محمد محسن عطروش.. واجهة أبين وعدن الثقافية

> نجيب سعيد ثابت

>
نجيب سعيد
نجيب سعيد
فنان بحجم الوطن والثورة، وبمستوى آمال وأحلام الأمة، عبر عنها بصدق دون مغالاة، نقلها بكل حرارتها وتدفقها إلى الأغنية، وجمع منها ما جمع في عدة فئات فلاحية وعمالية ورعوية.. الفئات الكادحة والفقيرة بما أشعلت به ثورة 14 أكتوبر من دمائها وجراحها، وكان هو ابن الثورة واحد أعمدتها الكبار من الفنانين، يتعملق بألحانه إلى حد البساطة المتأنقة وقوة البسالة، مما جعله فناناً يعشقه شعب الجنوب بأكمله فترة الكفاح المسلح، ومن ثم الاستقلال الوطني. واليوم يردد أغانيه أبناء اليمن كلهم، وكُتب الخلود لعدد غير قليل من أغانيه، والمدهش أن منها أغاني وطنية مثل برع يا استعمار وبوس التراب ويا شباب يا شباب ولا لا تخاف من، وأناشيد كثيرة وطنية تُذكر بتذكر المناسبة، كانت تهز عرش المحتل البريطاني.

وما هو مدهش أكثر أن وسيلته الفنية لتقديم هذه الكنوز كانت هي البساطة في التعبير اللحني دون تعقيد.. فيصوغ ألحاناً مقروءة تتذوقها أذن المتلقي وتهز كيانه.

والفنان الكبير محمد محسن عطروش فنان وطني، وغيره كذلك من الفنانين المجددين -الذين كان الفنان العطروش أصغرهم عمراً- غنوا للثورة وللوطن واسهموا إسهاماً كبيراً في الاستقلال الوطني وإسناد الثورتين اليمنيتين بأجمل الأناشيد الثورية، وكان العطروش من بينهم ذلك الشاب الأيقونة، بحيث انتشرت أناشيده كالنار في الهشيم بالرغم من صغر سنه بين أولئك الكبار، وكان الصغير الكبير بين أولئك الكبار من الفنانين رغم صغر سنه، مثل: إسكندر ثابت وأحمد قاسم ومحمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وغيرهم، لقد تميز العطروش بأنه كان منغمساً في الغناء للوطن، غنى لثورتي سبتمبر وأكتوبر وغنى للاستقلال الوطني، وبعد ذلك غنى لمنجزات الثورة، فيما ارتأى أنها منجزات يصنعها الكادحون من عمال وفلاحين وصيادين وغيرهم، فلم يغالِ ولم يتزلف ولم يسترزق. وهناك محطات ومنعطفات انتقد فيها العطروش بعض من الرفاق في الدولة بعد استقلال الجنوب بسنوات قليلة وعانى بعد ذلك من هذا النقد في بعض الأناشيد الذي كتبها ولحنها لفترة وجيزة.

العطروش من أسرة فلاحية فقيرة ذاق البؤس والفقر، وبالتالي كان يؤمن بقدرة الكادحين على الفعل المؤثر.
وهو ابن بيت فقه وعلم وتدين، والده هو الحاج العلامة المقرئ محسن عبدالله عطروش، يرحمه الله.

والعطروش فنان مثقف حاصل على الليسانس في الأدب الإنجليزي من جامعة القاهرة، وقد ساعده ذلك في اختيار النصوص التي يغنيها حتى من كلماته فهو شاعر، وفق ذائقة أدبية راقية، وساعده في الانحياز للتجديد بالتلحين، وحين جاء إلى عدن لم يكن خالي الوفاض من الأغنية التجديدية.
وفنانو عدن لم يكونوا ملائكة وطبيعي أن تسيطر عليهم الغيرة الفنية، لكنه أثبت جدارته في مجال الأغنية التجديدية، ويعتبر من المجددين الكبار للأغنية، وتعامل مع معظم فناني عدن وقدم لهم أمتع وأشهر الألحان آنذاك.

وأسهم في تشجيع الأصوات النسائية مثل رجاء باسودان وصباح منصر، بأغاني عاطفية نسائية الطابع. فأغنية (دي ما يباني مرة) لرجاء وأغنية (يا زعلان) لصباح لا يمكن أن تصلحا إلا لصوت نسائي، وكلاهما للشاعر الغنائي الكبير الراحل عمر عبدالله نسير الذي صاغهما صياغة نسائية، أيضاً هاتان الأغنيتان لم يغنهما أحد من الفنانين الذكور بعد رجاء وصباح. وهذا نتاج ثقافة فنية امتلكها العطروش.

ونلاحظ كذلك استمرار شغف الجمهور بأغانيه الوطنية، فإلي اليوم لايزال المتلقي يطرب لبرع يا استعمار، وبوس التراب، وأنا الشعب وغيرها. لأن ألحانها تجديدية وتعبيرية وأصيلة، استندت على مخزونه للفلكلور الغنائي الأبيني بشكل خاص واليمني بشكل عام، الذي كان العطروش متشبعاً به. فاذا انقضت المناسبة ظل المتلقي مرتبطاً وجدانياً باللحن الجميل الذي يهيج ذكرياته ويعيده عشرات السنين للوراء.

محمد محسن عطروش علم فني زاخر بالدلالات الفنية والوطنية، يجبرنا على الانحناء له احتراماً وتقديراً، كلما تذكرنا أغانيه الخالدة، مثل شارح الطين، يا رب من له حبيب، قالت كرهتك، البلس والقات، جاني جوابك، ذكريات، وغيرها عشرات الأغاني التي نعتبرها كنوزاً من الأنغام.
فكل هذه الأغاني وغيرها تعبير فني راقٍ عن آمالنا وانطلاقاتنا وصبواتنا نحن في أجيال مختلفة، وظل العطروش لعدة سنوات طويلة يعبر عن الناس البسطاء ونحن منهم.

والعطروش شاعر غنائي، ومما كتبه وحوله لأغاني رائعة من تلحينه "الشعب يطلب حساب، بوس التراب، برع يا استعمار. أماه، أنت حبيبي، من خان لا كان، الاعتراف يا سيدي فضيلة، ما أصعبك يا فراق الأحبة" وغيرها. ولذلك توجب إصدار المجموعة الشعرية للشاعر محمد محسن عطروش لنتعرف عليه شاعراً أيضاً متميزاً بالعطاء.
محمد محسن عطروش (ثلاثة في واحد) شاعر وملحن ومطرب بموهبة كبيرة، وهو كذلك وطني مخلص، ولذلك استحق هذا التكريم.

*قدمت هذه الورقة في الحفل التكريمي الذي أقيم بمدينة زنجبار

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى