معركة مأرب وصعوبة الحل

> علي أحمد الديلمي

> يوجد في محافظة مأرب معظم قوات الشرعية اليمنية والرافضين لحكم الحوثي من الإخوان المسلمين وغيرهم، وجميع هذه القوى غير قادرة لوحدها على خوض هذه المعركة، وخصوصا أن الأزمة السياسية في البلاد في تزايد مع غياب الأفق لحل سياسي خصوصا مع عدم وجود نية لدى جميع الأطراف في إحداث تغيير من ناحية علاقته مع الآخر، مما يزيد من تعقيدات الأزمة وتحويل البلاد لساحة جديدة من حروب الوكالة.

بعد دخول اليمن السنة السادسة من سنوات الحرب ما نزال نسمع أن الحرب لا يمكن أن تتوقف إلا بعد تحقيق جميع أهدافها بالرغم من أن المؤشرات تؤكد خلاف ذلك، وكل ما تحقق هو أن المؤشرات الاقتصادية تدل على أن البلد مقبلة على مرحلة خطيرة من الصعوبات الاقتصادية، خصوصاً بعد ما تخطى سعر صرف الدولار الأمريكي حاجز الـ 700 ريال يمني دون أي معالجات واضحة في سبيل تخفيف الأعباء والمعاناة التي يتحملها الشعب اليمني بسبب هذه الحرب المجنونة.

بحضور الزبيدي.. أبناء الجنوب يحتفلون باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية،
وفي الفترة الأخيرة أصبحت بعض أطراف الشرعية والتي تتبنى مواقف مختلفة تارة تهاجم السعودية والإمارات وأن البلدين يمارسان سياسات غير واضحة تسبب الأذى للشعب اليمني، وتارة أخرى تطالب دول التحالف بالتدخل والمساعدة.

لكن بالعودة لتاريخ الأزمة اليمنية لا بد من الإشارة إلى أن التدخل السعودي جاء بناء على طلب الشرعية في اليمن، ولولا ذلك لما تمكنت الشرعية من البقاء حتى اليوم، إذ إنه وبعد التدخل السعودي والإماراتي لم تحقق الشرعية أي انتصار، ولولا التدخل السعودي والإماراتي لبقيت الشرعية تخسر المنطقة تلو الأخرى، إلا أنّ التدخل السعودي والإماراتي سمح للشرعية في بلادنا استعادة معظم المناطق، ولكن الشرعية لم تعد لممارسة السلطة من أرض الوطن وخدمة المواطنين والاستماع لاحتياجاتهم وفضلت التمتع بالأموال والعطايا والمرتبات التي تقدم لها من دول التحالف وممارسة السلطة من فنادق الرياض والقاهرة وغيرها.

والآن يبقى السؤال الأهم هو ما ذا بعد مأرب؟ إن أي متابع لما يجري في اليمن يمكنه الحكم على أن أطراف الشرعية الموجودة في مأرب غير قادرة على مواجهة الحوثي ويبدو أننا أمام المشهد الأخير في إضعاف الإخوان المسلمين في اليمن بشكل خاص والجزيرة العربية بشكل عام، ورضوخهم للتعايش مع متطلبات النظام الإقليمي الجديد أصبحت وشيكة خصوصا وأن هناك مجموعة من القيادات التي تحاول إعادة إنتاج نفسها في كل مرحلة ولم تعد تستوعب المتغيرات التي من حولها ولم يعد بمقدورها استخدام أي أداة من أدواتها، لأنها لم تعد تمتلكها وسلمتها لغيرها ولم تستفد من كل الأحداث السابقة وتبدأ في عملية مراجعة كاملة لكل خطواتها وأماكن السقوط التي وقعت فيها وانفصالها عن قواعدها وكوادرها الذين تحول معظهم مع الطرف الآخر وأسباب ذلك كثيرة.

فالوضع الحالي يشير إلى أن الحلقة الأضعف اليوم والتي يراد التخلص منها هم الإخوان المسلمون، فهم ليسوا مرغوبا فيهم وتزداد الصعوبات في الحفاظ على وجودهم بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في اليمن وعدم تمكنهم من ضخ كل التكاليف الباهظة الضرورية لاستمرار هذا الوجود، واليوم تجد القيادة الإخوانية نفسها في مأزق كبير يحتم عليها اتخاذ قرارات صعبة ومؤلمة ولكنها بحكم المؤجلة في الوقت الراهن فهي في سبيل البقاء والمواجهة وضعها مر والانسحاب أكثر مرارة.

أما دول التحالف التي باتت اللاعب الرئيسي على الساحة اليمنية وهي التي تحرك أكثر الخيوط يقع عليها العبء الأكبر في إيجاد المخارج للخروج من هذه الحرب بأقل الخسائر الممكنة والحفاظ على نفوذها السياسي دون التورط بتكاليف باهظة من استمرار الحرب وما بعد توقف الحرب من إعادة الإعمار والتعويضات التي ستكون أعباء كبيرة سوف تتحملها لسنوات عدّة.

أما إيران فأمنيتها بالطبع أن تستمر الحرب في اليمن، فإيران من الأراضي اليمنية يمكنها تحقيق أهدافها في صراعها مع السعودية والولايات المتحدة، ومن مصلحة إيران عدم استقرار اليمن ولا يهمها أن يتم تقسيم اليمن لتصبح دويلات (دولة في الشمال، دولة في الجنوب، دولة في الشرق)، فبهذا التقسيم تستطيع إيران أن تدير مصالحها ويمكنها التعامل مع أطراف مختلفة. إيران لا كما يعتقد البعض أنها تدعم الحوثيين فقط فعلاقتها ودعمها لبعض الأطراف الجنوبية في توسع مستمر، بالإضافة إلى تواصلها مع أطراف شمالية من غير الحوثيين، إيران دولة عملية وتدعم مصالحها مع أي طرف وتريد السيطرة على الممرات الهامة في البحر الأحمر وخليج عدن وتعمل بهدوء وبأقل التكاليف.

اليوم بات من الأهمية وفي ظل الوضع الراهن ومن أجل مصلحة اليمن ودول المنطقة أن تدرك دول التحالف العربي أهمية دعم الحل السياسي في اليمن، لأن مساعدة اليمنيين على التوصل إلى حل والبدء بالإصلاح والتطوير والتغيير الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية كل هذه الأمور سوف تؤدي إلى التعامل الواقعي مع ما يحدث في الساحة اليمنية وإزالة كل أسباب التوتر السياسي والأمني وبدء الحوار السياسي مع كل المكونات السياسية اليمنية.

إن استمرار هذه الحرب والاضطرابات السياسية التي تعيشها اليمن وانتشار اضطرابات عنيفة في أجزاء عدة من البلاد تدق ناقوس الخطر وتعزز حجم الكارثة التي تعيشها اليمن في ظل التنافس الإقليمي وحروب الوكالة التي ستكون نتائجها كارثية على كل دول المنطقة.
إن استمرار قتل اليمنيين في حروب عبثية لا يمكن أن يقبل بها كل من لديه دين وذرة من ضمير وأخلاق وإنسانية.. إلى متى يظل الدم اليمني ينزف؟ إلى متى يظل اليمنيون يُقتلون والعالم لا يحرك ساكنا؟

"عين العرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى