عدن.. حمير وعنف وملامح ريفية!

> تقرير/ فردوس العلمي:

> وأنت تزور عدن لأول مرة، أو عائد إليها فترةَ غياب سترى مشاهد غريبة لم تألفها المدينة صارت نمطاً اعتيادياً يومياً لحياة الريف والقرى. يلعب فيها الحمار دوراً كبيراً حيوياً في حياة السكان لجلب احتياجاتهم ومساعدتهم في التغلب على صعوبات العيش.

انتشار كبير للعشوائية
كتل أسمنتية ومبانٍ من مكعبات البردين صغيرة وعشوائية ومتزاحمة تتسلق الجبال يصعب الوصول إلى بعضها والمرور بين أزقتها الضيقة. لم يخطر على بال الكثير من سكان المدينة أن تصل العشوائية وغياب التخطيط إلى هذا الحد من الفوضى.
وأنت تشاهد الحمير التي انتشرت بكثرة في شوارع المدينة ستسأل عن أسباب انتشارها في شوارع المدينة، وهل انعدمت وسائل النقل، وعاد بنا الزمن البائس إلى ما قبل اكتشاف المحرك وصناعة السيارات؟.. هل صارت جنة الله في أرضه قرية؟

خلال جولتي في طرقات العاصمة المؤقتة عدن ثمة واقع مرير الحمار أحد ملامحه وعناوينه البارزة فرضته الفوضى ليقوم بمهمات كبيرة استعصت على إنسان أعالي جبال عدن.

منذ 2011م انتشر البناء العشوائي وزاد بصورة ملفتة في جبال عدن بمرحلة ما بعد 2015م، حيث اضطر الكثير من سكان جبال عدن (مرتفعات المعلا وكريتر) إلى استخدام الحمير وسائل للمواصلات، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعارها، ومع تزايد النازحين استخدمت الحمير لنقل البضائع والمياه والغاز ومواد البناء، والبعض منهم جلبوا حميرهم من الأرياف عند انتقالهم للسكن في جبال المدينة.

صار للحمير ما يشبه فرزة نقل بدون نقابة أو تصريح من السطات فرضت وجودها الحاجة وتعمل بصبر وصمت يعجز عنه الإنسان.
تتحمل حمير سكان أعالي جبال عدن الضرب والمعاناة، والبعض من مالكي الحمير يستثمر فيها وتدر عليه المال ويعاقبها بالضرب، ولا يمنحها أبسط حقوقها من العلف والقصب.

في عدن التي عرفت قبل أكثر من مئة عام جمعيات تعنى بحقوق الحيوان تترك الحمير في شوارعها بدون أجرة تبحث في براميل القمامة عن بقايا أطعمة وخبز، وفي مجاري المياه الطافحة عن شربة ماء تروي عطشها.
في الشارع الرئيسي بمديرية المعلا الذي لم أتوقع في يوم من الأيام أن أراه مسرحاً للحمير شاهدت طفلاً في يده عصا يضرب به حماره بعنف ليدفعه إلى الإسراع في السير.

قسوة من المؤكد انتقلت إلى ذلك الطفل من المجتمع في زمن العنف والحروب.. سألته لماذا تضرب الحمار بهذا الوحشية فأجاب: "هذا حمار ما يفهم".
وتقول الحَاجَّة خديجة أم أحمد، معلقة عن العنف الموجه ضد الحمير: "هؤلاء أطفال تعلموا العنف من أسرهم. ولم يتعلموا كيف يعطفون عليه، وكما يقول المثل (ابنك على ما تربيه)، وهؤلاء الأطفال عرفوا الحياة في زمن العنف والحروب، وعبروا عن مشكلاتهم بالقسوة على الحمير دون شفقة أو رحمة".

وبالتزامن مع نقل البنك المركزي إلى عدن انتقلت العشرات من الحمير إلى الحي المجاور للبنك، لتقم بواجبها في جلب المياه للمواطنين من سكان حي العيدروس الذي يقطنه ما لا يقل عن 3 آلاف نسمة ولا تصل إليه خدمة المياه.
ويقول مصطفي إبراهيم: إن الحمار مكانه الطبيعي في الأرياف والمساحات الخضراء، حيث يجد الأعشاب ليتغذى عليها، ويحرص الفلاحون هناك على إطعامه من القصب والحبوب والأعلاف التي يجمعونها في مواسم الزراعة ومحصول الحصاد.

ويضيف قائلاً: "مدينة عدن عاصمة اقتصادية وتجارية ويفترض معالجة هذه المشكلة".

ثمة ازدراء وسخرية
الحمار حيوان يتسم بالصبر يعترف العالم بدوره، ومؤخراً فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية وهو الحزب الذي يتخذ من الحمار شعاراً له، وفي بلادنا ثمة ازدراء وسخرية موجهة ضد هذا الحيوان، فمثلاً يقال لإنسان يا حمار فيعدّ ذلك شتيمة.

تقليد العنف
سليم عامر قال: من يعتدون على الحمير ويتعاملون معها بعنف ربما يقلدون الكبار، وربما منهم من شاهد أخاه الكبير أو أباه أو أحد الجيران يضرب الحمير بقسوة".
وقال: "والله أحس بالقهر وأنا أشاهد الحمير وهي تتعرض للضرب بقسوة على ولو تُركت تمشي ستصل إلى وجهتها دون ضرب، لكن هي عقلية الإنسان العقيمة أن بعض البشر لا تمشي إلا بالضرب، وهكذا يطن أن الحمار مثلهم لا يمشي إلا بالضرب".

شيماء أم ياسر قالت: اسكن بالقرب من مدرسة بازرعة، وبعد صلاة العصر أرى دائماً مجموعة كبيرة من الأطفال يركبون الحمير وكأنهم في مسابقة للهجن يضربون الحمير بقسوة".
عوض رجل في العقد السابع يقول: "ما حد مستفيد من الحمير إلا أصحاب العشوائي. في الجبال لم تعرف عدن الحمير، لكن من بعد 2015م حصل غزو كبير لجبال عدن وأغلبهم نازحون بنوا منازل فوق قمم الجبال واستخدموا الحمار لجلب الماء ورفع مواد البناء".

وأضاف: "تخيلوا أن حجم كيسين أسمنت فوق ظهر الحمار بوزن 100 كيلو، ويطلع بشكل أفقي في جبال مرتفعة، ورغم هذا يتعرض للضرب بقسوة حتى يتحرك، وبعد أن تنتهي مهمته ويطلع إلى قمة الجبل أكثر من 20 أو 30 كيس أَسمنت وأكثر من 500 حبة بردين وكم دبة ماء، ولا تُعطى له شربة، وإذا مرض أو انكسرت قدمه يترك في الشارع دون رحمه، وهذا يذكرني بمثل قديم (أكلونا لحم ورمونا عظم".

مجموعة من أطفال شعب العيدروس بمديرية صيرة كانوا يقودون مجموعة من الحمير فسالتهم لماذا هذا العصا بأيديكم؟ هل تضربون بها الحمير؟ الطفل محمد مرشد قال العصا طويلة وأنا استخدمها لإرشاد الحمار في الطريق خاصة مع زحمة السيارات، لكن لا أضربه بقوة.
الطفل عبدالرحمن أحمد يقول: إن حماره لا يأكل من القمامة، وأنه يشتري له قشر الذرة، ويضيف: البعض يتركون حميرهم في الشوارع تأكل من القمامة.

أسوأ من قرية
كانت عدن عاصمة لدولة واليوم عاصمة مؤقتة كما يفترض، وكانت وما زالت على قيد الحياة، فلماذا يصر البعض على أن تكون قرية أو أسوأ من القرية؟ هكذا يقول الأخ عصام عامر، وهو يشاهد مجموعة من الأطفال على ظهر الحمير بالقرب من ملعب الشهيد الحبيشي، وأضاف: أصبحت الحمير معلماً أساسياً من معالم المدينة ما بعد 2015م".

رسالة إلى المأمور
وقال: "أبعث برسالتي إلى مأمور مديرية صيرة أن يمنع نزول الحمير إلى شوارع المدينة لما تسببه من منظر مؤدي، فكل يوم تنزل مجموعة من الأطفال بالحمير إلى منطقة الرزميت لتستلم الروتي، ويربطون الحمير حتى يفتح المخبز أبوابه، وهذه الحمير تترك أوساخها على الطريق".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى