رعاية قطط الشوارع في عدن ظاهرة تظهر لين القلوب

> تقرير/ فردوس العلمي:

> لم يكن إطلاق سيدنا محمد، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، لقب "أبي هريرة " على الصحابي عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، إلا دليلا على مدى محبته لقطته وشدة تعلقها وملازمتها له، وإخبار النبي لنا أن امرأة دخلت النار بسبب حبسها لهرة حتى ماتت من الجوع إلا برهان على الرحمة والرفق الذي وثقه وباركه الدين في النفوس. نجد العديد من المنازل سواء في الأرياف أو المدن تربي القطط؛ كونها حيوانات أليفة ونظيفة بخلاف الكلاب المستكره إبقائها في المنازل والنجس لعابها.

وعلى الرغم من تناقل الألسن قصصا عن وفاء الكلاب وغدر وتنكر القطط إلا أن مربيها شديدو التعلق بها، ويؤثرونها على أنفسهم، لما يجدون معها من ألفة ومرح. وقد وصل بعضهم لأن يؤلف مرثية لقطته المتوفاة لشدة حزنه عليها، فيما الآخر يوصي بدفنها إلى جواره، وغيرها مما يترجم اجتهادا وحرصا على حماية القطط وتوفير العناية لها وحبها.

ولدينا في مدينة عدن نماذج بارزة لافتة للنظر لعنايتهم بقطط الشوارع، على الرغْم من سوء ظروفهم، فأندهش حقيقة عندما أرى شخصا يقسم لقطة جزء من وجبته، غالبا ما يكون هؤلاء رجال ليس لديهم أطفال، وجدوا في القطط كائنات تؤنس وحدتهم، ويجودون عليها بالرحمة والرأفة خوفا من الوحدة، ورغبة بتجربة إحساس أب ينتظره أطفاله ليعود إليهم محملا بالطعام والحلويات. يعيشون ما حرمهم منه النصيب والظروف مع القطط التي تبادرهم بالطاعة والتودد.

أكثر من 300 قطة تميزه من رائحته
كل يوم بعد صلاة المغرب تجد القطط في شارع الملك سليمان وشارع لقمان متأهبة في انتظار وترقب، وفجأة تتعالى أصواتها، فيعلم جميع من في الحي أن عبدالله الرجل الستيني أتى، فحالما تلمح القطط عبد الله قادما على بعد أمتار وتشم رائحته التي تميزها تبدأ برفع صوتها فرحة بقدومه.

تتجمع مئات القطط حول عبدالله في انتظار ما يجود به من طعام، فكأنهم أبناء ينتظرون أباهم بفارغ الصبر، قطط عبدالله منتشرة ككتيبة جنود حماية من أول شارع الزعفران حتى شارع لقمان، خمسة شوارع رئيسة، فضلا على الأزقة المتفرعة التي له في كل منها عدد من القطط يمر عليها، يطعمها ويسقيها وهو في سعادة غامرة، فكل ما يريده رؤيتها تفرح بقدومه لا أكثر.

يقول عبدالله حين سألته عن عدد القطط : "لا أعدها، فهذا عمل لله"، وحين أصررت عليه قال لي تقريبا عددهم 300 ذكور وأنات من مختلف الأعمار والألوان.
ولدى عبدالله خبرة في تربية القطط، فقد قال لي: "الأكل غير المطبوخ يتعب القطط ويصيبها بالقراد ويتسبب بتساقط شعرها لذا اطعم قططي الأكل المطبوخ دائماً، واتفقت مع عدد من المطاعم بأخذ طعام لها من بقايا السمك والدجاج واشتريه بمبلغ رمزي لا يتعدى 2000 ريال".

يعود عبدالله بالذاكرة إلى 30 عاما مضت ليتذكر كيف أصبح مربي قطط، "قبل ثلاثين عاما جاءت قطة صغيرة لمنزلنا ورفضت والدتي أن تطرد القطة، اهتممت بها حتى كبرت وأنجبت قطة أطلقت عليها اسم أوسكار ولم استطيع أن أرمي أم أوسكار فحرام أن احرم أم من بنتها أو ابنة من أمها".

وحسب عبدالله، إن القطط التي يعتني بها لا تعرفه، بل تشم رائحته، وتعلم بقدومه، فتتجمع حوله منتظرة أخذ نصيبها مما أتى به لها، لكنه يعرفها ولم يتركها دون تسمية، فهذه لولو وتلك فدوى وذاك سهم وهذا سامر، ينادي كلا باسمه ويوزع عليها الطعام بالتساوي، ثم يتكئ في أحد الأركان ينظر إليها وهي تأكل، يقول: "أشعر بارتياح، فهي بعد الانتهاء من الأكل تأتي تلعب وتقفز حولي، كأنها تشكرني على اهتمامي بها".

ويحكي إبراهيم المحضار واقعة حصلت أمامه في السوق: "في إحدى المرات علق القط سهم في مكان عال، ولم نتمكن من إخراجه، كان خائفا منا، وحين جاء عبدالله ناداه ’يا سهم‘ فخرج القط وحاول القفز إليه ولكن عبد الله طلع إليه وأنزله". بينما يسلم باهديلة صاحب بقالة في الممر الفاصل بين شارع الملك سليمان وشارع لقمان يؤكد دهشته قائلا: "يوميا بعد صلاة المغرب ولنصف ساعة تتجمع القطط من كل مكان تنتظر عبدالله موزعة في مجموعات على امتداد الشارع، وعندما يأتي يوزع الوجبة ويملأ أواني مختلفة بالماء، وبعضها بالحليب للقطط الصغيرة حديثة الولادة".

القصة بدأت بهدية
في أثناء زيارتي لرصيف السياح بمديرية التواهي وجدت كثيرا من القطط التي يبدو من مظهرها الخارجي (كثافة شعر الذيل والبنية الجسدية) أنها قطط هجينة، شدني الفضول، فالقطط في صحة جيدة وودودة، فسالت أحد عمال الرصيف من أين تحصل هذه القطط على طعامها، فقال لي: "زمان عندما كان الرصيف شغالا والناس تأتي والسيّاح كانت تجد طعامها بيسر، والآن تكفل بها شخص هو نفسه لا يجد قوت يومه بسهولة ".

وبعد ساعة من الانتظار خرق سمعي صوت القطط وكأنها أطفال شاهدوا والدهم قادما من العمل. كانت فرحة القطط كبيرة بقدومه. تجمعوا حوله، ووقفت أشاهد المنظر. قطط كثيرة تدور حوله كأنها تسأله: ماذا جلبت لنا يا أبي من طعام؟ فقال لهم: "هيا تعالوا غداء. ثامر، حكيم، مريوم، ندى"، كانت القطط تجري إليه كلما نادى باسم أحدهم".

قططي أبنائي وحفدتي
ياسر فؤاد في نهاية العقد الرابع من العمر عامل في الميناء يقول: " أهتم بالقطط وكأنها أبنائي، فربنا أرد أن أكون لهم سندا وعونا. أنا رجل مطلق، وليس لي أولاد، وهؤلاء القطط هم أولادي، وأفرح بهم، وأشعر بسعادة بالغة حين أكون وسطهم، أطعم هذا وذاك ".
31 قطا وقطة أغلبها إناث يربيهم ياسر، أجيال من القطط مختلطة الجنسية بين محلى وأجنبي تعيش على ما يجود به ذلك القلب النابض بين ضلوع رجل لا يملك غير عمله في الميناء، يقول: "بدأت بتربية القطط قبل 15عاما حين أهداني أحد السياح قطة استمررت في تربيتها، وأسميتها مريوم، وهي أم لكل هذه القطط الكبيرة، والصغار أحفادها".
ويؤكد ياسر أن إطعام القطط لا يكلفه الكثير: "ربك كريم عالم بالحال، ويسهل لنا الرزق".

أحبها عمياء وأهدته 11 قطا
قلب آخر يدعى خالد عبد الكريم باطه في العقد السادس من العمر، مطلق من عشرين سنة لديه ابنة واحدة، يعمل حارسا لأحد المخازن بكريتر، قطة عمياء هي من جعلته مربي قطط، يقول: "في أحد الأيام وجدت قطة صغيرة عمياء ما زالت مولودة. أخذتها واعتنيت بها حتى كبرت وخلفت. والآن معي 11 قطة كلها أبنائها وأحفادها وهي ما زالت معي".

ويشير عبدالكريم إلى أن قطته الأولى عمياء، وتشعر به حين يصل، وهي أول قطة تأتيه عند قدومه. يقول: "أعطيهم وجبتي الإفطار والغداء، اشتريها من مراكز بيع الدجاج وأوزعها فيما بينها، وفي اليوم الذي لا أجد ما أطعمها إياه، أقاسمهم وجبة غدائي. تكفيني فرحتهم حين آتي لأراها تتسابق إلي وتجلس حولي لساعات طويلة أتحدث إليها وكأنها أبنائي وأحفادي".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى