أكبر حرب صواريخ في التاريخ الحديث.. أرقام لا يرغب الحوثيون والسعودية أن تعرفها؟

> > «الأيام» ساسة بوست:

> > بعد يومٍ واحدٍ من اندلاع حرب الخليج الثانية التي شنها الرئيس العراقي صدام حسين ضد الكويت عام 1991 أطلق العراق 39 صاروخاً بالستياً من طراز «سكود» داخل العمق الإسرائيلي في محاولةٍ لجرّها للحرب، ولم تكن الدفاعات الجوية ذات تقنية «باتريوت» الأمريكية المتقدمة مستعدة للتصدي للصواريخ الروسية العتيقة، وفي خضم الحرب ذاتها نجح 20 صاروخاً من أصل 34 من الإفلات من باتريوت في قلب السعودية، حتى أنّ واحداً منهم وصل إلى ثكنات الجنود الأمريكيين داخل المملكة فقتل 27 منهم، وأصاب نحو 100 آخرين.

الدرس القاسي الذي تلقنته إسرائيل في الحرب القصيرة دفعها للتخلي عن منظومة باتريوت الأمريكية، وطورت في النهاية منظومة القبة الحديدة التي دخلت الخدمة عام 2011، وبعد أربع سنواتٍ من ذلك التاريخ اندلعت حرب اليمن في مارس عام 2015، والتي سدد الحوثيون خلال السنوات الثلاث الأولى فقط منها نحو 300 صاروخ بالستي -على الأقل- ضد السعودية التي لم تتعلم درس صدام، فسعت متأخرة لاقتناء منظومة الدفاع الإسرائيلية، والتعاقد لشراء صواريخ إس 400 الروسية.

التقرير التالي يشرح بالأرقام خريطة حرب الصواريخ ومتوسط تكلفتها ومقارنتها بفاتورة إعمار اليمن.

1- يمتلكون أنواعاً ليست في إيران.. من أين حصل الحوثيون على صواريخهم؟
تشير التقديرات العسكرية إلى امتلاك الحوثيين نحو 300 صاروخ سكود باليستي يتجاوز مدى أخطرهم 850 كم بسرعةٍ تتجاوز ميلاً واحداً في كل ثانية، إضافة إلى صواريخ كروز محلية الصنع حصلوا عليها من مصادر أخرى غير إيران، والأخطر أنهم طوروها بحيث تصبح بعيدة المدى قادرة على إصابة أهدافها بدقة في قلب العاصمة السعودية والإمارات.
صاروخ حوثي "بركان3"
صاروخ حوثي "بركان3"

قصة حصول الحوثيين على الصواريخ البالستية تعود إلى الحرب الأهلية اليمنية منتصف التسعينات عام 1994، فحين استورد اليمن الشمالي صواريخ توشكا الكورية لاستهداف محافظة عدن، قصف الجنوبيون العاصمة صنعاء بصواريخ سكود سوفييتة الصنع كان يمتلكها منذ السبعينات، وبعدما انتهت الحرب عقب انتصار الشمال، انتقلت صواريخ الجنوب من قاعدة «العند» الجنوبي، وأصبحت تحت تصرف الحرس الرئاسي مباشرةً، في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

الدور الناجح الذي قادته صواريخ توشكا في الحرب دفع صالح لعقد صفقاتٍ مع كوريا الشمالية لتطوير ترسانته الصاروخية عبر الحصول على صواريخ متطورة من طراز «هواسونج 5 و 6»، بالإضافة إلى شراء المزيد من الصواريخ الروسية البالستية، وبحسب تقديرات الكونجرس الأمريكي، فصالح حتى عام 2004، كان يمتلك صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس متفجرة تزن 300 كجم.

عقب اندلاع الثورة اليمنية عام 2011، تدخلت السعودية والإمارات لإنقاذ حليفهما علي عبدالله صالح، بمبادرةٍ عرفت بعد ذلك باسم «المبادرة الخليجية»، والتي ضمنت للرئيس اليمني الخروج الآمن، وأتت بنائبه الرئيس المؤقت هادي إلى السلطة لمدة عامين انتقاليين.
شرع الرئيس المنتهية ولاية والقادم من جنوب اليمن في محاولة نقل ترسانة الصواريخ من صنعاء الشمالية، إلى مدينة لحج المطلة على خليج عدن، وهو ما أفرز مخاوف لدى الحوثيين في الشمال ذي الأغلبية الشيعية الزيدية من وضع الصواريخ في أيدي الجنوبيين السنة، والسعودية نفسها خشيت من وصول تلك الصواريخ إلى حزب الإصلاح اليمني، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

بدأت الحكومة المؤقتة في إصدار مراسيم بإقالة أقارب صالح من المناصب العسكرية والأمنية العليا، كما عزمت على دمج كتيبتي الصواريخ الخامسة والسادسة، ولواء المدفعية الصاروخية الثامن في مجموعة واحدة تحمل اسم «كتائب الصواريخ» تكون تحت وصاية هادي مباشرة بدلاً من نجل الرئيس السابق أحمد صالح، الذي رأس الحرس الجمهوري آنذاك.

لكنّ نجل صالح رفض تسليم الصواريخ طويلة المدى إلى وزارة الدفاع، وتقاطعت الأحداث المشتعلة في صنعاء، مع إعلان الحوثيين الحرب على نائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر، المحسوب على حزب الإصلاح، تزامناً مع سياسة إقليمية جديدة تشكلت بعد ثورات الربيع العربي، وهدفت إلى تقليم أظافر قطر في المنطقة، والقضاء على كل حلفائها، بما في ذلك الإخوان المسلمين في اليمن.

في سبتمبر عام 2014 استولى الحوثيون على صنعاء بعد توقيع الحوثيين اتفاقية سرية مع صالح نصَّت على حياد قوات الحرس الجمهوري التابعة له خلال المعارك، وبسبب الصمت السعودي والتجاهل الأمريكي للأحداث استطاع الحوثيون نقل ترسانة صواريخ الجيش اليمني من مكانها بجبل «عطان» إلى معاقلهم الرئيسة قرب الحدود السعودية.

أعطت ترسانة الصواريخ للحوثيين نفوذاً إقليمياً تزامن مع التحام الخط الأيديولوجي الذي انتهجه حلفاؤهم ممثلين في إيران وحزب الله، وهو ما مثّل تهديداً للسعودية في صراعها الإقليمي على طهران من جهة، كما أنّ التفوق الجديد منح الحوثي القدرة على إزعاج ممرات الشحن الرئيسة التي يمر من خلالها معظم نفط العالم، وبالعودة إلى الصراع اليمني، فالطرف الذي امتلك الصواريخ بات قادراً على فرض نفسه في خريطة السلام مستقبلاً، وفي السياق ذاته لم يتوقف التحالف العربي عن إعلان مصادرة عشرات المراكب القادمة من إيران، والتي حملت على متنها الأسلحة والصواريخ المهربة، وهو ما تعتبره الحكومة اليمنية دليلاً ملموساً على تورط إيران في الحرب.

أكبر حرب صاروخية في التاريخ الحديث.. كيف حدث هذا؟
بعد ستة أشهرٍ من سقوط صنعاء قادت السعودية في 15 مارس عام 2015 حرب اليمن التي تدورُ مفرداتها حول «إعادة الشرعية اليمنية»، لكن سياقها الزمني جاء بعد أيامٍ معدوداتٍ بعد تحرك الحوثيين للسيطرة على الصواريخ الباليستية ونقلها صوب معاقلهم.

مع الصباح الباكر، فُرض حظر الطيران على اليمن، واستهدفت الغارات الجوية لما يقرب من 200 طائرة جميع مخازن الأسلحة، ومعسكرات ألوية الصواريخ في جبل «عطان» الذي كان يحمل في باطنه أطناناً من الصواريخ الباليستية، وبعد أسبوعين أعلنت السعودية تدمير 80 % من القوة الصاروخية المُقدرة بنحو 300 صاروخ، إضافة إلى الأسلحة البرية الثقيلة.

لكنّ المفاجأة أنه بعد شهرين فقط، وتحديداً في يونيو أطلق الحوثي وصالح أول صاروخ سكود تجاه السعودية، لتكون الشعلة التي بدأت بها أكبر حربٍ صواريخ في التاريخ الحديث. أطلق الحوثيون المدعومون من إيران مئات الصواريخ البالستية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار على قوات التحالف العربي وعلى المملكة العربية السعودية والإمارات، ووصل بعضها إلى الرياض وأبوظبي، وبحسب البيانات الرسمية للسعودية، فالحوثيون أطلقوا خلال ثلاث سنواتٍ 300 صاروخ باليستي، و 100 طائرة مسيرة تجاه الأراضي السعودية دون الإشارة للخسائر.

وبحسب دراسة أعدها موقع «ديفينس ون» العسكري، فمناطق الحد الجنوبي كانت الأكثر عرضة للاستهداف الصاروخي وتحديداً مدن (خميس، مشيط، نجران، وجازان)، بينما كانت المحافظات اليمنية (تعز، والحديدة، والجوف) الأكثر عرضة للغارات الجوية التابعة للتحالف العربي.

لم تستطع السعودية عبر منظومة الدفاع الأمريكية «باتريوت» صدّ الصواريخ الحوثية، مثلما فشلت المنظومة نفسها في تعقب واعتراض 20 صاروخ سكود عراقي من أصل 34 أثناء حرب الخليج، وفي مارس عام 2018 أطلق الحوثيون سبعة صواريخ صوب ثلاث مدن سعودية، وفيما جاءت الرواية الرسمية باعتراض الصواريخ السبع، شكك فيها مدير مركز «جيمس مارتن» لمنع انتشار الأسلحة.

وسعت السعودية سراً لاقتناء منظومة القبة الحديدة، والتعاقد علناً لشراء صواريخ إس 400 الروسية، بعدما فشلت منظومة باتريوت، وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تبلغ تكلفة صاروخ الباتريوت نحو 3 مليون دولار، وتشير تقارير أخرى إلى أنّه يستلزم لإسقاط صاروخ باليستي إطلاق ثلاثة صواريخ باتريوت على الأقل.

بالعودة إلى البيانات الرسمية السعودية المتاحة حتى عام 2018، فالسعودية اعترضت 181 صاروخاً باليستياً، وعلى افتراض أنّ السعودية أطلقت مقابلهم نحو 543 صواريخ باتريوت أمريكي يبلغ ثمن الواحد فقط 3 مليون دولار، ما يعني أنّ متوسط التكلفة لحرب الصواريخ فقط كلفت المملكة نحو مليار دولار و 629 مليون دولار، والأرقام الحقيقة أكبر بكثير.
صاروخ حوثي "بركان33"
صاروخ حوثي "بركان33"

وبحسب دراسة أعدها مركز «التهديد الصاروخي» المعني، فالحوثيون خلال السنوات الأولى للحرب استنفذوا كل صواريخهم المتطورة كورية الصنع من طراز توشكا، وهو ما دفع الحوثيين لتطوير منظومتهم العسكرية، بالرغم من فرض حصار عليهم لمنع تهريب السلاح لهم، فأدخلوا منظومة صواريخ أرض جو جديدة مطورة محلياً، قادرة على التصدي لطائرات التحالف العربي، ونجحت بالفعل بحسب الإعلام العسكري الحوثي في إسقاط 29 طائرة، منها طائرتين «إف 16»، وطائرة «إف 15»، وطائرتين أباتشي، و19 طائرة استطلاع.

ماذا لو أنفقت تكاليف حرب الصواريخ على إعمار اليمن؟
بعد مرور أكثر من خمسة أعوامٍ على اندلاع حرب اليمن التي تدورُ مفرداتها حول «إعادة الشرعية اليمنية» تسببت المعارك في مقتل أكثر من ربع مليون شخص، كما هُدمت نحو نصف مليون منشأة منها 1336 مسجداً و 385 مستشفى و 351 مصنعاً، والحربُ نفسها خلّفت أكبر أزمةٍ إنسانية في العالم بعدما بات نحو أكثر من 24 مليون شخص -حوالي 80% من السكان- في احتياجٍ إلى المساعدات الإنسانية، وقبل انتشار فيروس كورونا الذي أدى لإغلاق المدارس، كان هناك نحو مليوني طفل يمني خارج صفوف الدراسة رسمياً.

اليمن أيضاً خسر مكاسب 20 عاماً من التنمية، وحوصر 80 % من السكان بين الجوع والمرض في أكبر أزمة إنسانية في العالم، وفيما تستمر المعارك الدائرة يواجه الاقتصاد شبح الانهيار، بسبب انخفاض إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، ونفاد الاحتياطي الأجنبي منذ عام 2016، بالإضافة إلى تهاوي سعر العملة المحلية، إذ يسجل الدولار حاليًا نحو 250 ريال يمني، وبحسب التقديرات الرسمية للحكومة، فتكلفة إعمار ما أفسدته الحرب تصل إلى 100 مليار دولار.

لكنّ غبار المعارك، بالرغم من قسوته، تحمل السعودية الوطأة الأكبر منه، فرقم إعادة إعمار اليمن يقترب من حجم صفقات السلاح التي أبرمتها السعودية والإمارات مع كلّ من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، منذ بداية الحرب، بحسب المعلومات التي جمعها «مرصد المساعدة الأمنية الأمريكي (sam)».

لكن تقديرات أخرى تشير إلى أنّ الأرقام الحقيقة أكبر بكثير، يعززها الإنفاق العسكري الضخم على آلية الحرب، وبالعودة للأرقام الرسمية، فالسعودية التي تربح في الساعة الواحدة نحو 24.4 ملايين دولار من مبيعات النفط -وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء العام الماضي- أعلنت خلال عام 2015 فقط انخفاض الاحتياطات الأجنبية من 732 مليار دولار إلى 623 مليار دولار في أقل من 12 شهراً، وفق بيان صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، وحالياً يبلغ الاحتياطي النقدي للمملكة بنحو 419.6 مليارات دولار، في أسرع وتيرة انخفاض منذ عقدين بحسب الإحصاءات الرسمية.

تزامن نزيف الحرب الذي أودى بثلث الاحتياطي النقدي، مع رفع السعودية إنفاقها العسكري بنحو 17 % قبل الحرب لتصل ميزانية الجيش إلى 80 مليار دولار، قبل أن تنخفض حالياً في موازنة العام الجاري إلى 48.5 مليارات، في ظل انخفاض أسعار النفط.

اللافت أن المساعدات الإنسانية التي قُدمت لليمن من الدول المانحين بلغت نسبتها 1.8 % من قيمة صفقات السلاح بما يعادل 87.15 مليار دولار للأسلحة مقابل 1.56 مليار دولار للمساعدات والفرق بين الرقمين حوالي 55 ضعفاً، بحسب البيانات التي نشرها معهد «ستوكهولم» الدولي لأبحاث السلام خلال عامي 2015 و2016 فقط.

وحتى الآن لا تعرف السعودية كيفية منع وصول الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، ولا كيفية نزع ترسانتهم العسكرية التي تُعطي لهم يداً طولى في أي مسار سياسي مستقبلي، في ظل انتصاراتهم العسكرية التي قلبت موازين القوى خلال الأشهر القليلة السابقة التي استعادوا خلالها ما فقدوه في عام 2015م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى