بعد السيول الحمى تضرب دارفور بنسبة 70 %

>
يبدو أن فاجعة الفيضانات والسيول وتداعياتها تتمدد على نحو أسوأ مما كان متوقعاً، وبدأت بالفعل ترسم فصلاً جديداً من التبعات الارتدادية لما بعد الكارثة، بعدما أخلفت آثاراً بيئية وصحية على البلد محدود الموارد الذي يعاني أزمة اقتصادية واضحة المعالم، ففي الوقت الذي تسعى فيه وزارة الصحة السودانية الاتحادية جاهدةً مع سلطات الولاية الشمالية لاحتواء الحميات المجهولة التي ضربت شمال السودان، وقبل أن يستفيق البلد من الصدمة، ويلتقط أنفاسه داهمته استغاثة أخرى من ولاية غرب دارفور، التي نُكبت بنوع آخر من الحميات، وهي حمى الشيكنغونيا والملاريا، أما القاسم المشترك في كليهما فهو تكاثر البعوض والنواقل الأخرى، الناجمة عن وضع بيئي مُتدن خلفته السيول التي اجتاحت الولاية في خريف العام الحالي.

تفشٍّ مُخيف وطوارئ

الحميات الجديدة التي ظهرت غرب دارفور، وعاصمتها مدينة الجنينة، التي تبعد 28 كيلو متراً عن الحدود مع دولة تشاد، تفشَّت بسرعة مخيفة، ما دفع بالوالي، محمد عبد الله الدومة، إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية بالولاية، وإطلاق نداء استغاثة عاجل، عبر محطة الإذاعة السودانية الرسمية القومية، مستنجداً بالحكومة المركزية والمنظمات الدولية بالتدخل العاجل لتلافي الوضع الصحي الحرج بولايته.

ووصف الوالي الوضع بالصعب والحرج، حيث تجاوزت نسبة انتشار الحميات أكثر من 70 في المئة وسط المواطنين بالولاية، موجهاً نداءً عاجلاً إلى وزارة الصحة الاتحادية، مستنجداً بالدعم وقدرات الحكومة المركزية، مناشداً وكالات الأمم المتحدة وجميع المنظمات الإقليمية والدولية، والمنظمات العاملة في الولاية من أجل مد يد العون اللازم لمواجهة وضع صحي متأزم، تتعرض فيه حياة الناس لخطر حقيقي، بعد أن تأكد بما لا يدع مجالاً للشك، عبر فحص عينات بالمعمل المركزي بالخرطوم، أن الحمى الشيكنغونيا، المعروفة لدى السودانيين بحمى (الكنكشة)، نسبة للتشنجات الخطيرة التي تتسبب بها، بصورة تؤدي إلى تخشب وتصلب الأطراف.

وأوضح الوالي أن جميع الإمكانات المتاحة بالولاية تم تسخيرها، تحت تصرف لجنة الطوارئ الصحية التي تضم مختلف الجهات المختصة، لكي تتمكن من الحد من انتشار المرض والسيطرة عليه ووقف انتشاره.

وأوضح أن حكومته بدأت فوراً وبما لديها من إمكانات في مواجهة الوباء بشقيه العلاجي والوقائي، من خلال تنظيم حملات مكثفة لإصحاح البيئة بردم برك المياه الراكدة، شاركت فيها كل القطاعات الشعبية ولجان المقاومة والخدمات وقوى الحرية والتغيير والقوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مما خفف قليلاً من معدلات انتشار الوباء، لكن الوضع لا يزال حرجاً ومزعجاً بسبب كثافة وسرعة التفشي.

فريق اتحادي متخصص بالمنطقة

على مستوى استجابة الحكومة الاتحادية، أعلن مصدر مسؤول بوزارة الصحة، لـ"اندبندنت عربية"، أن فريقاً متخصصاً في الوقاية والعلاج من إدارة الطوارئ سيصل إلى ولاية غرب دارفور، صباح الأحد، للوقوف على الوضع وإجراء التدخلات اللازمة، مشيراً إلى أن الوزارة أرسلت عدة مضخات وكميات من المبيدات وصلت إلى الولاية بالفعل، لاستخدامها في عمليات الرش ومكافحة النواقل كمرحلة وقائية، لكبح التفشي.

وأعلن مصدر مسؤول برئاسة أمانة حكومة الولاية بالجنينة، أن الولاية تعيش وضعاً مخيفاً بسبب التفشي الواسع لحميات الشيكنغونيا والملاريا، في ظل نظام صحي وبنيات تحتية هشة وقليلة تعجز عن استيعاب أعداد المصابين، وأن المستشفيات الحكومية بالمدن والأرياف، صغيرة وضعيفة الإمكانيات، فضلاً عن أنها تعاني شحاً في الكوادر الطبية والأدوية والمعامل والمعينات المتطورة اللازمة الأخرى، موضحاً أن عاصمة الولاية تستضيف على أطرافها عدداً مقدراً من معسكرات النازحين، كمعسكر كرن وأبوذر والرياض، وهي تجمعات ذات بنيات عمرانية وخدمية وصحية هشة، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في مضاعفة سرعة التفشي والانتشار.

الخريف وتحديات أخرى

أضاف "خلف خريف هذا العام أوضاع بيئية متدهورة، شكلت مهدداً وسبباً أساسياً في ظهور تلك الحميات وتمددها الواسع، نتيجة تراكم للمياه وتوالد كثيف للبعوض ونواقل الأمراض الأخرى، كما أن الولاية محدودة الموارد نظراً إلى الظروف والتحديات الأمنية، وخلفيات الصراعات القبلية التي واجهتها في الماضي القريب، مما شكل عبئاً أرهق خزينتها ومواردها الشحيحة بالأساس".

وكشف المصدر عن أن والي الولاية تفقد قبل يومين المستشفى الرئيس بالعاصمة الجنينة، ووقف على الوضع المأساوي للمرضى الذين ضاقت بهم الأسرة، وأصبحوا يفترشون أرض الممرات، في وضع مُزرٍ ومخيف يستدعي تدخلاً وقائياً وعلاجياً عاجلاً.

وأوضح "تبذل أجهزة الولاية الرسمية وكياناتها الشعبية، جهوداً كبيرة في تنظيم حملات الرش الوقائية للقضاء على النواقل، وتوزيع الناموسيات للحد من انتشار الحميات، وتكافح في الوقت ذاته لعلاج المصابين"، مشيراً إلى وصول طائرة من الصليب الأحمر محملة بالأدوية خلال اليومين الماضيين، ما يسهم في تحسين فرص وجهود العلاج، بينما لا يزال الوضع بحاجة إلى المزيد من الدعم بشقيه الوقائي والعلاجي.

مخاوف الخروج عن السيطرة

من جانبها، أعلنت وزارة الصحة بالولاية خطورة وحساسية الوضع الذي يوشك على الخروج عن السيطرة، بخاصة مع وجود عجز في الكوادر الطبية والأطباء العموميين على وجه التحديد، إلى جانب المخزون الضعيف من الأدوية والمستلزمات الطبية.

وأخبرنا وزير الصحة المكلف غرب دارفور، محمد يحيي أحمد، أن انتشار الملاريا والشكونغونيا (الكنكشة) بعاصمة الولاية وكل محلياتها واسع جداً، بنسبة تجاوزت أكثر من 70 في المئة وسط المواطنين، مما يهدد بانهيار النظام الصحي المنهك بالأساس بسبب جائحة كورونا، والأحداث الدامية التي شهدتها الولاية في الفترة السابقة، مبيناً أن المستشفيات والمراكز الصحية بالولاية، ممتلئة بأكثر من طاقتها القصوى، ويفترش الكثيرين من المرضى الأرض لعدم توفر الأسرة.

وأضاف "لمعالجة قصور السعات المؤسسات العلاجية الرسمية أصدرت الوزارة توجيهات بفتح كل المرافق الصحية بما فيها العيادات الخاصة لاستقبال المرضى، الذين تتزايد أعدادهم كل يوم، بينما لا يزال المرض يتمدد وتزداد الإصابات بصورة كبيرة، بحيث لم تعد هناك أسرة أو منزل بالولاية إلا وبه مريض أو اثنان، ما ترتب عليه وضع صحي حرج تصعب مواجهته بإمكانات وموارد الولاية منفردة".

وناشد أحمد وزارة الصحة الاتحادية ومنظمة الصحة العالمية، سرعة الاستجابة، بتنفيذ تدخلات علاجية ووقائية عاجلة قبل أن يتحول الوضع من حرج ومقلق إلى وضع كارثي مزمن يصعب التعامل معه، محذراً من خروج الوضع عن السيطرة حال التأخير في التدخلات المطلوبة من الحكومة المركزية والمنظمات الدولية، بخاصة في ظل عدم توفر الإمكانيات والموارد اللازمة لمواجهة هذا الوباء على مستوى الولاية.

وأوضح "لدينا أدوية مخصصة من وزارة الصحة الاتحادية، نواجه مشكلة في ترحيلها من الخرطوم إلى الولاية، وننتظر وعد منظمة الصحة العالمية بترحيلها في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أن مخزون الأدوية الذي يجري عليه السحب حالياً قد لا يكفي للأسبوعين المقبلين في ظل الأوضاع المتدهورة الحالية".

وشهد السودان سيولاً وفيضانات تأثرت بها أكثر من 16 من جملة 18 ولاية، منذ نحو شهر، أعلن إثرها حالة الطوارئ الصحية في عموم البلاد لمدة 3 أشهر، لمواجهة آثار تلك المحنة، وخلفت السيول والفيضانات تدهوراً كبيراً في صحة البيئة، وأزمات إنسانية وخسائر وأضراراً فادحة في الأرواح والممتلكات، تضرر منها أكثر من 800 ألف مواطن، وأسفرت عن وفاة أكثر من 125 شخصاً، وتهدمت عشرات المئات من المنازل كلياً وجزئياً، ومئات الأفدنة والمحصولات الزراعية، ونفقت عشرات الآلاف من الحيوانات الأليفة والدواجن.

وأطلقت بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف نداءً عاجلاً للمنظمات الدولية لإغاثة متضرري الفيضانات، وعقد مندوب السودان الدائم بجنيف، لقاءات مع مسؤولي الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر، ومكتب تنسيق المساعدات الإنسانية "أوتشا"، والصليب الأحمر السويسري، وتصديق الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، على تقديم 460 ألف فرنك سويسري (نحو 500 ألف دولار)، كاستجابة عاجلة للكارثة الإنسانية في السودان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى