لهذه الأسباب قد يتغير الموقف الأمريكي من حرب اليمن

> بعد ترشيحه رسمياً من قبل حزبه الديمقراطي لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت حملة الرئيس المنتخب (جو بايدن) بشكل رسمي ضمن برنامجه الانتخابي أنه سينهي دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن إذا انتُخب رئيساً، وسيعيد تقييم علاقة واشنطن بالمملكة العربية السعودية، ليتأكد من أن أمريكا لا تتنكر لقيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط.

بايدن كان أيضا قد صرّحَ من نيويورك عام 2019م في أول خطاب له في خضم حملته الانتخابية عن سياسته الخارجية (لقد مضى وقت طويل على الحروب الأبدية وقد آن الأوان لإنهائها). وقبل عام أيضا أشار المتحدث باسم حملته في تصريحات نشرتها الواشنطن بوست أن بايدن يرى أن الوقت قد حان لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.

قد لا تطبّق الوعود الانتخابية بحذافيرها، وقد لا تتغير المواقف السياسية الأمريكية حيال القضايا الدولية تغيراً جذريا بمجرد تغير الرئيس أو تبعاً لمن يهيمن من الحزبين -الديمقراطي والجمهوري- على الكونجرس بغرفتيه مجلسي النواب والشيوخ، لكن بالتأكيد أن جزءاً كبيرا منها يجد طريقه للتنفيذ، وتشهد سياساتها الخارجية تغيراً لا بأس به إزاء كثير من القضايا. فبخصوص شأن الشرق الأوسط يظل الدعم الأمريكي لإسرائيل موجودا، لكنه يتأرجح صعودا بعهد الحزب الجمهوري، وهبوطا -بعض الشيء- بعهد الحزب الديمقراطي. وكذا الأمر بشأن القضايا الأخرى بالمنطقة، سواءً بما يتعلق بالعلاقة الأمريكية مع السعودية أو بشأن العلاقة مع إيران وبرنامجها النووي المثير للجدل، ومع العراق وسورية وبشأن الحرب اليمن، وسواها من الدول والقضايا التي تخص واشنطن بهذه المنطقة الحيوية من العالم.

وبتسليط الضوء أكثر على الموقف الأمريكي في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، وما نتوقعه منه ومن إدارته المقبلة بشأن الحرب باليمن فهو يعارض هذه الحرب، وإلى درجة يفعل الشيء ذاته حزبه، وكان له موقفا رافضا لها، أو لنقل متحفظاً عنها (مع أن مشاركة بلاده بهذه الحرب قد بدأت في عهد إدارة رئيسه الديمقراطي السابق ورفيق دربه الحميم (باراك أوباما) الذي شغل بايدن منصب نائب الرئيس لدورتين كامليتن، أو بالأحرى تم المشاركة في نهاية فترته الأخيرة. لكن الرئيس (أوباما) قام قبل فترة وجيزة من انتهاء فترته الرئاسية الثانية بوقف بيع القنابل الذكية للمملكة بهدف تقليل معدلات الوفيات في صفوف المدنيين بحسب مبرر الإيقاف، بعكس مواقف الرئيس دونالد ترامب الذي انخرط بالمشاركة فيها بقوة، مشدودا بحسابات مالية محضة، مشاركة عسكرية من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي وإعادة التزويد بالوقود الجوي للطيران السعودي، فلطالما مثلت هذه الحرب لترامب سوق سلاح مزدهرة حرص بشدة على بقائها مستعرة حتى الساعة. فمن بين اثنين من قرارات حق النقض اللذَين استخدمهما بفترة ولايته كان أحدهما بشأن حرب اليمن، أبريل 2019م استخدم حق النقض (الفيتو) ضد قرار تبناه الكونجرس سعى لإنهاء مشاركة واشنطن في حرب التحالف السعودي العربي. وبعد أشهر قليلة من ذلك التاريخ قاد النائب الديموقراطي (روخانا) مع مجموعة من النواب الجمهوريين والديمقراطيين حملة لإنهاء الحرب عبر حظر الدعم اللوجستي الأمريكي للغارات الجوية للتحالف باليمن من خلال تعديل مشروع قانون السياسة الدفاعية السنوي، ولو أن الحظ جافهم بذلك.

إذَن فكل الشواهد تشير إلى أن ثمة تغيراً كبيرا بالموقف الأمريكي في عهد بايدين سيطرأ على حرب اليمن يشيء بسعي الإدارة الأمريكية القادمة لطي صفحة هذه الحرب ودعم الجهود الأممية للانخراط بتسوية سياسية ليس فقط رغبة منه لتعرية وإحراج حزب الجمهوريين ورئيسيهم المتعجرف ترامب (الذي يرى مراقبون كثر أنه قد تصرف خارج كل الأعراف السياسية والدبلوماسية الراسخة منذ عقود وقايض القيم والمبادئ الأمريكية بالمال السعودي بشكل مشين)، لا لكشف عورتهم فقط وإظهار فشلهم الذريع بسياستهم الخارجية أمام الشعب الأمريكي وتشويه سمعة أمريكا الأخلاقية، ولمعاقبة ولي العهد السعودي الذي لا تروق تصرفاته لبايدن وحزبه الديمقراطي وحسب، بل لإعادة الروح الإنسانية والأخلاقية للولايات المتحدة التي ضربت في الصميم بعهد ترامب وللتخلص من الفوضى العارمة التي نشرها ترامب بالعالم.

لكن هذا لا يعني أن بايدن سيدير ظهره بالكامل للرياض، فهو يدرك أهمية هذه المملكة الثرية بالنسبة للمصالح الأمريكية وبحاجته لها سياسياً وجيوسياسياً كدولة محورية بالشرق الأوسط في خضم الخلافات الأمريكية العالقة مع إيران والجماعات المتطرفة، وإلى حد ما تركيا، وغيرهم من الخصوم بالمنطقة، وخشيته من أن ييمم صاحب القرار السعودي وجهه شطر الصين وروسيا -الخصمين اللدودين لواشنطن-. كما أنه في المقابل سيكون من المستبعد أن يسيل لعابه بغزارة للمغريات السعودية السخية كما حدث مع ترامب، أو ينهار تحت سِــحر المال والنفط السعودي وسطوته، بل سيحرص أن يظل يمتاز عن خصمه الجمهوري الجشع، ولئلا يبدو نسخة مكررة منه ومن عهده التدميري.

هذا التوجه الأمريكي المفترض حيال السعودية ولوقف حرب اليمن، وهذه الضغوط التي سيرمي بها بايدن بوجه السعودية ستكون فرص نجاحها كبيرة إلى حد كبير لا لأن السعودية ستذعن للهراوة الأمريكية فحسب، بل لأن ثمة قناعة سعودية أضحت راسخة بضرورة وقف هذه الحرب التي تحولت إلى ورطة سعودية بالرمال اليمنية المتحركة العميقة. وصارت ( السعودية) بالتالي تتلمس طريق الخلاص من هكذا ورطة وتيه، في وقت ترى فيه أنها قد حققت الشيء الكثير من أهدافها غير المعلنة باليمن وأصبح لها موطئ قدم راسخ من شرق البلاد على الحدود مع سلطنة عمان حتى الساحل الغربي في البحر الأحمر مروراً بميناء ومدينة عدن الإستراتيجيين، لتنال السعودية من خلاله تحقيق أهدافها (أطماعها التاريخية) تحت نقع الخصومة مع إيران وتحت غبار الحديث عن عودة الحكومة اليمنية الموالية لها إلى سدة الحكم في صنعاء، والتي باتت هذه العودة وفق الحسابات العسكرية ضرباً من المستحيل. فالسعودية اليوم لن ترى بالضغوط الأمريكية شرا مستطيراً كلياً، بل سترى فيها عامل دفع لإنجاح الجهود الأممية لوقف الحرب وتوجه كل الأطراف اليمنية صوب طاولة التسوية السياسية النهائية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى