اليمن.. الحلول السعودية الترقيعية إلى أين؟

> مرّة أُخرى يعودُ الصخبُ الإعلامي السعودي واليمني بقوة للحديث عن تنفيذ اتفاق الرياض المبرم بين السلطات اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية وبين المجلس الانتقالي الجنوبي، وعن تشكيل حكومة وفاق تضم الطرفين بالمناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، بعد عام كامل من تعثر تنفيذ ذلك الاتفاق المثير للجدل.
فمَن المتوقع أن تُعلن هذه الحكومة في غضون أيام قليلة -إن لم يستجد بالأمر جديد ويجهض إعلانها كما حدث طيلة عام مضى من الشدِّ والجذب بين الطرفين- بعد أن توافق الطرفان مؤخراً بإشراف سعودي على حصص الأحزاب والقوى الشمالية والجنوبية لتقاسم وزارات الحكومة.

السعودية -ومعها الإمارات إلى حدٍ ما- تتوخى من هذه الحكومة تحقيق أمرين على الأقل:

أولاَ: وقف حالة الصراع المُسلّح المحتدم بشدة في الجنوب منذ عامين بين شريكيها: قوات الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المسند إماراتياً بغية ترميم مداميك هذا المعسكر الذي تصدى بشكل مضطرد في الشهور الأخيرة، وفاقمه كذلك حالة الصراع السعودي الإماراتي الخفي بالساحة اليمنية، فهذه التحديات وغيرها جعلَتْ السعودية في مأزقٍ وتحدٍ كبيرين أمام العالم، وقرّبها كثيراً من حافة إعلان الفشل وإعلان غرقها بأعماق الرمال اليمنية المتحركة، في وقت تتعرض فيه أراضيها، وبالذات الحد الجنوبي للمملكة، لتصعيد خطر بوتيرة الهجمات الصاروخية والطيران المسيّر، القادمة من صنعاء ناهيك عن الغارات البرية التي تشنها قوات صنعاء بضراوة، وفي الوقت عينه تتعرض القوات الحكومية اليمنية الموالية للمملكة لهزائم عسكرية كبيرة في الشمال الشرقي لليمن، خصوصاً في محافظة مأرب النفطية (المعقل الرئيس للحكومة) مما حداً بالسعودية في الأسابيع الأخيرة لتفعيل اتفاق الرياض بشكل جدي، وتشكيل الحكومة اليمنية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع سياسياً، لتتفادى سقوط مزيد من المواقع والمناطق العسكرية بيد قوات صنعاء.

ثانياً: لرص الصف السياسي داخل معسكر شركائها -أعني السعودية- ولإعادة الدفء إلى علاقتها بالإمارات بالشأن اليمني في حال نجاح المساعِي الدبلوماسية النشطة التي تقودها الأمم المتحدة هذه الأيام، والرامية لوقف الحرب باليمن والتوجه صوب طاولة المشاورات، والتي وجدتْ ترحيباً سعودياً هذه المرة أكثر من أي وقتٍ مضى بعد أن طال أمدُّ الحرب على صانع القرار السعودي وتبخُّر معه الحُـلم السعودي ببلوغ صنعاء وإسقاط الحركة الحوثية وحلفائها، وإعادة الحكومة الموالية للرياض الى صنعاء برغم المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية التي تسجلها المملكة لمصلحتها، ومعها الإمارات في اليمن وتعزيز وجودها العسكري وترسيخ هيمنتها طولاً بعرض وتحقيق أطماعها التاريخية في أهم المناطق والمدن والموانئ والجُزر، الممتدة من محافظة المهرة شرقاً إلى باب المندب جنوب غرب البلاد مروراً بميناء ومدينة عدن الإستراتيجيين.

على كل حال إن فرصة استمرارية هذه الحكومة -في حال تم الإعلان عنها أصلاً- سيكون ضئيلاً لأسباب عدة، من بينها: أنها حكومة هجين لأطياف ومشاريع سياسية ليس فقط مختلفة، بل متصادمة فضلاً عن انعدام الثقة تماماً بين القوى المؤتلفة فيها سواء القوى الشمالية التي تتصارع على السلطة داخل هذه السلطة المسماة بالشرعية وأبرزها (حزبي الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام)، أو بين هذه القوى مجتمعة، وبين المجلس الانتقالي الذي يتمتع بحضور كبير في الجنوب، وبين سائر القوى الجنوبية الأخرى التواقة لاستعاد دولة الجنوب السابقة، حالة فقدان الثقة المهول الذي يعتري علاقة المملكة بأكبر أحزاب الحكومة، ونعني هنا حزب الإصلاح ذات الفكر الإخواني المنضبط.

كما أن حالة الشحن الإعلامي وتكثيف التمترس العسكري وحالة التحشد المستمرة لقوات طرفي الصراع بالجنوب: (قوات الحكومة الموالية للرياض وقوات الانتقالي) خصوصاً في محافظة أبين وسط البلاد حتى في ذروة الحديث عن قرب التوصل لتشكيل الحكومة، وتنفيذ بنود اتفاق الرياض يشكل عقبة كأداء أمام نجاح واستمرار صمود هذه الحكومة، علماً أن هذا الاتفاق لم يتطرق إلى الحلول السياسية لا للأزمة اليمنية ولا للقضية الجنوبية، واقتصر عوضاً عن ذلك على معالجة قصيرة المدى للخلافات التي أفرزتها حالة الصدام العسكري والسياسي طيلة السنوات الأخيرة بين طرفي الصراع الرئيسين في المعسكر السعودي، مما يعني هذا بقاء أسباب الصراع والاقتتال مؤجلاً، فضلاً عن فشل أي حلول ترقيعية لا تلامس جذور أزمات اليمن المكدسة، ومنها حل الصراع على السلطة، وتسوية قضية الجنوب، وسائر القضايا الأخرى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى