رغم عدم إدراجها للمدينة بقائمة التراث.. اليونسكو ترمم 100 منزل بكريتر

> حوار/ خاص

>
الجابري: اليونسكو تنقذ مدينة عدن التاريخية ومن المؤسف أنها لا تُصنف كذلك رسمياً
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اختصارا يونسكو وتعنى بمجالات التربية والتعليم، والعلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والثقافة، والاتصالات والإعلام، وإحدى مهامها هي أن تعلن قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي، القائمة تضم أربعة مواقع في اليمن عدن ليست من ضمنها على الرغم من قدم أبنيتها وعراقة معالمها التاريخية والأثرية، "الأيام" أجرت حوارا خاصا مع محمد الجابري مسؤول التواصل في قسم التراث لدى مكتب اليونسكو لدول الخليج واليمن، لتلقى إجابة سؤال عن سبب عدم إدراج عدن ضمن القائمة وللتعرف على برامج ومشاريع المنظمة في البلاد.

> ما هو دور منظمة اليونسكو وبشكل محدد في اليمن؟
تعمل اليونسكو في عدة مجالات في التعليم والثقافة والعلوم والاتصال. فيما يتعلق في مجال الثقافة نحن كمنظمة دولية يكمن دورنا الأساسي وبشكل عام على رفع خبرات السلطات المحلية فيما يتعلق بجانب الثقافة ودعمها تقنياً بسبب تراكمات الخبرات لدى المنظمة على مستوى العالم. ولكن لخصوصية الوضع في اليمن لدينا تدخلات مختلفة للقيام بمشاريع إنقاذيه لبعض المناطق الهامة تاريخياً، متمثلة حالياً في عدن وشبام وزبيد وصنعاء.

> ما نوع الدعم المقدم من قبلكم للحكومة اليمنية؟
اليونسكو ليست منظمة مانحة فهي تقدم خبرات ومشورات تقنية يراد بها رفع قدرات الخبرات الوطنية والمحلية، ونرى أن المسؤولية تقع على الحكومة بشقيها المركزي والمحلي، كنا نناقش قبل أيام مع أحد الإخوة المسؤولين في جانب الإرث والثقافة في عدن عن الاحتياجات وإمكانية مساهمة اليونسكو، تم طرح الاحتياج إلى وضع خريطة تقنية تحتوي على جميع المعالم والمناطق الأثرية لكي يمكن استخدامها من قبل السلطة المحلية للحد من التوسع العمراني العشوائي وحمايتها من خلال التنسيق من كل الجهات ذات صلة. رحبنا بهذا الطرح فهو ضمن المساعدات التي يمكن لليونسكو تقديمها في حال توفرت الإمكانيات.

> هل لديكم معلومات عن المناطق الأثرية التي تعرضت للبسط العشوائي أو الهدم؟
اليونسكو لا تقوم بمسؤوليات الدولة، ولا سلطة لها فيما يتعلق بالحفاظ على الإرث والثقافة هي داعمة لدور السلطات المحلية والمركزية، هناك هيئتان متخصصتان بهذا الشأن في الحكومة اليمنية هما الهيئة العامة لحماية المدن التاريخية والهيئة العامة للأثار والمتاحف، هذه الهيئتان مناط بها مهام حفظ الإرث والثقافة ومنها تحديد المواقع الأثرية من غيرها والاهتمام بها وترشيد أعمال الترميم.

> لدى اليونسكو قائمة التراث العالمية المتضمنة أربع مناطق في اليمن هي شبام صنعاء زبيد وسقطرى، كيف تم إدراج هذه المناطق ضمن القائمة؟
هي عملية طويلة تتم عبر الحكومة وتساعدها اليونسكو في هذا المجال من خلال مكاتبها المتخصصة في جانب التراث العالمي لكي تصبح جزءا من هذه القائمة، يوجد لجنة متخصصة في هذا الجانب تقوم بدراسة كل المواقع التي يتم تقديمها لتدرج ضمن القائمة، على سبيل المثال لدينا في اليمن ما يقارب 10 مواقع في قائمة الانتظار، يتم الآن تقديم ملف الدان الحضرمي كأحد رموز التراث العالمي اللامادي بعد جهد يُشكر عليه وزير الثقافة مروان دماج والسفير الدائم لليمن في اليونسكو محمد جميح الذين شاركوا في الترتيب لهذا الموضوع، هذا فيما يتعلق بالتراث اللامادي على سبيل المثال. هناك محاولات لإدراج الصهاريج لقائمة التراث العالمي ولكن هذه رحلة طويلة تبدأ بها الحكومة ممثلة بجهات ذات الصلة في تحضير دراسات متكاملة عن المعلم والتقدم الرسمي بطلب إدراج المعلم في قائمة التراث إلى اليونسكو. وللمعلومة ألا يدرج المعلم في قائمة التراث العالمي لا يتنقص هذا من قيمته، المسألة هنا تكمن في تفعيل دور الحكومة في إثبات قدرتها على حماية المعالم التاريخية والحفاظ عليها وتقديم طلبات متكاملة للجنة التراث العالمي للتقييم وإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي.

> هل تريد القول أن عمليات البسط الموجودة حاليا في معالم عدن قد تعيق عملية إدراجها في قائمة التراث العالمي؟
نعم هذا جانب مهم، فمن الطبيعي أن لا يتم النظر لمعالم تاريخية لا يمكن معرفة حدودها الجغرافية بسبب ازدياد التعدي العمراني عليها.

> كيف تجدون تفاعل السلطات في عدن مع ما تقدموه من اقتراحات وإرشادات؟
اجتمعت مع مأمور كريتر الأستاذ إبراهيم منيعم أمس الأول وتحدثنا حول المشروع الذي ننفذه حالياُ في المدينة بالشراكة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية وبتمويل من الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الحالة العامة لمعالم هذه المدينة وما تتعرض له. وبكل أمانة أبدى ترحيبه واستعداده للعمل في هذا الجانب، أخبرته كم هو من المحزن أن نرى عملية التوسع الإنشائي والعمراني الذي يتم في إطار حرم المناطق الأثرية فأخبرني أن المحافظ الجديد لديه رؤية ومن ضمنها معالجة هذه الإشكاليات.

> ما هي مشاريعكم الحالية في اليمن؟
لدينا حاليا مشروع بقيمة 12 مليون دولار بدعم من الاتحاد الأوروبي يُنفذ بالشراكة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، هذا المشروع أتى بعد 3 سنوات من النقاشات المختلفة مع المانحين، فالمجتمع الدولي يرى أن الأولوية في الوقت الحالي تكمن في الجانب الإنساني أو العمل التنموي. نحن سعداء بشراكتنا مع الاتحاد الأوروبي وإيمانهم بأهمية دعم مشاريع إنقاذيه في مجال التراث الثقافي. فهناك قيمة أثرية تندثر بمرور الوقت ليس فقط في المعالم والمتاحف ولكن أيضا في منازل تاريخية مازال الناس يعيشوا فيها في شبام عدن زبيد وصنعاء. المشروع يركز على المنازل السكنية التاريخية كمنازل صنعاء القديمة وكريتر القديمة، إضافة إلى مواقع محددة مثل الصهاريج والمتحف الوطني (قصر السلطان) نظرا لأهميتها وكونها في احتياج ماس للتدخل العاجل وأي تأخير قد يؤدي إلى مرحلة كارثية قد لا نستطيع بعدها المحافظة على هذه المعالم التاريخية المرتبطة بهوية وروح المدينة وسكانها. ننفذ المشروع وفق آلية النقد مقابل العمل بحيث نوظف 4 آلاف شاب من المناطق الأربع المستهدفة بواقع ألف شاب من كل منطقة يشتركوا في أعمال الإنقاذ ويكتسبوا من خلالها خبرات لا تعوض.

> كم منزل في عدن مستهدف بهذا المشروع؟
لدينا في عدن ستة أنشطة متنوعة أولها إنقاذ واجهات المنازل. سنعمل ضمن المشروع على 100 منزل في عدن ومثلها في المناطق الأخرى المستهدفة. من ضمن أنشطتنا أيضا تأهيل الساحات العامة في كريتر حيث نبحث حاليا مع الهيئة العامة لحماية المدن التاريخية ومكتب المأمور والشريك المنفذ الصندوق الاجتماعي للتنمية تحديد ساحة عامة في كريتر التي نسعى إلى إعادة تأهيلها وفتحه للعامة لتكون متنفسا عاما. يكمن الغرض في الاستثمار في الساحة العامة بسبب تدني مستوى الوعي الذي لمسناه فيما يتعلق بأهمية التخطيط العمراني وأهمية المتنفسات العامة في إطار المدن التاريخية. نريد أن ننشر الوعي لدى سكان المدينة بأنه من حقهم الثقافي التمتع بمساحة عامة في إطار مدينتهم الثقافية.

> ما هو الاحتياج لتنفيذ المشروع وإتمامه في عدن؟
نحتاج إلى تكاتف الجميع من أجهزة حكومية وملاك منازل مستهدفة في المشروع ومنظمات مجتمع مدني من أجل إنجاح المشروع خلال فترته الزمنية. العمل في عدن مختلف عن غيرها من المناطق المستهدفة لأنها تعتبر رسميا مدن تاريخية، هذا الاعتراف الرسمي ساهم في إنشاء مؤسسات متخصصة وخبرات متلاحقة تجعل من العمل في مجال التراث والثقافة أكثر سهولة بشكل نسبي. الأمر مختلف تماماً في عدن فهي لا تعتبر مدينة تاريخية في نظر أجهزة الدولة وهذا بدوره يعني أن الجهات الرسمية التي يجب أن يكون لها دور كالهيئة العامة لحماية المدن التاريخية والهيئة العامة للمتاحف والآثار لا يُعطى لها الأولوية في التعامل مع الملف العمراني في مدينة عدن القديمة بعكس الدور الذي يُعطى لهذي الهيئتين في شبام وزبيد وصنعاء. بالإضافة إلى ذلك تقنيات البناء التاريخي التي يجب أن يتم تتبعها والحفاظ عليها تكاد أن تندثر في مدينة ذات تاريخ عريق مثل عدن. فعلى سبيل المثال يتم العمل ضمن المشروع في المتحف الوطني ولا نعرف النسب الداخلة في خلطات البناء في المتحف. يقوم المشروع حاليا بتتبعها وتسخير خبراء مختلفين في هذا المجال. تم إبلاغي من قبل الإخوة في الصندوق الاجتماعي أنهم وصلوا لابن أحد الأشخاص الذين شاركوا في بناء المتحف لمحاولة الوصول إلى نسب الخلطات التي قد شاركها الأب مع ابنه كونه يعمل الآخر في مجال البناء والتشييد. باعتقادي أن التعامل مع المدينة كان سيكون مختلف في حالة أنه ما تم إعلانها مدينة تاريخية.

> هل الموضوع صعب لهذه الدرجة؟
مثل ما أخبرتك يوجد القلة في المجتمع الدولي من ينظر للعمل في جانب التراث الثقافي كأولوية في الوقت الحالي في ظل الوضع الراهن. ما يميز المشروع الذي نعمل عليه في الوقت الحالي هو استخدامه لمبدأ النقد مقابل العمل الذي يُعتبر شيء مختلف عن نوعية الأعمال في مجال التراص الثقافي التي ما كانت تتصل عادة بمناقصات أو إشراك حرفيين من أسرة واحدة في حرفة مُحتكرة. مبدأ النقد مقابل العمل في مشروعنا سيتيح لـ 4000 شاب من اكتساب مصدر دخل يتراوح بين 8-12 دولار لكل يوم عمل. هذا المزج بين العمل في مجال الإرث والعمل التنموي يعطي للمشروع خاصية تسمح للمجتمع الدولي دعمها كونها تساعد الآلاف من الأسر في المناطق التاريخية. نعمل في اليمن اليوم ونحن نعي مدى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به مئات اليمنيين فنطمح في مشروعنا أن نساعد الآلاف منهم من خلال إشراك الشباب منهم الذين تتراوح أعمارهم بين 18-35 عاماً.

> متى تقريبا تنتهون من تنفيذ المشروع؟
ينتهي المشروع في شهر أغسطس 2021 لكن بسبب التأخيرات التي حصلت في بدء الأعمال نأمل أن نقوم بتمديد المشروع لفترة عام كامل نقوم من خلالها بإنجاز الأعمال التي تأخرت بسبب العمل في بيئة صعبة كالتي تواجهنا في اليمن. أنت عندما تعمل في اليمن تواجهك تأخيرات خارج إطار عملك يعني الحوالات المالية تتأخر فترة كبيرة. كلنا ثقة بشركائنا المحليين وعلى رأسهم الإخوة في الصندوق الاجتماعي للتنمية على تسريع الأعمال وإنجاز أكبر عدد ممكن من الأنشطة خلال فترة المشروع.

> في إطار عملكم ماهي أبرز الصعوبات في اليمن أو عدن بالتحديد؟
مثلا عندما تخبر شخص أنك تريد ترمم مناطق أثرية أو تاريخية غالبا ما يكون الرد "مش وقته"، إذن متى وقته؟ لكن فيما يتعلق بالجهات الحكومية للأمانة لقينا ترحيب من كلا الطرفين من الشرعية وحكومة الأمر الواقع في الشمال. خاصة في فترة الأمطار التي أصابت صنعاء وشبام وزبيد وحتى عدن، الجميع يعي مدى الدمار والإهمال اللي حاصل في هذا الجانب، فهم يرحبوا بتدخلات المشروع ويتعاملوا معه بإيجابية. أيضاً كما ذكرت الحوالات المالية تُعتبر مشكلة ومعيق للتنفيذ فبسبب النظام البنكي الحالي والأزمة الطويلة، المبالغ التي كان يتم تحويلها في أسبوعين، تأخذ ثلاثة أشهر للوصول حالياً. الصعوبة الأخرى تتمثل عدم استيعاب الجهات المختصة في جانب التراث الثقافي في إشراك مبدأ النقد مقابل العمل، هم يحصرون النقد مقابل العمل بالعمل العضلي ومن وجهة نظرهم يمكن استخدام آلية النقد مقابل العمل في أعمال رصف الشوارع وترميمها. يمضي وقت طويل ونحن نحاول أن نوضح لهم الأمر فالغرض الأساسي بالنسبة لاتحاد الأوروبي واليونسكو ليس فقط إنقاذ المناطق الأثرية والتاريخية ولكن أيضا خلق فرص عمل للشباب.

> لمن الأولوية في اختياركم للشباب العامل ضمن المشروع؟
أي موقع أثري يتم العمل فيه تكون الأولوية لأبناء الحي إلا في الحالات التي تتطلب خبرة، وكل موقع فيه استشاري وفيه مهندس فني و 3 أو 4 موظفين فالمشرف الاستشاري هو المسؤول عن التوظيف بدرجة أساسية. في الصهاريج سجل 400 شخص للمشاركة في المشروع ولا يمكن استيعاب 400 شخص لإجراء أعمال تنظيف وإنقاذ، لذا اضطرينا لتوظيف كل شخص لمدة أسبوعين يعمل خلالها ونهاية كل أسبوع يكون الدفع عبر بنك الأمل لكن هنا واجهتنا إشكالية أن معظمهم يقول اعطني حسابي أخر كل يوم، لم علي الانتظار حتى نهاية الأسبوع؟. كذلك فيما يخص ملاك المنازل التي نعمل على ترميمها هناك تخوف من قبلهم يظنون أننا سنمنعهم من التصرف بحرية في منزلهم إن أرادوا بيعها أو ترميمها، حاولنا أن نشرح لهم أن المهم بالنسبة لنا هو القيمة التاريخية للمنزل، وأننا على استعداد للعمل فيه بدون أية شروط مسبقة، الإخوة في الهيئة العامة للمدن التاريخية أوضحوا لهم أيضا أنه في حال ترغب في ترميم منزلك أبلغنا ونحن سنساعدك وأكدوا لهم أنه لا يمكن إلزامهم بشيء فلا توجد أية ضوابط قانونية. هذا الإيضاح مهم جدا ونود تسليط الضوء عليه من قبل وسائل الإعلام لتسهيل تنفيذ المشروع.

> ما هي الرسالة التي تود أن توجهها للسلطات المحلية؟
نتمنى أولا أن يتم التركيز على وقف أعمال البسط والعشوائيات في المواقع الأثرية، لأننا كالجهة المختصة الدولية لدينا دور محدود فهو يبدأ بعد انتهاء دور السلطات المحلية والمركزية، فنتمنى أن يتم أخذ الموضوع بجدية بحيث تمنع أي أعمال عشوائية، وإيجاد حلول جذرية للمباني التي تم تشييدها داخل المواقع الأثرية مع الحرص على الوصول إلى تسوية تلائم جميع الأطراف وبالتنسيق مع الجهات المختصة ممثلة بالهيئة العامة لحماية المدن التاريخية وهيئة المتاحف الآثار. حساسية الموقف تتطلب حكمة ونحن متأملين بالسلطة المحلية الجديدة بأن يتم إعطاء الأولوية لهذا الموضوع بغض النظر عن المكاسب السياسية أو المحاصصات، يجب النظر لأهمية التراث. أنا قبل أن أكون موظف في اليونسكو أنا من أبناء عدن أهلي عاشوا في سوق البهرة وحياتي في عدن، شيء مؤلم جدا لي شخصياً عندما تكون ضمن منظمة دولية متخصصة وتشاهد ما تمر به مدينتك. فأدعوا إلى إيجاد آلية تنسيق بين جميع الأطراف ذات الصلة الحكومية والمجتمع المدني لحماية المدينة وإعطاءها حقها التاريخي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى