"البلكونات المتهالكة" .. خطر يقودك إليه حظك العاثر

> تقرير/ فردوس العلمي

> أن تبدأ يومك بصباح مليء بالمخاوف التي تنغص عيشك، وترى الموت يتربص بك من كل جانب. هنا تأكد أنك في البلد التعيس والمكتوب عليك قضاء عقوبتك فيه لمجرد أنك وجدت نفسك تسكنه، في عدن العاصمة الباهتة التي لم تستطع أن تحافظ على الأبيض والأسود حتى باتت أرخص سلعة متوافرة هي أرواح المواطنين، فالموت يوزع بالمجان بأشكال وأنواع مختلفة ومتنوعة حرصاً على ديمومة الخدمة، فعندما يصبح المشي في الشارع لا يمكن أن يقال عنه "يمشي في أمان الله" تأكد أن الموضوع تخطى الخطوط الحمراء، وأصبحنا نتحدث عن تكدس لجثث غالباً لم يكن هناك وقت للسؤال عن سبب الوفاة والمتسبب بها.

السير في أحد شوارع المدينة القديمة قد يكون خطراً يهدد حياتك وسلامتك. هذا ما لمسناه من مشاهداتنا اليومية ومن شكاوى المواطنين اليومية للصحيفة في محاولة منهم لإيصال مناشداتهم الجهات المسؤولة رجاءَ أن تحرك المناشدة ساكناً في نفوس المعنيين والقادرين على تغيير واقعنا ما بعد المرير، "الأيام" نقلت التهديد الذي تشكله المباني الآيلة للسقوط سواءً المتأثرة بضربات أثناء حرب الحوثي عام 2015م، أو تلك التي عفا عليها الزمان لم تشهد أي شكل من أشكال الترميم والصيانة، وحجم الضرر الذي قد ينتج في حال استمر الحال على ما هو عليه، وظلت الجهات الحكومية تنتظر وقوع الكارثة متفرجة كأن الأمر لا يعنيها وهو ما ليس بمستغرب منها.

الشارع الرئيس في مديرية المعلا تأثر كثيراً بفعل الحرب نتيجة قصف الحوثيين للمنازل بمختلف أنواع الأسلحة والمقذوفات، ما أدى إلى تصدع العمائر والإنذار بانهيارها والبلكونات المتهالكة التي سقط بعض منها والبعض الآخر معلق يتخير لحظة الوقوع على رأس أحدهم. في حين يبقى المواطن عاجزاً عن إجراء أي ترميمات غارقاً في دوامة الغلاء وانتظار المرتبات وملاحقة فرق صرف العملة، والذهاب يومياً دون أن تحاول الجهات المسؤولة التدخل بتقديم حل بسيط ينهي الكارثة ويحافظ على مكانة الشارع العريق.

ويعد الشارع الرئيسي من أطول الشوارع، إذ يبلغ طوله كيلو متر، وعدد بناياته أكثر من 100 عمارة، ويعتبر من المعالم العصرية بالبنايات المتراصة بشكل هندسي رتيب، حيث لا يقل عدد أدوراها عن ثلاثة ولا يزيد عن سبعة، وصمم بدقة وتناسق عمراني يشبه المدن والعواصم الأوروبية كونه نفذ بإشراف مهندسين بريطانيين في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، حيث تغير وجه المدينة تماماً خلال فترة الاستعمار البريطاني، وتم ردم مساحة من البحر وشق أطول شارع في عدن وبنيت على ضفتيه مبانٍ حديثة لاستيعاب عائلات الجنود البريطانيين.

ويسمى الشارع اليوم بشارع الشهيد مدرم ولم يتغير الاسم فقط، بل أصبحت البنايات في حال يرثى له، وغزت العشوائيات أسطح المباني والمساحات بينها، وظلت واقفة كهيكل ينتظر الوقوع بعد أن يئس من إجراء محاولات ترميم أو اهتمام من قبل السكان.

المواطن علوي سالم في العقد الخامس من العمر لم يستطع عدم التعليق عندما رآنا نلتقط صورا للبلكونات وقال: "هذه البلكونات خطر كبير على المارة، لكن للأسف أصحابها لا يبالون ولا الحكومة ولا الإسكان، ما أحد مهتم بحياة المواطن فقيمته أصبحت بقيمة حبة رصاص طائشة تقضي عليه، ولا يعرف من قتله وهكذا هي البلكونات موت طائش لا أحد يتوقع متى تنهار فوق الرؤوس".

وأضاف ساخراً: "لا أعلم من يقوده حظه العاثر للمرور تحت هذه البلكونات التي قد تفقده حياته. نطالب الحكومة أن تحمينا من خطر البلكونات".
وشاطرته الرأي الحاجة كلثوم عبدالكريم التي لم تخف من وقوع شيء على رأسها قائلةً: "أمر من هنا وقلبي واقف لا أدري سأكمل الطريق مشياً على قدمي أم محمولة على نقالة، والمشكلة لا أحد معترض أو مستاء من هذا الوضع كأنهم ما يشوفوا".

فدوى جميل طالبة جامعية شاركتنا الحديث وقالت: "نأتي إلى الشارع الرئيس نتمشى. الشارع تغير كثيراً وفتحت فيه مواقع جميلة تجذبنا، لكن للأسف الخوف يسيطر علينا بسبب وضع البلكونات، وحقيقة لا أعلم كيف الناس سكانه في منازل البلكونات فيها آيلة للسقوط"، وتعجبت من حرص الكثيرين على إغلاق أبواب البلكونات لحماية أطفالهم وأفراد أسرهم فيما لم يهتموا لأمر المارة تحت منازلهم.

وما نتفق عليه جميعاً أن الشارع الرئيس ليس وحده من يعاني هذه المشكلة، بل كثير من البنايات السكنية تدهور فيها حال البلكونات خاصة، بالرغْم من أنها تعطي منظراً جمالياً للبناية وتوازي الأعمدة، وأي خلل فيها قد يضر بالبناية كلها يفقدها توازنها:
"دخلنا في مشكلة مع جارنا لأنه أزال بلكونته دون أي أسباب، وذلك أضر ببلكونة شقتنا فتعرضت للتشققات والشروخ، والآن تحتاج إلى ترميم وإصلاح لأنها معرضة للسقوط، وطالبنا في شكوتنا ضد جارنا أن يتم إعادة بناء البلكونة بنفس المواصفات القديمة حتى لا تخل بتوازن البنيان".

عمارة التلال الملتهبة في كريتر هي الأخرى حالتها يرثى لها، وعلى رأي الحاج عبدالله: "عمارة التلال الملتهبة باقي لها تكة وتسقط".
تقول إحدى الساكنات في العمارة: "عمارتنا خرابة من الداخل والخارج، وأنت بنفسك انظر وضعنا، مهددين كل يوم حجارة تتساقط على الأطفال وهم يلعبون، وفي أثناء المطر تسربت المياه وعطلت الكهرباء".

وأشارت إلى أن الحالية المادية للمواطنين لا تسمح لهم بإجراء ترميمات قائلة: "البنايات قديمة والطيران كمل الباقي".
وأجابت عن تساؤلي فيما إذا تعرض البناية للقصف: "لا بأس كان القصف شديداً على الاتصالات، وهذا أثر على عمارتنا، وما كان متهالكاً سقط إثر القصف. كنا قد قدمنا من سابق تقرير بحالة العمارة إلى محافظ عدن يحيى الشعيبي مطالبين بعمل ترميمات، لكنها كانت أعمالاً خفيفة وسطحية، ونحن الآن نخاف من أن تسقط العمارة بكلها".

وما يضع تساؤلات حول صمت الجهات المختصة في ظل تصدع وانهيار عدد من المباني جزئياً في عدن هو استذكار دور الإسكان سابقاً والقانون الذي كان معمولاً به، حيث تتحمل هيئة الإسكان ترميم واجهات المباني، فيما يقوم السكان بإجراء الصيانة الداخلية، وكيف تخلى المسؤول عن مسؤوليتها خاصة حين أن أصبح 90 % من المنازل والمباني ملكاً للمواطن بعدما كانت أملاكاً للدولة التي رمت الحمل بثقله على كاهل المواطن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى