> د. هيثم الزبيدي:
كشف التراشق الداخلي المستمر بين الحكومة الفيدرالية الأميركية حول ما تقدمه تلك الحكومة من منح وأموال للجامعات الكبرى، أي البحث العلمي أولا، حجم الإنفاق الأميركي على البحث العلمي في البلاد ما يضع الولايات المتحدة على رأس قائمة غير مرئية تجعل منها قوة هائلة. صحيح أن التراشق سياسي في أساسه ويرتبط بما يحدث في العالم، وألبس "جبة" علمية أو أخلاقية أو لمعاداة السامية أو الإسلاموفوبيا، لكن الأرقام أرقام وتخفي بين ثناياها ما تخفيه من حقائق التفوق.
لا نتحدث هنا عن مستويات الإنفاق المصغرة، أي تلك التي تهدف إلى إدخال تحسينات تجميلية تريد استقطاب المنافسين الصغار، بل تغييرات عميقة تأخذ المنتجات الأميركية إلى مستويات أعلى ومفردات أعم وأشمل.
لا نريد إشارات بلغة الأرقام فطالما قد ضللت المتابع. الأرقام مربكة ومضللة حتى وهي تعبّر عن قراءات مباشرة أو بلغة نسبية. ما نريده هو ما ينعكس منها على طبيعة الحياة وما يمكن أن يزهو به قطاع اقتصادي معين.
هل اقتراض مبلغ ملياري دولار من صندوق النقد الدولي لصالح تونس يعد مبلغًا كبيرًا؟ بالقيمة النسبية يعد المبلغ كبيرًا إذا أخذنا بالاعتبار حجم الميزانية السنوية التونسية على سبيل المثال. لكن المبلغ سيعد رقما بسيطا بالقياس المطلق. هذه هي إشكالية العلاقة بين ما يسمى بدول الشمال ودول الجنوب. أو للدقة، فإنه جدول المقارنة بين مليارنا ومليارهم أو دولارنا ودولارهم.
جداول المقارنات هذه ستزيد في تفاوتها وتعقد في محاولتنا القراءة كلما أمعنا في إضافة ما يمكن أن يشتري مليار دولار في العالم اليوم. ما هو الرخيص وما هو الغالي.
تختلط الصور القادمة لهجمات صاروخية بالليل بالصراخ الهستيري والهتافات الدينية لكنها لا تخفي ما يحدث من تبدلات مذهلة من حولنا ونحتاج أن نتعلم منها ونقول: أي ثورة نشهد أمام أعيننا؟
ذروة أولى للتعقيد ستصادفنا عند التعامل مع التكنولوجيا. العالم يهتز أمام تأرجح قيم البورصة كلما ذكر تغير في دخول أو خروج عالم أو فاعل في الذكاء الاصطناعي، سواء بشكله البرمجي أو بمعالجات وشرائح، أو حتى سطور يدخلها مطور على المفهوم بالكامل.
الذروة الثانية بالتأكيد تأتي من السلاح. عندما كان العالم يتهيأ لتقبل الذباب الإلكتروني كمشوش إعلامي مثلا على السياسيين والمثل، ترى الأمر وقد أخذ بعدا خطيرا بالذباب الانتحاري أو الذباب المتفجر. ها أنت تطلق عددا هائلا من الذباب المسلح بقنابل صغيرة وكاميرات وذكاء اصطناعي يذهب لتصيّد الهدف وقتله أو تعطيله. ولديك في هذه الحالة إمكانية قدرة على زيادة العدد أو تقليله لمشاغلة الأهداف من قريب أو بعيد. هذه مفاهيم جديدة بلغة الحرب تتفوق على كل طرق الرصد التي أنتجتها البشرية إلى حد يومنا هذا، ومن الواضح أنها ستبقى معنا على المدى المنظور. بعضها ألغام كشفت عن نفسها والبعض الآخر لا. لا نعرف كم "بيجر" نائم بما يشبه اللغم أو كم "ووكي توكي". هذا ذباب انتحاري وضعناه في جيوبنا أو في أحزمتنا طوعا منذ سنوات أو أشهر وسينتظر سنوات وأشهر ليتلقى أمر التنفيذ. هذه أسلحة قد تزعج إيران في بدايتها، لكنها سرعان ما تقلبها بحكم سرعة وسهولة الإنتاج إلى سلاح بيدها.
الشرق الأوسط هو مسرح لهذه الأسلحة. سنرى من الاستعراضات الكثير. لكن كما شاهدنا، فإن الضربات المؤذية إنما تأتي من إسرائيل، لتتحول بيد إيران إلى "سلعة مبتذلة" وبكميات كبيرة. وهذا ما يجعل الأمور خطرة لأن الإيرانيين يحولونها إلى شيء رخيص ومتاح وشعبوي.
في مثل هذه البيئة تتحرك السياسة في المنطقة، بلا قيود معروفة أو مركزية قائمة. لا يمكن التقليل أبدا من خطورة ما أقدم عليه رئيس حماس في غزة يحيى السنوار في عملية "طوفان الأقصى". لقد أقصى مفاهيم الحرب السابقة واستعاض عنها بقواعد جديدة من الصعب تداركها. فكلما اكتشف القائد العسكري أن بوسعه استخدام وجه مختلف لهذا السلاح أو قرر سياسي المبادلة بين طريقة وطريقة في استخدام السلاح، كان الطرف الآخر قد استعد بدوره إما بسلاح محور أو جديد، أو أن يرد بطريقة تُفشل بالنتيجة أثر الهجوم.
في قلب كل هذا ربما تبرز القدرة على الإنفاق العلمي والمرونة في اتخاذ القرار وسرعة تنفيذه على الأرض، أو للدقة تنفيذه على سطح أرض المعركة. تستطيع أن ترى أن الصواريخ فرط الصوتية الإيرانية مثلا يمكن أن تكون قد اتجهت من المختبرات التي تعيد تقييس مجساتها بالمعطيات التي استقدمت من ساحة "المعركة"، فوق البحر الأحمر أو في سماء مطار بن غوريون، في لحظات المناورة الأخيرة قبل ضرب الأهداف، ليتمكن المهندس الإيراني أن يجعلها أكثر مرونة وقدرة على التملص من الصواريخ المضادة. هذا هو التجسيد الكامل لمنطق توفير الإنفاق للبحث العلمي للوصول إلى اختراقات كبرى.
إلى أي مدى تستطيع إيران مواكبة قدرة الولايات المتحدة على الإنفاق على هذه البحوث. لا شك أن إيران ليست لوحدها في هذه. فمن السذاجة القول إن الحوثي يجمع المعطيات ويزود الإيرانيين بها كي يتمكنوا من تحويل ساحة معركة البحر الأحمر وصحراء النقب الإلكترونية إلى أكبر مختبر للصراع بين الولايات المتحدة – الغرب وإيران. تستطيع بسهولة أن ترى وتسجل الروس والكوريين الشماليين، بل وعددا غير منته من الشركاء والشركات ممن يريدون التعلم من هذه التجارب المفتوحة على الهواء. وعندما نقول إنها مفتوحة على الهواء، فإننا بالفعل نرى كيف تتم الأمور بصريا، لكن للأسف الشديد لا نسجلها كإشارات رقمية يتم تحليلها لنا ولغيرنا. هذا المختبر العملاق شيء لم يحدث من قبل أبدا.
مثل هذه البيئة تتحرك السياسة في المنطقة، بلا قيود معروفة أو مركزية قائمة. لا يمكن التقليل أبدا من خطورة ما أقدم عليه رئيس حماس في غزة يحيى السنوار في عملية "طوفان الأقصى".
تختلط الصور القادمة لهجمات صاروخية بالليل بالصراخ الهستيري والهتافات الدينية، لكنها لا تخفي ما يحدث من أن تبدلات مذهلة تحدث من حولنا ونحتاج أن نقف عليها لنتعلم منها ونقول: أي ثورة نشهد أمام أعيننا؟ ومن الضروري التحلي بالهدوء، بل وحتى الكياسة، حين النظر إليها، كي لا تضيع بالإبهار كما ضاعت ثورة صواريخ القاهر والظافر مثلا. في تلك الفترة، في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي، تسوق العالم ممن نجا وتسلل من علماء الصواريخ الألمان من بقايا علماء النازية. الصفوة ذهبت إلى الولايات المتحدة وشاركت في المشروع الصاروخي – الفضائي الأميركي، وصفوة أخرى أو لدوافع أيديولوجية ذهبت أو أمسك بها واقتيدت مع معاملها إلى الاتحاد السوفييتي السابق لتشارك بصناعة أسطورة غزو الفضاء السوفييتية، أو مجاميع الصواريخ العملاقة التي كان بوسعها الوصول إلى أي بقعة في العالم (أي الغرب) وضربه بقنابل نووية، أو مهام أصغر مثل صواريخ سكود. أما أعداد كبرى أخرى من العمال، فظلت تنتظر حظها في سوق عمل للسلاح انتهت مع نهاية الحرب. كان بعض من عمل في مصانع هتلر للصواريخ من حصة مصر واستفادت منه في عمل أسطورتها الخاصة عن صواريخ القاهر والظافر وشاركت بالاستعراضات، ثم ذوى المشروع ومات.
العالم الآن مليء بالمسيرات والصواريخ وورش تصنيعها ومختبرات تجربتها. وساعدت التكنولوجيا في اختزال المعامل للوصول إلى إلغاء المعامل وتحويلها إلى ورش من الممكن بدورها أن تصبح “ذبابا” يتناثر في مناطق يصعب تخيلها. "الورشة الذبابة" تنتج "مسيرة ذبابة" وتقتل جنديا يحاول ضربها بمشبك ذباب مما كان يحمله أجدادنا. أو ورشة متوسطة تنتج صاروخا مناورا يلقي سكاكين نينجا بدلا من متفجرات، أو شبكة معامل ومختبرات عملاقة تجمع المعلومات وتعيد تقييسها للوصول إلى صاروخ فرط صوتي مناور للتو خرج من تحت يد أهم العلماء في هذا المجال، سواء بالتصنيع أو بالتحوير ليتصيد هدفه بكفاءة تجمع طاقات لعقول مهمة وقادرة على الابتكار. من الصعب رؤية نهاية سريعة، بل وحتى مستقر لحكاية نهاية أمام سرعة التغيرات التي استقدمتها عملية "طوفان الأقصى".
سيفخر كثيرون بما سيحققونه من إنجازات أمام "العدو" الغربي. لا أحد يجادل بأن الكثير من المال والجهد سينفق، ولا أحد سيقول إن المؤمنين المثابرين على حبهم وتفانيهم للقضية الفلسطينية مثلا، سيجدون من هذه الجولة فرصة لتصفية الحسابات، وسيجد الكثير من الانتهازيين فرصا أكبر للمزايدة. أما كيف ستؤول الأمور وإلى أي مسار ستقود، فمن الصعب الحكم مبكرا لأن وفرة المال وحجم المفهوم الغربي لما يعنيه الغرب خارج الإطار التسليحي والقدرة على فرض القرار السياسي، هذه أشياء من الضروري فهمها قبل الدخول في موجة المزايدات. مختبرنا العملاق الممتد من باب المندب إلى قناة السويس مزدحم بالمعطيات، وسنرى ماذا يستطيع كل "قاهر" وكل "ظافر" ما يمكنه أن ينتزع منها من استنتاجات.
"العرب"
لا نتحدث هنا عن مستويات الإنفاق المصغرة، أي تلك التي تهدف إلى إدخال تحسينات تجميلية تريد استقطاب المنافسين الصغار، بل تغييرات عميقة تأخذ المنتجات الأميركية إلى مستويات أعلى ومفردات أعم وأشمل.
لا نريد إشارات بلغة الأرقام فطالما قد ضللت المتابع. الأرقام مربكة ومضللة حتى وهي تعبّر عن قراءات مباشرة أو بلغة نسبية. ما نريده هو ما ينعكس منها على طبيعة الحياة وما يمكن أن يزهو به قطاع اقتصادي معين.
هل اقتراض مبلغ ملياري دولار من صندوق النقد الدولي لصالح تونس يعد مبلغًا كبيرًا؟ بالقيمة النسبية يعد المبلغ كبيرًا إذا أخذنا بالاعتبار حجم الميزانية السنوية التونسية على سبيل المثال. لكن المبلغ سيعد رقما بسيطا بالقياس المطلق. هذه هي إشكالية العلاقة بين ما يسمى بدول الشمال ودول الجنوب. أو للدقة، فإنه جدول المقارنة بين مليارنا ومليارهم أو دولارنا ودولارهم.
جداول المقارنات هذه ستزيد في تفاوتها وتعقد في محاولتنا القراءة كلما أمعنا في إضافة ما يمكن أن يشتري مليار دولار في العالم اليوم. ما هو الرخيص وما هو الغالي.
تختلط الصور القادمة لهجمات صاروخية بالليل بالصراخ الهستيري والهتافات الدينية لكنها لا تخفي ما يحدث من تبدلات مذهلة من حولنا ونحتاج أن نتعلم منها ونقول: أي ثورة نشهد أمام أعيننا؟
ذروة أولى للتعقيد ستصادفنا عند التعامل مع التكنولوجيا. العالم يهتز أمام تأرجح قيم البورصة كلما ذكر تغير في دخول أو خروج عالم أو فاعل في الذكاء الاصطناعي، سواء بشكله البرمجي أو بمعالجات وشرائح، أو حتى سطور يدخلها مطور على المفهوم بالكامل.
الذروة الثانية بالتأكيد تأتي من السلاح. عندما كان العالم يتهيأ لتقبل الذباب الإلكتروني كمشوش إعلامي مثلا على السياسيين والمثل، ترى الأمر وقد أخذ بعدا خطيرا بالذباب الانتحاري أو الذباب المتفجر. ها أنت تطلق عددا هائلا من الذباب المسلح بقنابل صغيرة وكاميرات وذكاء اصطناعي يذهب لتصيّد الهدف وقتله أو تعطيله. ولديك في هذه الحالة إمكانية قدرة على زيادة العدد أو تقليله لمشاغلة الأهداف من قريب أو بعيد. هذه مفاهيم جديدة بلغة الحرب تتفوق على كل طرق الرصد التي أنتجتها البشرية إلى حد يومنا هذا، ومن الواضح أنها ستبقى معنا على المدى المنظور. بعضها ألغام كشفت عن نفسها والبعض الآخر لا. لا نعرف كم "بيجر" نائم بما يشبه اللغم أو كم "ووكي توكي". هذا ذباب انتحاري وضعناه في جيوبنا أو في أحزمتنا طوعا منذ سنوات أو أشهر وسينتظر سنوات وأشهر ليتلقى أمر التنفيذ. هذه أسلحة قد تزعج إيران في بدايتها، لكنها سرعان ما تقلبها بحكم سرعة وسهولة الإنتاج إلى سلاح بيدها.
الشرق الأوسط هو مسرح لهذه الأسلحة. سنرى من الاستعراضات الكثير. لكن كما شاهدنا، فإن الضربات المؤذية إنما تأتي من إسرائيل، لتتحول بيد إيران إلى "سلعة مبتذلة" وبكميات كبيرة. وهذا ما يجعل الأمور خطرة لأن الإيرانيين يحولونها إلى شيء رخيص ومتاح وشعبوي.
في مثل هذه البيئة تتحرك السياسة في المنطقة، بلا قيود معروفة أو مركزية قائمة. لا يمكن التقليل أبدا من خطورة ما أقدم عليه رئيس حماس في غزة يحيى السنوار في عملية "طوفان الأقصى". لقد أقصى مفاهيم الحرب السابقة واستعاض عنها بقواعد جديدة من الصعب تداركها. فكلما اكتشف القائد العسكري أن بوسعه استخدام وجه مختلف لهذا السلاح أو قرر سياسي المبادلة بين طريقة وطريقة في استخدام السلاح، كان الطرف الآخر قد استعد بدوره إما بسلاح محور أو جديد، أو أن يرد بطريقة تُفشل بالنتيجة أثر الهجوم.
في قلب كل هذا ربما تبرز القدرة على الإنفاق العلمي والمرونة في اتخاذ القرار وسرعة تنفيذه على الأرض، أو للدقة تنفيذه على سطح أرض المعركة. تستطيع أن ترى أن الصواريخ فرط الصوتية الإيرانية مثلا يمكن أن تكون قد اتجهت من المختبرات التي تعيد تقييس مجساتها بالمعطيات التي استقدمت من ساحة "المعركة"، فوق البحر الأحمر أو في سماء مطار بن غوريون، في لحظات المناورة الأخيرة قبل ضرب الأهداف، ليتمكن المهندس الإيراني أن يجعلها أكثر مرونة وقدرة على التملص من الصواريخ المضادة. هذا هو التجسيد الكامل لمنطق توفير الإنفاق للبحث العلمي للوصول إلى اختراقات كبرى.
إلى أي مدى تستطيع إيران مواكبة قدرة الولايات المتحدة على الإنفاق على هذه البحوث. لا شك أن إيران ليست لوحدها في هذه. فمن السذاجة القول إن الحوثي يجمع المعطيات ويزود الإيرانيين بها كي يتمكنوا من تحويل ساحة معركة البحر الأحمر وصحراء النقب الإلكترونية إلى أكبر مختبر للصراع بين الولايات المتحدة – الغرب وإيران. تستطيع بسهولة أن ترى وتسجل الروس والكوريين الشماليين، بل وعددا غير منته من الشركاء والشركات ممن يريدون التعلم من هذه التجارب المفتوحة على الهواء. وعندما نقول إنها مفتوحة على الهواء، فإننا بالفعل نرى كيف تتم الأمور بصريا، لكن للأسف الشديد لا نسجلها كإشارات رقمية يتم تحليلها لنا ولغيرنا. هذا المختبر العملاق شيء لم يحدث من قبل أبدا.
مثل هذه البيئة تتحرك السياسة في المنطقة، بلا قيود معروفة أو مركزية قائمة. لا يمكن التقليل أبدا من خطورة ما أقدم عليه رئيس حماس في غزة يحيى السنوار في عملية "طوفان الأقصى".
تختلط الصور القادمة لهجمات صاروخية بالليل بالصراخ الهستيري والهتافات الدينية، لكنها لا تخفي ما يحدث من أن تبدلات مذهلة تحدث من حولنا ونحتاج أن نقف عليها لنتعلم منها ونقول: أي ثورة نشهد أمام أعيننا؟ ومن الضروري التحلي بالهدوء، بل وحتى الكياسة، حين النظر إليها، كي لا تضيع بالإبهار كما ضاعت ثورة صواريخ القاهر والظافر مثلا. في تلك الفترة، في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي، تسوق العالم ممن نجا وتسلل من علماء الصواريخ الألمان من بقايا علماء النازية. الصفوة ذهبت إلى الولايات المتحدة وشاركت في المشروع الصاروخي – الفضائي الأميركي، وصفوة أخرى أو لدوافع أيديولوجية ذهبت أو أمسك بها واقتيدت مع معاملها إلى الاتحاد السوفييتي السابق لتشارك بصناعة أسطورة غزو الفضاء السوفييتية، أو مجاميع الصواريخ العملاقة التي كان بوسعها الوصول إلى أي بقعة في العالم (أي الغرب) وضربه بقنابل نووية، أو مهام أصغر مثل صواريخ سكود. أما أعداد كبرى أخرى من العمال، فظلت تنتظر حظها في سوق عمل للسلاح انتهت مع نهاية الحرب. كان بعض من عمل في مصانع هتلر للصواريخ من حصة مصر واستفادت منه في عمل أسطورتها الخاصة عن صواريخ القاهر والظافر وشاركت بالاستعراضات، ثم ذوى المشروع ومات.
العالم الآن مليء بالمسيرات والصواريخ وورش تصنيعها ومختبرات تجربتها. وساعدت التكنولوجيا في اختزال المعامل للوصول إلى إلغاء المعامل وتحويلها إلى ورش من الممكن بدورها أن تصبح “ذبابا” يتناثر في مناطق يصعب تخيلها. "الورشة الذبابة" تنتج "مسيرة ذبابة" وتقتل جنديا يحاول ضربها بمشبك ذباب مما كان يحمله أجدادنا. أو ورشة متوسطة تنتج صاروخا مناورا يلقي سكاكين نينجا بدلا من متفجرات، أو شبكة معامل ومختبرات عملاقة تجمع المعلومات وتعيد تقييسها للوصول إلى صاروخ فرط صوتي مناور للتو خرج من تحت يد أهم العلماء في هذا المجال، سواء بالتصنيع أو بالتحوير ليتصيد هدفه بكفاءة تجمع طاقات لعقول مهمة وقادرة على الابتكار. من الصعب رؤية نهاية سريعة، بل وحتى مستقر لحكاية نهاية أمام سرعة التغيرات التي استقدمتها عملية "طوفان الأقصى".
سيفخر كثيرون بما سيحققونه من إنجازات أمام "العدو" الغربي. لا أحد يجادل بأن الكثير من المال والجهد سينفق، ولا أحد سيقول إن المؤمنين المثابرين على حبهم وتفانيهم للقضية الفلسطينية مثلا، سيجدون من هذه الجولة فرصة لتصفية الحسابات، وسيجد الكثير من الانتهازيين فرصا أكبر للمزايدة. أما كيف ستؤول الأمور وإلى أي مسار ستقود، فمن الصعب الحكم مبكرا لأن وفرة المال وحجم المفهوم الغربي لما يعنيه الغرب خارج الإطار التسليحي والقدرة على فرض القرار السياسي، هذه أشياء من الضروري فهمها قبل الدخول في موجة المزايدات. مختبرنا العملاق الممتد من باب المندب إلى قناة السويس مزدحم بالمعطيات، وسنرى ماذا يستطيع كل "قاهر" وكل "ظافر" ما يمكنه أن ينتزع منها من استنتاجات.
"العرب"