تفاهم جماعات الإسلام السياسي باليمن تعقّد وصول "الخبراء الدوليين" إلى مناطق الاشتباك

> بدر قاسم محمد

> العامل المشترك بين جماعتي الإسلام السياسي في اليمن: جماعة الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، يكاد أن تلمسه أصابع فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن، قبل أن يلمسه الداخل اليمني والمتدخل العربي، حسب العديد من الشواهد والتأكيدات المحلية والعربية.

ففي تقرير فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن المقدّم في يناير 2019، اضطرّ الفريق إلى وضع مقدّمة عن منهجية عمله تُبرّر جوانب القصور في تقريره بسبب عدم تمكّن الفريق من الوصول إلى المناطق التي تقع حينها تحت سيطرة جماعة الإخوان، مأرب وتعز، والمناطق التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين. عدم الوصول كما جاء في التقرير لـ "دواعٍ أمنية". اكتفى الفريق حينها بإجراء مساءلة قانونية عبر البث المرئي بواسطة الإنترنت مع محافظ مأرب سلطان العرادة، حصل عبرها على مجموعة من الأجوبة عن أسئلته واستفساراته. (ذكر ذلك في تقريره).

حول تعز اكتفى أيضا بالتقاط بعض الأخبار الموثوقة من مصادر إعلامية وأخرى رسمية. نفس الأمر، بصورة أقل، حدث مع تحصيله المعلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق سيطرة الحوثيين. عدم الوصول أدّى إلى إعمال وتفعيل القانون الإنساني ونفي عمل قانون حقوق الإنسان تماماً عن مناطق سيطرة الجماعتين الإسلاميتين. من المعروف عن القانون الإنساني اشتغاله في مناطق النزاعات والحروب وبالتالي من الطبيعي أن يؤدّي، هكذا مناخ عمل حقوقي، إلى الحديث عن انتهاكات العمليات الجوية للتحالف العربي، بالنسبة للقانون الإنساني، أكثر من أي حديث آخر عن انتهاكات الجماعتين.

هذا بدوره أدّى إلى تفعيل قانون حقوق الإنسان في عدن والمناطق التي تسيطر عليها القوات الجنوبية والتحالف العربي فقط. مما أثقل كاهل التحالف العربي وحلفاءه إلى جانب عمل الآلة الإعلامية الداعمة لجماعة الإخوان، كقناة الجزيرة القطرية ووسائل إعلامية أخرى عدّة، تتبنى موقفاً معادياً للتحالف العربي.

يدعم هذه الصورة العامة، الكثير من التفاصيل الخاصة والدقيقة التي حدثت ومازالت تحدث الآن، تكشف قصة التفاهم الثنائي بين الجماعتين الإسلاميتين، وتبدأ من عدم تمكّن فريق الخبراء الأمميين من الوصول، مروراً بالاستهداف الكمي والنوعي للجنود والضباط والمقاومين المحليين الواصلين إلى منطقة الاشتباك الوهمي بين الجماعتين في كل من مأرب والجوف وتعز، كحوادث الاغتيال الفردي وحوادث اغتيال بعض الضباط والقادة العسكريين في كل من مأرب وتعز، أو حوادث الاستهداف الجماعي كالتفجير الذي حدث لكتيبة الحرس الرئاسي أسفل جبل هيلان بمأرب في فبراير 2020، أو الذي حدث لمعسكر الأمن المركزي في مأرب الشهر الماضي. وتنتهي بسيناريو تقهقر واستسلام جماعة الإخوان بالعديد والعدة لمصلحة الحوثيين وسيطرتهم الدراماتيكية على كامل جغرافيا الشمال اليمني، حيث كل الضحايا الحقيقيين إما شماليين لا ينتمون لجماعة الإخوان أو جنوبيين وحسب.

ربما لهذا السيناريو الذي يروي الآن مصير التدخل العربي عسكرياً في شأن الشمال اليمني، توأم سيامي من التاريخ رَوى مصير التدخل المصري عسكرياً في ذات الشأن إبان ما يسمى بـ "ثورة 26 سبتمبر 1962"، حيث دارت هناك لعبة "الجمهوريين والملكيين"، لعبت جماعة الإخوان الدور الجمهوري والملكي معاً بإسناد ودعم سعودي، تماماً كما لعبت اليوم الدور الحكومي والانقلابي لكن بإسناد ودعم قطري.

في سياق آخر متصل بمحاولة المجتمع الدولي النفاذ إلى فك حلقات الاتصال بين الجماعتين الإسلاميتين في اليمن، البلد الموضوع تحت الفصل السابع. فإلى جانب محاولة لي وعسف الجانب الإنساني والحقوقي الأممي من قبل الجماعتين، هناك محاولة لي وعسف جانب العدل والقضاء الحكومي، استطاعت هي الأخرى أن تدفع فريق الخبراء الدوليين والإقليمين التابع لمجلس حقوق الإنسان إلى الحديث - في تقريره الأخير الذي قدّمه يوم الثامن من سبتمبر الحالي- عن إحالة الملف اليمني إلى المحكمة الجنائية الدولية. متهماً النظام العدلي في اليمن وخصوصا جزائية "صنعاء" التي تتبع الحوثيين، بارتكابها الكثير من التعديات والانتهاكات لقوانين حقوق الإنسان الدولية.

كان للجماعتين، الحوثية والإخوانية، حراك سياسي في هذا الجانب، حيث عملت جماعة الإخوان من موقعها الحكومي على تعطيل وعرقلة قرار نقل النسخة الحكومية للمحكمة الجزائية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن. وقامت بنقلها إلى محافظة مأرب مركز سيطرتها. كان هذا حائلاً أيضا دون تفعيل دور جهات الضبط الأمني والقضائي في عدن وتمكينها من التعامل مع المحكمة الجزائية والقضايا ذات العلاقة. بينما ظلت المحاكم ذات المستوى الأدنى في عدن تشتغل بفاعلية أقل، ظلّت آلة المنظمات الحقوقية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين تشتغل بوتيرة أعلى على الجانب الحقوقي والإنساني في محاولة كيدية لتصوير الوضع الأمني في عدن بالفوضوي والمليشاوي لغرض النيل من سمعة الجهات والقوات الأمنية التي تقوم بدور مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، التي تتهمها هذه القوات بعلاقات وثيقة مع جماعة الإخوان، مقابل علاقة هذه الجهات الأمنية الوثيقة بجهود المنظمة الدولية لمكافحة الإرهاب.

في سياق متصل آخر، جُمّد تماماً دور النسخة الحكومية للمحكمة الجزائية في مأرب، وعمدت جماعة الإخوان عبر مناشدتها البارزة للمجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف تنفيذ أحكام سياسية أصدرتها محكمة صنعاء الجزائية بحق عناصر ينتمون لها، إلى تفعيل دور جزائية صنعاء وأدرجتها لعبة تعدي الجماعة الحوثية الصارخ في مقابل المناشدة الإخوانية الصارخة، فيما يشبه الاعتراف بمحاولة التعامل الحقوقي والقانوني مع الأحكام الحوثية.

اللافت أنّ فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن، بتقريره الذي قدّمه قد قفز على كل هذا بإشارته إلى إحالة الملف اليمني للمحكمة الجنائية الدولية وإلى ضلوع جزائية صنعاء في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.

في سياق متصلٍ أخير بكل ما ذُكر أعلاه، كانت للمحكمة الجنائية الدولية مساعٍ ترمي إلى جعل وزارة العدل الحكومية اليمنية ممثلة بوزيرها المحامي علي هيثم الغريب، امتداداً قانونياً لها في البلد القابع تحت الفصل السابع ويشهد العديد من التعديات والانتهاكات التي ترقى إلى جرائم حرب دولية. فكان للسيد وزير العدل المحامي علي هيثم الغريب حراكاً دولياً متصلاً بهذا الشأن يخوضه في صمت، التقى على أثره ببعض قضاة المحكمة الدولية، وأشار حينها خبر اللقاء إلى إجراء بعض المراجعات لبعض نصوص القانون اليمني وإدراج قوانين أخرى تتوافق مع التنفيذ الفعلي للقانون الدولي.

اللقاء تم بوقت قريب من انعقاد لمجلس النواب التابع للحكومة اليمنية في مديرية سيئون بحضرموت، في 13 أبريل 2019، ووضع في جدول أعمال جلسته الاستثنائية مجموعة من القرارات والتوصيات التي صادق عليها أعضاؤه بإجماع ورُفعت للرئيس هادي ليصادق عليها، والتي كان من ضمنها تصنيف الجماعة الحوثية كجماعة إرهابية. من المرجّح أنّ هذه الجلسة كانت بمثابة جلسة تشريعية لإجراء بعض التعديلات والإضافات في نصوص القانون اليمني بما يتناسب مع المراجعات التي ربما أرادتها المحكمة الدولية قبل لقائها بوزير العدل، والغريب أنها تصلح للتنفيذ العملي للقانون الدولي في اليمن بصورة أشبه بإصدار الأوامر وتنفيذها تنفيذاً عسكرياً كما سبق وأن حدث لبعض الشخصيات والزعماء والقادة السياسيين في بعض البلدان مثل بنما وجواتيمالا وسواها.

يوم أمس الأول، أكدت إشارة فريق الخبراء الدوليين والإقليميين بشأن اليمن التابع للأمم المتحدة، في تقريره، إلى إحالة الوضع في اليمن للمحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع قائمة الأشخاص المشمولين بعقوباته.
إذا لا حصانة لأي شخصية سياسية وغير سياسية في اليمن، حيث يتّضح أنّ لهذا التوجه الأممي الحاد ما يعززه من تدابير قانونية دولية تتناسب مع ما أقرته السلطة التشريعية اليمنية وصادقت عليه السلطة التنفيذية وأدرجته وزارة العدل اليمنية، بخصوص قانون الإرهاب.
القانون الذي ربما ظنّت جماعة الإخوان المسيطرة على الحكومة أنه مصوبّ على رأس الجماعة الحوثية فقط، لتجده اليوم وقد صُوِّب اليوم نحو رأسها الحكومي وميليشياتها على الأرض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى