة في الإفصاح عن وجود هدنة غير معلنة مع قيادة حزب الإصلاح. وكأنّهم يقولون لدينا ما هو أفظع وبمقدوره إحراق كرت حزب الإصلاح وإلى الأبد.

وقد استطاع هذا التلويح أن يُحيل الإصلاح إلى حزب أجير لصالح الحوثي وأن يصنع كل هذه الانتصارات والسيطرة على محافظتي الجوف ومأرب.
حالياً يمتلك الحوثي مقوّمات إسقاط مأرب إلّا أنّه منشغل بالتفكير في ما بعد مأرب وفي المفاضلة بين الفائدة من الإبقاء على مستقبل حزب الإصلاح في الحكومة بالإبقاء على مأرب كالمعلّقة، وبين إسقاط مأرب وإسقاط الدور الحكومي لحزب الإصلاح. هذا التفكير الحوثي يظهر بالتوازي مع تدابير وترتيبات الحكومة الجديدة حالياً.

أياً كانت النوايا والظروف يجب أن تجف علاقة الحوثيين بالإصلاح عند آخر حد لمأرب مع الجنوب، ولا يُسمح لهذه العلاقة بالسيلان جنوباً في خطوة ما بعد مأرب الحوثية.

يَكمُن جفاف هذه العلاقة في استعصاء إسقاط مأرب بما يدفع الحوثيين إلى خطوتهم الأخيرة، وهي إحراق كرت حزب الإصلاح كلياً عبر كشف ما يدّخرون من أوراق تفضح حزب الإصلاح ودوره المشبوه في الأزمة اليمنية، كوسيلة أخيرة تمكّنهم من إسقاط مأرب بالسقوط المدوي لحزب الإصلاح. وهكذا تجّف علاقة الحوثيين بالإصلاح في مأرب ولن تسيل إلى الجنوب مجدّداً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى