عدن.. التسول مهنة لها ضوابطها ودوامها

> تقرير/هلا عمر

>
  • أطفال حرموا من طفولتهم ليبحثوا عن قوت يومهم
  • متسولون: لولا الحاجة لما امتهنا بيع كرامتنا على الأرصفة
  • نفذنا بجلدنا من الموت والمدارس تطالبنا بوثائق لقبول أبنائنا
> الحروب والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة دفعت بالكثير من الأشخاص إلى امتهان التسول على رغم من أنهم من أسر عفيفة إلا أن الفقر لا يفرق بين ذليل وعزيز، فالحاجة التي قصمت ظهورهم مضاف إليها تبعات النزوح الذي جاء على حين غفلة وشرد الآلاف من الأسر من قراهم ومدنهم، فبعد ما كانوا يبيتون تحت أسقف بيوتهم مستورين يقتاتون مما قل وكثر أصبحوا يفترشون الطرقات ويسألون المارة لقمة تسد جوعهم وتعينهم على إكمال يومهم مجهول المصير.

العديد من الأسر اختارت مدينة عدن كوجهة لها في رحلة النزوح، على أمل أن يجدوا قوت يومهم من عطاء أهل الخير والتجار والمنظمات الإغاثية ما نتج عنها ازدياد أعداد المتسولين بشكل مخيف، حيث يتساءل المواطنون لم كل هؤلاء المتسولين في عدن! أين دور المنظمات الإغاثية!!، ويرتاب المواطن في عدن من تزايد أعداد الأفارقة بشكل مخيف مؤخرا إذ أنها تعيش أسوأ الأوضاع من انقطاع المياه والكهرباء وتدهور صرف العملة المحلية وغياب الأمن وتأخر المرتبات وغيرها من الصعوبات اليومية وما يزال الوافدين يصرون على البقاء فيها على اعتبارها حاضنة لكل الأعراق والأجناس فهي "أم المساكين".

دين الإسلام تناول التسول كظاهرة مذمومة كما ذم المتسولين إلا لدرء هلاك محتم، أما إن كان التسول للاستكثار والغنى فهو منهي عنه لما فيه من إضرار بالمجتمع واستغلال لحاجة الناس. الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أوضح في حديث هذا الأمر حيث قال: (إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ)، كما نهى الإسلام عن زجر السائل ونهره فضلا عن السؤال عن حاله حفظا لكرامته، قال الله تعالى: ((وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)). لكن ومع تأزم الأوضاع اضطر الكثير من المواطنين إلى السؤال في حين لم يعد الناس يصدقون من هو بحاجة فعلا للسؤال ومن يجد في التسول مهنة يسترزق منها.


ويجزم عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بأن تدافع الناس إلى ممارسة التسول خلفه شبكة كبيرة تستغل حاجتهم، معللين ذلك بمشاهدة متسولين ينزلون من حافلات في أوقات محددة لتعود وتأخذهم أيضا في أوقات محددة وكأنما هم في دوام عمل رسمي. "الأيام" إلى جانب رصدها امتعاض الشارع من انتشار ظاهرة التسول بشكل غير مقبول، نزلت إلى ذات الشارع لتنقل جانبا من معاناة المتسولين في عدن وأسباب لجوئهم للتسول ومد أيديهم للناس.

كانت أول المتحدثين فاطمة، وجدتها شابة في مقتبل العمر تقف مع ابنة عمها بالقرب من بوابة كلية الآداب تنظر بعيون مليئة بالحسرة والدموع لفتيات في نفس سنها يحملن ملازمهن ويدخلن بوابة الكلية التي حرمت هي منها ولسان حالها يقول: "لولا الفقر والحرب اللعينة لكنت الآن في مقاعد الجامعة".

فاطمة وصلت إلى عدن قادمة من محافظة تعز هربا من الحرب "أتينا هربا من حرب دمرت منزلنا وتشتتنا، رحلتنا كانت متعبة ماديا". "ولكي نستطيع القيام برحلة النزوح اضطرينا إلى بيع كلّما لدينا لكي تتسهل علينا رحلتنا إلى عدن والاستقرار بحثا عن لقمه العيش كوننا لا نملك أي مصدر دخل" هكذا حاولت فاطمة أن تشرح سبب نزوحهم ورحلتهم إلى عدن ليستقر بهم الحال في مخيم النازحين بمنطقة بئر فضل الذي يفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة.

وأضافت "نحصل في المخيم على راشن بين فترة وأخرى من المنظمات، لكن لم يتم قبولنا في المدارس لأن الشهادات والأوراق الرسمية انتهت مع الحرب والقصف"، وعن سبب وجودها لدى بوابة الكلية قالت: "نحن هنا نطلب الله من الصباح إلى المغرب في الشارع من أجل أن نحصل على قوت يومنا، أحد المطاعم يقدم لنا وجبة الغداء يوميا ما يخفف عنا، نحمد الله الذي يزرقنا دائما، أنا على يقين أنه لا أحد يموت من الجوع".

سلوى طفلة  تبلغ من العمر 13 عاما، كان من المفترض أن تكون على المقاعد الدراسية في مدرستها ولكن الحرب دفعتها للشارع لتمارس مهنة التسول.
تقول سلوى :"حُرمنا من الدراسة بسبب تمزق وضياع شهاداتنا المدرسية إثر القصف واحتراق منازلنا وتهدمها، لا نريد إلا العيش مثل باقي الأطفال وأن نحصل على فرصة دراسية وعيش كريم، لا نريد قصورا ولا ذهب فقط عيشة كريمة"، اغرورقت عيناها بالدموع وخنقتها العبرة حين قالت "أي كرامة لنا ونحن نمد أيدينا للغرباء لنحصل على لقمة تسد جوعنا".

سلوى تتألم كل يوم منذ خمس سنوات وهي ترى قريناتها يذهبن إلى المدرسة بينما هي تتجول في الطرقات بحثا عن لقمة حيث صارت هي مسؤولة عن توفير مأكلها رغم سنها الصغير وخطورة التواجد في الشارع طيلة الوقت، وتساءلت بحرقة "أين المنظمات التي تتحدث باسم الطفولة، أين هي منّا"؟!.

"عكا" ليست اسم تلك المدينة القديمة في فلسطين المحتلة،  بل هي أم لعشرة أطفال ذكورا وإناثا أصغرهم يبلغ من العمر بضعة أشهر، استقر بهم المقام في جولة البط بمديرية خور مكسر حيث كانت تجلس تحت أشعة الشمس الحارقة وحولها أطفال ترتجي المارة من تلك البقعة أن تجود أيديهم لتضمن ما يسكت أفواه صغارها الجوعى.

عكا امرأة في العقد الرابع من العمر قدمت من محافظة تعز ومعها أطفالها وأمها وأبيها الذين نزحوا إلى عدن لطلب لقمة العيش هربا من تردي الأوضاع هناك وتشتتهم نتيجة تهدم المنازل.
لم تكن رحلة عائلة عكا هي الأولى إذ أنهم نزحوا بداية الحرب إلى محافظة صنعاء، "بعد نزوحنا إلى صنعاء لم نتمكن من البقاء هناك نتيجة القصف المتواصل على المدينة آنذاك ما دفعنا إلى أن نرحل مرة أخرى إلى مدنية عدن بحثا عن ملجأ"، مؤكدة أن رحلة الوصول الثانية كانت أشد تعبا وجردتهم من ما تبقى من ممتلكاتهم.


وأوضحت عكا أنها وعائلتها ليسوا من سكان مخيمات النازحين، "أسكن في جبل ردفان بمديرية المعلا  داخل "صندقة" مع أطفالي وأبي وأمي، نحن لا نحصل على أي دعم سواء من منظمات أو أفراد".
وأشارت أنه تم تسجيلهم في كشوف للنازحين من قبل بعض الأشخاص الذين قالوا أنهم ينتمون إلى منظمات عاملة في هذا المجال أكثر من خمس مرات، إلا أنهم لم يحصلوا على أي شيء حتى الآن.

"نأتي أنا وأطفالي إلى هنا كل صباح باحثين عن رزق، أطفالي لا يدرسون فقد فقدت كافة وثائقهم وشهاداتهم المدرسية، هم يقومون كل يومين أو ثلاثة أيام بجلب الماء على ظهورهم من أسفل الجبل، نحن نعيش حياة صعبة والتسول بالنسبة لنا ليس خيار فقد فرض علينا بعد ما شتتنا الحرب وجردتنا من كل ما نملك بعد ما كنا مستورين داخل منازلنا في مناطقنا".

ظاهرة التسول موجودة تقريبا في كافة المجتمعات، وخطورتها تكمن في انتشار الجريمة واستغلال المتسولين بأبشع الطرق، إلى وقت قريب كان في عدن الممتلئة بالمتسولين مبنى مخصص للمتسولين افتتح في 21 يناير من العام 2007م من قبل محافظ عدن في ذلك الحين أحمد الكحلاني بالشراكة مع مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل ومؤسسة سُبل الخيرية، وخصص للنساء والرجال المتسولين بسعة 129 سرير بهدف معالجة هذه الظاهرة المتنامية بشكل مزعج من خلال استيعابهم من كافة الأعمار ومحاولة فهم مشكلاتهم وظروفهم والأسباب التي دفعتهم للتسول، للحد من هذه الظاهرة ومعالجتها بشكل نهائي، ونتساءل الآن أين أصبح هذا المركز ولماذا لا يقوم بالمهام التي أنشئ لأجلها فيما يتضاعف أعداد المتسولين في شوارع وأسواق عدن بشكل يومي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى