مزارع «دلتا أبين».. سلة غذائية مهددة بخطر جرف تربتها

> تقرير/ عبدالله الظبي

>
مواطنون: السيول تهدم منازلنا فوق رؤوسنا وصمت مطبق من السلطة
مهندسون: منذ 1990م لم تتم أي صيانة حقيقية للجسور سوى الترقيعات
لا تسلم الأراضي الزراعية والجسور في محافظة أبين وتحديداً في منطقة باتيس الواقعة في مديرية خنفر من تدفق السيول في مواسم الأمطار، بل أن بعض منها قد تعرض للانهيار بشكل كامل كما هو الحال في جسر منطقة قمشية والذي أدى انهياره إلى انهيار عدد من المنازل القريبة منه، إضافة إلى حرمان نحو ستة ألف فدان من الأراضي الزراعية من مياه السيول.

وعند لقائهم بمراسل «الأيام» عبر العديد من المواطنين عن تذمرهم واستيائهم من الإهمال الذي تسبب بانهيار الجسر، فبحسب قولهم أن عدم تصريف المياه من قناة باتيس تسبب باندفاع المياه وتكوين ضغط أدى إلى تدمير الجسر، كما أفادوا بعدم وجود صيانة دورية للجسور، والتي يفترض للجهات المختصة إجراء الصيانة الدورية اللازمة لها في الأوقات المناسبة وعند الضرورة وفي نهاية المواسم الزراعية.

نداء استغاثة
أم حمودي مواطنة تسكن في منطقة قمشة في باتيس، تقول أم حمودي: "أن منزلها أصابه الضرر بسبب تدفق مياه السيول بعد انهيار جسر قمشة، وإلى الآن تسكن بحسب قولها في منزل منهار جزئيا وأن حياتها وحياة من يسكن بالمنزل في خطر، ورغم ما تعانيه من مخاطر تقول أم حمودي أن أحداً من المسؤولين لم يتجاوب معها ولا من الجهات المعنية بالسلطة المحلية أو مكتب الزراعة والري، ولم يكلف أي منهم نفسه بالنزول ومعاينة الضرر الذي لحق بمنزلها والدمار الجزئي الذي تعرض له، وأضافت بكل حسرة وألم: "أناشد الجهات المعنية بتعويضي عن الأضرار التي لحقت بمنزل أسرتي، جراء السيول التي تدفقت من جسر قمشة، وأناشدهم بأن يعيشوا معاناتي بالعيش تحت سقف منزل شبه مهدم أتوقع سقوطه بأي لحظة على رأسي".

أما رمزي عبدالله وهو مواطن يسكن في قمشة تعرض منزله هو أيضاً للضرر بسبب تدفق السيول، ولا تختلف مناشدته كثيراً عن مناشدة أم حمودي، ويطالب السلطات المحلية والمسئولين بأن ينظروا إليهم بعين المسئولية التي وقعت على عاتقهم والتي يفترض بها أن تكون لصالح المواطن.

الإهمال من قبل الجهات المعنية
عبدالله صالح مزارع تضررت مزرعته بفعل السيول شأنه شأن الكثيرين غيره، وفي ذلك يقول أن الجهات المسئولة أهملتهم وتركتهم لمصيرهم يواجهونه وحدهم، وأضاف " لولا الإهمال وعدم تصريف المياه من قناة باتيس لما انجرف الجسر، وبالتالي يجب على الجهات التي تسببت بهذا أن تتحمل مسئوليتها كاملة، فلولا عدم القيام بإجراءات الصيانة للجسور في بداية ونهاية المواسم الزراعية لما حدث ما حدث لهم".

أما شيخ ناصر العبسي، وهو أحد ملاك المزارع أيضا فيقول: "نحمد الله أنه من علينا بالسيول في مناطق دلتا أبين، ولكنها تسببت بأضرار كبيرة في مزارعنا التي تعرضت للجرف"، وينضم شيخ ناصر عبسي إلى ما قاله سابقوه بأن عدم صيانة الجسور من قبل الجهات المسئولة هي السبب في الضرر الذي أصاب منازلهم ومزارعهم، ويقول: "لا تقدم السلطة المحلية أي دعم وكذلك الحال بالنسبة للجهات المسئولة والمعنية في مثل هذه الظروف، وذلك على الرغم من أن دلتا أبين من المناطق الزراعية المعروفة بإنتاجها الزراعي المهم منذ زمن طويل، إلا أن ذلك لم يشفع لها بأن تتحصل على حقها من الاهتمام لما تقدمه هذه المنطقة من سلة غذائية وفيرة للمواطنين في محافظات عدة".

انعدام الصيانة الدورية
وبعد أن تطرق عدد من المواطنين في أقوالهم إلى مسائل فنية تتعرض بصيانة الجسر، كان لزاماً أن يلتقي مراسل «الأيام» بأحد المختصين للإفادة حول الموضوع، يقول المهندس فرج عبدالله سعيد الشراء، وهو يشغل منصب مدير الإرشاد الحقلي، والذي يُعَد اختصاصياً زراعيا في محافظة أبين، يقول المهندس فرج : "أن جسر قمشية هو أحد الجسور القديمة التي تم إنشائها في فترة الاحتلال البريطاني وتحديداً في أربعينيات القرن الماضي، حيث كان الجسر يُعَد ضمن شبكة الري في دلتا أبين آنذاك" ويضيف قائلا: "لا زالت مجموعة الجسور والشبكة بكاملها لم تحظى بصيانة سنوية وموسمية ومتابعة فنية وإصلاح أي عيب فني مهما كان بسيطا، ولكن منذ سنة 1990م لم تحدث هناك أي صيانة للجسور سواء الرئيسية منها أو الفرعية سوى بعض أعمال الصيانة الترقيعية وذلك بعد أن تكون الجسور قد أصيبت بأضرار كبيرة، وهو ما تسبب بتهالك الجسور وعدم تطوير للشبكة، فتناثرت الحجارة في بعضها كما هو الحال في جسر قمشية الذي يُعَد مثالاً لها".

وفي شرحة لمقدار الضرر الذي أصاب الجسر يضيف المهندس فرج قائلاً: "قبل نحو ستة أشهر تعرض الجانب الشرقي من جهة الخلف، وهو الجزء المحاذي لمهبط المياه كما يقول فرج، فكان ذلك بالنسبة لنا كجرس إنذار تنبغي الاستجابة له فوراً، وتواصلت أنا شخصيا بصفتي مديراً للإرشاد الحقلي إضافة إلى الأخ المهندس عبد القادر السميطي ومؤسسة (انهض) برئاسة الأخت هدى اليافعي مع الأخوة في إدارة الري ومكتب الزراعة، ونادى الجميع وبإصرار شديد إلى ضرورة النظر إلى حال الجسور من الناحية الفنية، وقامت جمعية دلتا أبين برئاسة الشيخ حيدرة دحه بتوفير مبلغ مليون وثمانمائة ألف ريال، كما عملنا بمشاركة الأخ محافظ أبين اللواء أبو بكر حسين، وتمت عملية إعادة الجزء الشرقي من الجسر إلى وضعه السابق من الناحية الشكلية فقط، أما فنياً فلم تكن أعمال الصيانة بالقدر الذي يعيد الجسر إلى حالته الفنية المطلوبة والأصلية، إذ أن المقاول الذي نفذ أعمال الصيانة لم تكن له أي خبرة فنية أو هندسية بصيانة الجسور، وكانت النتيجة الطبيعية أن انهار الجسر بالكامل بسبب ضغط المياه عليه عند تدفق السيول".

ولا يتوقف المهندس فرج عن قرع أجراس الإنذار فيقول: "بالنسبة لانجراف الأراضي فإنا نخشى أن يكون الانجراف من الجسر إلى الجسر وتخريب أراضي المزارعين، وكذلك الطريق الزراعي في تلك المنطقة، ونخشى أيضا على ساكن قمشية اذا تكرر الأمر في الوقت الذي يقال فيه أن الجو المداري سيستمر حتى عام 2024م، وسيكون الضرر أعظم وأشد خاصة إذا جاء السيل ليلاً، فسيجرف الأهالي ومساكنهم المتواضعة والتي كما يعرفها الجميع بأنها متواضعة ومن الطين وأصحابها في فقر مدقع وضيق ذات اليد، وسيعانون التشرد إضافة إلى فقرهم، لذلك نطالب بصيانة الجسور وفق الأصول الهندسية الطبغرافية وبأسرع وقت ممكن، فالماء متوقف في هذه الأيام عن الساقية ما أدى إلى حرمان الأراضي أسفل الدلتا من مياه الري".

اجتمع عليهم الفقر والتشرد في آن واحد ولذلك نطالب بإعادة الجسر وفق المواصفات الهندسية للجسور ووفق المرجعيات الهندسية الطبوغرافية وبأسرع ما يمكن لأن الماء متوقف في هذه الأيام عن الساقية مما أدى إلى حرمان الأراضي في الجزء الأسفل حوض الدلتا من مياه الري.

الأضرار كبيرة
لمناقشة الأمر باستفاضة أكبر التقى مراسل «الأيام» مدير الري بمحافظة أبين الأخ عبدالله محول طبيق الذي قال: "من الله على مناطق دلتا أبين بأمطار وفيرة بلغ منسوبها نحو ستة أمتار، إلى تدفقات السيول في أودية مهارية ووادي يهر، مياه هذه السيول مجتمعة شكلت ضغطاً كبيراً وغير عاديا على سد (ديو) وسد (الهيجة)، وهو ما تسبب في إحداث الضرر العقمة الترابية".

وفي أثناء وصفه لما حدث يقول عبدالله طبيق :"سيول كبيرة حدثت تسببت بجرف للكثير من الأراضي الزراعية ، بسبب التعدي على أحواش وادي بنا التي تعد ضماناً للأراضي الزراعية المجاورة للوادي، ما تسبب بانحراف مسار السيول إلى الأراضي الزراعية التابعة للمزارعين في وادي عرشان في الجرايب، وجرف جزء من الأراضي الزراعية وبعض المنازل وخاصة في قرية الجرايب، و أضرار أخرى في سد ديو.

ويضيف عبدالله طبيق :"حتى الآن الدولة لم تقدم التعويض لهؤلاء الناس الذين تضرروا، والمحافظ اللواء أبوبكر حسين سالم ووزارة الزراعة تقدموا مشكورين بتقديم الدعم، حيث تم صرف نحو 50 مليون ريالا لإعادة العقمة الترابية التي تعمل على تحويل المياه للمزارعين، أما بالنسبة للعقمة الدفاعية حتى الآن لم نستطيع عملها حتى الآن لأن 50 مليون ريال هي نقطة في بحر مقارنة لما تحتاجه الأعمال الفنية من تكاليف، والأضرار كبيرة، أكبر حتى من الدولة، ونطلب تقديم دعم وتدخل من دول صديقة لمواجهة الضرر في وادي حسان، ونتعشم في الأخوة الإماراتيين حكاما ومشايخ، أن يعيدوا النظر في مشروع سد حسان الذي سوف يروي الكثير من الأراضي في الوادي ويعيد تموين المياه الجوفية".

بعد نزولنا ومسحنا الميداني للمنطقة، تبين لنا أن الجميع مواطنين ومزارعين ومختصين على حد سواء قد اتفقوا على ضرورة إجراء الصيانة الدورية للجسور حتى لا تتكرر الكوارث، وجميعهم يناشدون المسئولين والجهات المختصة على ضرورة القيام بمهامهم سواء في أعمال الصيانة أو في تقديم العون والمساعدة في التعويضات المادية والعينية لترميم المنازل وإصلاح المزارع، فدلتا أبين اسم زراعي عريق عبر الزمن ولا ينكره إلا جاحد، و يستحق من الجميع أن يرد إليه الجميل في كونه سلة غذائية عظيمة تستحق الاهتمام اللائق به.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى