الزمالك .. كل ده كان ليه..؟!

> محمد العولقي

> * لو كان على ظهر كوكب الأرض مدرب ، أرسلته المقادير لكي يجلب للزمالك المصري دوري أبطال أفريقيا ، لكان هذا المدرب هو الفرنسي (باتريس كارتيرون) بلا أدنى جدال ، لكن هذا المدرب الذي أعاد للزمالك قليلاً من الكبرياء وبعضاً من ماء الوجه ، هرب من شر الزمالك مع فاصل من الغناء.

*
محمد العولقي
محمد العولقي
في مشهد كروي مليء بالتشويق (الهتشكوكي) ومن دون مقدمات هوى قرار رحيل كارتيرون على رؤوس جماهير الزمالك كالصاعقة، ولم يدر بخلد أشد الزملكاوية تشاؤماً أن يفك كارتيرون إرتباطه بالزمالك بهذا السيناريو الغريب والعجيب ، فيما فريق الفن والهندسة ، كان قاب قوسين أو أدنى من استعادة هوايته المفضلة مع دوري أبطال أفريقيا.

* تساؤلات مشنوفة ملفوفة بسيليكون الدهشة تتطاير من كل رأس زملكاوي كان يظن و(بعض الظن ليس إثماً) أن الزمالك طلق الأزمات والمشكلات المفتعلة من أطراف يهمها أن يتصاعد الدخان الأبيض من البيت الزملكاوي ، كما جرت العادة ، معتقداً أن (المستشار مرتضى منصور) جفف منابع الفوضى والعشوائية الإدارية وأطفأ نار المطامع والمغانم السيادية، غير أن استقالة باتريس كارتيرون في هذا التوقيت الحرج تؤكد أن الزمالك ، ما إن غادر (الحيص حتى وقع في البيص) كعادته في التعاطي مع الغرائب ، وكأن الزمالك يستكثر على عشاقه العيش دون إثارة أو تشويق هتشكوكي.

* و يا سبحان الله ، فالفرنسي كارتيرون الذي عبر بحر المانش نحو ضفة نهر النيل، كان يرى في تدريب نادي الزمالك حلماً تحقق ، لكن هذا الحلم سرعان ما تحول إلى كابوس مؤرق ، دفع كارتيرون إلى (الإستجارة من رمضاء الزمالك بنار نادي التعاون السعودي) الذي نجا من الهبوط هذا الموسم بدعاء الوالدين تارة وبمعجزة حقيقية تارة أخرى.

* من شاهد السعادة وهي تقفز من وجه كارتيرون ، بعد دفع قيمة الشرط الجزائي (ربع مليون دولار عداً ونقداً)، والرحيل من ميت عقبة مهرولاً نحو مطار القاهرة ، سيكتشف أن (وراء الاستقالة ما وراءها) ، فإذا كان الإعلام الزملكاوي قد صب جام وزبدة غضبه على كارتيرون ، وقال في مسألة هروبه من البيت الأبيض ما لم يقله مالك في الخمر ، فإن الأصل أن الانفعال ، كان سمة رد الفعل الزملكاوي ، لأنه تركز بدرجة كبيرة على كارتيرون نفسه، وتجاهل الأسباب والمسببات الطائرة والزاحفة التي دفعت الرجل للرحيل بأمر دُبر بليل.

* وبعيداً عن التشنج والأعصاب المشدودة والتراشق غير الحميد ، أسأل كل زملكاوي يعيش معي نفس الحيرة والدهشة ، مع أننا مطالبون أحياناً بأن لا نسأل (عن أشياء إن تبد لنا تسؤنا) : هل من الطبيعي أن يتخلى مدرب عن فريق كبير ، بينه وبين الفوز بدوري أبطال أفريقيا شعرة معاوية ، ثم يتعاقد بسرعة البرق مع (نادي التعاون السعودي) المغلوب على أمره، بالنظر إلى حقيقة أنه فريق يترنح على الواجهتين السعودية والآسيوية بصورة تغني عن التعليق ؟

* هل هناك مدرب عاقل ، إستحوذ على ثلاث بطولات في موسمه الأول مع الزمالك (كأس الكونفدرالية وبطولتي السوبر محلياً وأفريقيا) يضحي بكل هذه الامتيازات، ثم يفسخ عقده وهو على وشك الفوز بدوري أبطال أفريقيا ، لمجرد الرغبة في تدريب فريق سعودي مغمور، البقاء في دوري المحترفين هدفه وأمنيته ومنتهى آماله ..؟

* بصراحة .. أنا مثلي مثلكم (الفأر بدأ يلعب في عبي) واستعصى على معدتي هضم ما حدث ، ليس لأن رئيس نادي الزمالك بدا هادئاً متماسكاً متخلياً عن سياسة الصوت العالي في مسألة رحيل المدرب دون سابق إنذار ، ولكن لأن هذا الفتور والبرود الإداري ، يفسران أن كارتيرون (غادر تحت ضغط الأجواء الداخلية المسمومة وغير الصحية)، وإذا كنت هنا أحشر أنفي في شأن زملكاوي خالص ، دون قراءة ما بين سطور حكاية الزمالك مع كارتيرون فلا مانع من لفت نظر المستشار مرتضى منصور من باب التواصي بالحق والتواصي بالصبر إلى ضرورة إعادة ترميم البيت الإعلامي من الداخل، ليواكب مسيرة النماء التي يعيش الزمالك مرحلتها الذهبية، بعيداً عن إثارة المزيد من الزوابع في فنجان إمتلأ من زمان بغيرة عمياء بين أبناء القبيلة الواحدة.

* وللتوضيح أكثر : أصبح الزمالك في ظل سياسة الذباب الإلكتروني، يلعب في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الجرائد، أكثر مما يلعب داخل الملعب ، فمجرد نظرة خاطفة على الحقل الكهرومغناطيسي الذي يحيط بلاعبي الزمالك إحاطة السوار بالمعصم، سنكتشف أن اللاعبين تأثروا نفسياً ، بمعارك إعلامية جانبية مصطنعة ، استنزفت قدراتهم الفكرية، فتحول جل تركيزهم إلى متابعة (مسلسلات الكيد والكيد المضاد) عوضاً عن حصد النقاط لإسقاط إمبراطورية الأهلي من الملعب وليس (من منصات الرغي في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التابعة للبيت الأبيض).

* وأي مدرب محترم يهوى الاستقرار والعمل في بيئة طاردة للمشاكل والتدخلات المراهقة ، سيُصاب بقرف، جراء هذه المعارك المفتعلة التي غرست في عقول لاعبي الزمالك أن (مجرد الفوز على الأهلي يساوي بطولة وزنها من ذهب) ، بدليل أن الزمالك ، الذي هزم الأهلي في مباراة كان فيها الزمالك أنصع بياضاً من البيت الأبيض نفسه هو نفسه الذي تعادل وخسر بعد ذلك في الدوري المصري من فرق عادية لا تمتلك ربع مؤهلات لاعبي الزمالك و (هذا يفسر حقيقة الانفصام في الشخصية بين مباراة وأخرى)، ويسدل الستار على ممارسات خفية تحرك الأحداث على حسب مزاج المخرج.

* لن أدعي أنني ضليع ، في قراءة خريطة نادي الزمالك ، الذي (يدمن تعاطي الغرائب من وقت لآخر) لكنني هنا أحاول وضع يدي على الجرح باحثاً عن روشتة علاج قد ترأب الصدع في الوقت المناسب ، ولا ضير من النصيحة، حتى لو جاءت محملة فوق كبسولة صاروخ، ووفقاً وهذا الطرح ، يبدو الجهاز الإداري عجولاً ، غير ملتزم بمتواليات الصبر ، ينشغل بحروب جانبية (ليس لها معنى ولا مبنى)، ولعل رحيل كارتيرون بهذه الصورة الدراماتيكية (تعني أن الرجل عانى ويلات كثيرة ربما تفاقمت واختلط حابلها الفني بنابلها الإداري) ، بسبب غياب الفهم الإداري لطبيعة الأدوار.

* أما وقد حدث (أبغض الحلال بين إدارة نادي الزمالك والمدرب كارتيرون) ، لأسباب ضبابية بعضها مقلي على الزيت ، وبعضها الآخر ما يزال تحت الرماد ، فإن الأمل يحدو عشاق هذا النادي الكبير ، أن يكف عن تصدير الفواجع المزعجة ، إلى منازل محبيه دون مناسبة ، وأن يقاطع عادته السيئة في حرق أعصاب جماهيره، والكف عن صناعة الأزمات التي تنتصر لإثارة وتشويق هتشكوك في قبره .. متمنياً من كل قلبي ألا تكون أمنيتي (أشبه بعشم إبليس في الجنة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى