تعد عملية استقلال المستعمرات البريطانية في ستينيات القرن الماضي حدثاً تاريخياً رئيسياً لم يشر فقط إلى ظهور دول جديدة على خريطة العالم، بل إلى حدث تاريخي فاصل بين المجتمع الحديث و "النظام القديم".

هذه العاصفة في المستعمرات البريطانية المزدهرة ظاهرياً كانت بمثابة بداية سنوات طويلة من الانتفاضات والثورات، بما في ذلك عدن، إحدى المدن الأولى التي رفعت فيها مطالب الاستقلال، التي تطورت من مشاريع خجولة للحكم الذاتي لعدن داخل الإمبراطورية البريطانية الموحدة إلى انفصال حاسم عن الدولة الأم وإنشاء دولة مستقلة سقطت في النهاية بأيادي بعض المتسلقين من مستثمري انتصارات الشعب.

بعد الاستقلال في الجنوب ارتكبت القوى السياسية والعسكرية ما يكفي بالفعل من أخطاء جسيمة باسم الثورة، التي راح ضحيتها الكثير من الكوادر والبسطاء، وبسبب هذه التداعيات وقفت عجلة الاقتصاد والاستثمار، وقل عدد الناس الناتج عن الهروب والهجرة خلال فترة استقلال لم تدم أكثر من 23 عاماً، أما في التسعينيات فقد الجنوبيون الاستقلال والثورة والبلاد والخير والقوة والمسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه الإنسانية، واليوم الجنوب منطقة غير مستقرة وغير تقدمية، خالٍ من النظام والإنتاج والتنمية البشرية.

الثورة ضد المستعمر حتمية، لكن يجب أن تتبعها ثورة في البناء والإنتاج وفقاً للعقل والمنطق والمصلحة الوطنية. ثورة في الروح وثورة في الخير والإنسانية.
ثورة لصالح العدل والرخاء وتحرر الإنسان، فالثورة والاستقلال الحقيقيان هما تحول جذري في الحياة بشكل عام نحو الأفضل دون الحاجة إلى تزييف الإعلام والشعارات الضيقة نزولاً عند رغبة فئة معينة من الساسة أتعبت البلاد والعباد.

لا يمكن إنكار حقيقة أن ثورة 14 أكتوبر فشلت في اختبار مبدأ الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة، وفي خلق توازن مستقر للقوى والمؤسسات السياسية والعسكرية والحد من الصراع على الرئاسة بمشاركة الجيش، بالمقابل نجحت في امتحان مجانية التعليم والصحة والأمن، وكذلك في النقل القسري للسلطة والاستيلاء على سلطة الدولة بوسائل عنيفة دون البدء لاحقاً بالعمليات الرئيسية للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

هناك العديد من الثورات المهزومة أو المجهضة في التاريخ، لكن الثورة الحقيقية هي التي تلحقها تباعاً إبداعات اجتماعية تتغلب على القيود المرتبطة بالمؤسسات القديمة لحل التناقضات واتخاذ القرارات، بحيث تسعى الثورة إلى خلق "قواعد جديدة للعبة" تقود المجتمع نحو الازدهار، وليس إلى الدمار والانتحار السياسي.
فالثورة أخرجت بريطانيا، وأتت بالاتحاد السوفييتي محلها مع اللون الأحمر والنظريات والشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن ثمَّ تسليم الجنوب باسم الوحدة لقبائل متخلفة في هضبة الشمال، بسببها أصبح الجنوب اليوم وكالة من غير بواب.

مقتبس من مقال الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد يختصر حكاية الثورة والاستقلال في الجنوب:
"منذ 1967م و1969م و1978م و1986م حتى اليوم غادر السلطة والوطن أجيال بسبب المزايدات والتطرف والحماقات والعمى السياسي، والذي دفع ويدفع الثمن هو شعبنا العظيم الذي يبحث اليوم عن الماء والكهرباء والوقود والأمن والأمان في غياب الدولة في عدن وغيرها من المحافظات".