> محمد العولقي

* كل شيء في هذا الرجل جميل .. بساطته .. إنسانيته .. روحه المرحة التي لا تستكين لوطأة المرض .. عزة نفسه التي تحوم على تخوم تاريخه الرياضي الطويل .. فلسفته البسيطة مع الناس القائمة على التبسط والإنبساط .. نهجه العملي الذي لا يعرف اللف ولا الدوران .. عفته كمسؤول وكقيادي ناجح .. صارم دون أن يبطش .. حازم دون أن يجرح .. قوي دون أن يبسط قوته في البهرجة على عباد الله.

* مع كل وعكة صحية يتعرض لها الأستاذ والكابتن رب القدم والقلم (أحمد محسن أحمد) أسمع من حولي تأوهات لتاريخ طويل مثخن بتجليات وعظمة وعبقرية هذا الرجل الذي ارتضى العيش منعزلاً كرهين محبسين .. محبس المرض ومحبس الخذلان .. قدر الأستاذ (أحمد محسن) الرمادي أنه صار لازمة لكل حالات الطوارئ الصحية ، ما إن يخرج من حفرة مرضية حتى يسقط مجدداً في نقرة أخرى، لكن اللهم لا اعتراض ، لأنه إذا أحب الله عبداً إبتلاه بمرض يكون له رحمة ورأفة.

* في كل مرة يبكي الشفق نزع النهار تتلون حياة الأستاذ (أحمد محسن) بألوان قزاحية ملأى بضوء الليلك ، ليس هناك من هاجس يؤرق معلماً مثله سوى قلة حيلة هذا الوطن ، مرات كثيرة كزبد البحر إرتفعت قامة وهامة المربي الفاضل (أحمد محسن) عنان السماء ، عندها عرف أصدقاؤه من هو هذا (المشدلي) ، الذي كان يراوغ بالكرة في بساطة ، كما يتنفس ويطير على بساط الريح ، بسرعة عداء محترف ويسجل الأهداف من كل الأوضاع الشائكة وكأنه يمضغ علكة ، كم كانت مائدة (المحسني) عامرة ومتخمة بكل ألوان وأصناف الأصدقاء عندما كان إدارياً يحلق بالكرة الجنوبية في فضاء العالمية.

* لكن عندما توارى هذا السحار الكروي والإداري الفذ عن الأنظار ، بعد أن احتلت الطحالب الفاترة وطنه الرياضي على حين غفلة من حارس البن والبرتقال، دخل في دوامة مع الحياة ، لم يغمد (أحمد محسن) سيفه ويتخلى عن ميدانه ، خلق لنفسه بيئة (مشدلية) جديدة ليس فيها موطئ قدم للتلون والنفاق والكذب والرياء ، فد امتطى صهوة قلم ذهبي ، ينتقد دون أن يجرح ، ينبه إلى الخطأ ، دون أن يقدح ، يشيد بالمواقف الإيجابية دون أن يمدح ، إنغمس تماماً مع القلم باحثاً عن وطن خال من أدران وأورام الفساد السياسي ، تاركا ميدان القدم لمن لا يعرف الفرق الإداري بين القيم والكدم.

* تطاول الليل على صدر هذا الرجل الخبير كموج البحر ، وأرخى سدوله على قلب (المشدلي) ، بكل أنواع الهموم ، لم يقل لليله الطويل لما تمطى بصلبه وأردف إعجازاً وناء بكلكل شيء ، إستقبله بذات الابتسامة التي تحمل قلباً مثقوباً بالألم أدمته الصبابة والجوى عشقاً لأي شبح يهبط إلى ميدان ليله العاري، هنا وتحت جنح ظلام دامس يتنهد (أحمد محسن) في مشفاه ، فقد عرف أخيراً من هم أصدقاؤه الذهبيون ومن هم أصدقاء (الفالصو) الذين يدعون وصلاً بصداقته ، والصداقة لا تقر لهم بذلك.

* كنت أتمنى على الذين عاصروا رحلة حياة (أحمد محسن) ، أن يهرعوا إلى مستشفى الخليج في المعلا ، حيث يتأوه (المحسني) ويحاكي وسادته الخالية ، يبوسون تلك القدم ويقبلون القلم، ويبدون كل الندم ، لكن يبدو أننا بالفعل نعاني في هذا الزمن المكور من أزمة أخلاق ليس لها أول ولا آخر.

* هاتفت الأستاذ (أحمد محسن) كثيراً لكن جواله دائماً خارج نطاق الخدمة ، كحال أخلاق القيادات السياسية والرياضية الكرتونية، التي لم تترك مالاً للرياضيين والشباب إلا وشفطته وهربته بالعملة الصعبة إلى حيث جنة الظالم .. عرفت أن وزيراً حكومياً صرف مؤخراً خمسة آلاف دولار من مال بيت الشعب ، لشخص عربيد راح ينفق الفلوس في مراقص و بارات القاهرة، فانطلقت تنهيدة من أعمق أعماقي وقلت لنفسي : لك الله يا (أحمد محسن)، ولا بارك الله في وزراء يتربحون من معاناة رجل مثلك، و يرقصون و يتغوطون على تاريخ رجل مثلك ، منحتهم قبلة الحياة فأرادوا لك الموت حتفاً في منفاك.

* أصبح التواصل الروحي والوجداني بيني وبين الأستاذ (أحمد محسن) تعتريه ظروف بالغة الصعوبة والغرابة، عرفت متأخراً أن (مداح القمر) عاوده الحنين إلى رهينه الذي يحتويه بين فترة وأخرى ، بكيت دموعاً مالحة .. نعم أعترف أنني بكيت طويلاً لحال هذا الرجل الذي تعلمنا منه كل شيء تقريباً ، كما تبكي عليه الآن مؤسسته الخيرية التي تشتاق لملهمها ورأس مالها وبارق خيرها ، بكيت على حالي وحاله وحال وطن يُعدم مبدعيه رمياً برصاص الإهمال.

* عندما يبكي الأستاذ (أحمد محسن) في منفاه المرضي ، ولا يجد عوناً من وطن اغتصبته عصابات ومافيا الشيوخ الركع والأطفال الرضع ، يعاودني الحنين إلى محاكاة (مداح القمر) بدموع القهر والأسف فهي أصدق أنباء من وطن يعدم ويغتال ويأكل خبراته وأساطيره تماماً كالنار التي تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله ..!