> عبدالرزاق الجمل
لم يكن انهيار تنظيم "داعش" في اليمن مفاجئاً بالنسبة إلى كثير من المتابعين، على رغم حرص التنظيم، منذ البداية، على إحاطة نفسه بهالة من الغموض، كإجراء أمني. فمنذ الإعلان عن تمدّده إلى اليمن أواخر عام 2014، وحتى انهياره عام 2020، بعد معركة سريعة مع "أنصار الله" (الحوثيين) في مديرية ولد ربيع في محافظة البيضاء ، لم تكن هناك أيّ مؤشرات إلى تقدُّم يحرزه التنظيم في أيّ اتّجاه. وعلى مستوى العنصر البشري، ظلّ محدود العدد، يخسر أفراده في العمليات الانتحارية وخلال المواجهات مع خصومه، ويعجز عن التعويض، وهو ما يعني أن نهايته كانت حتمية، بمعركة أو بدونها. أمّا على مستوى الاستقطاب، فعلى رغم أن "داعش" بدأ نشاطه في ظلّ ظروف مهيّأة لذلك، بعد ما حدث في صنعاء أواخر عام 2014، إلا أن الفشل بقي حليفه لأسباب كثيرة، أبرزها جهله بطبيعة المجتمع والواقع اليمنيَّين.
لا مراجعة
على رغم كلّ ما تقدّم، يعتقد تنظيم "داعش" في اليمن أنه قام بما عليه القيام به، وأن ما حدث أخيراً لم يكن نتيجة أخطاء ارتكبها خلال مسيرته القصيرة، وإنما يأتي في سياق "الابتلاء والتمحيص". وإلى أبعد من ذلك، ذهب التنظيم في عدم الاستفادة من تجربته الخاصة، حين عدَّ انسحاب "القاعدة" من مناطق سيطرته في مديرية ولد ربيع في محافظة البيضاء "خيانة لمبادئ الجهاد"، حسب ما ورد في بيان لأحد قادته عقب الانهيار. ولم يتضمّن البيان المذكور أيّ مراجعة أو إقرار بأخطاء قادت إلى تلك النهاية، وركَّز، في أغلب فقراته، على الإشادة بما قَدّمه مسلحو "داعش" في معركته الأخيرة، وعلى مهاجمة تنظيم "القاعدة". حَرِص "داعش" على مهاجمة "القاعدة" حتى وهو مجرّد أفراد لا يجمعهم مكان ولا يربط بينهم اتصال أو تواصل من أيّ نوع، ما يشير إلى أنه لم يستفد من تجاربه في أكثر مراحله حرجاً، ولن يستفيد.
وإذا كانت عودة "داعش اليمن" متوقفة على مراجعة الأخطاء التي قادت إلى الانهيار، فإنها هنا تبدو مستحيلة أو شبه مستحيلة. فإلى جانب أن ظروف البداية الأولى لم تعد متوفّرة، بسبب خسارة التنظيم الأمّ في العراق وسوريا لمناطق السيطرة التي أقام عليها "دولته"، ارتكب فرعه اليمني سلسلة من الأخطاء التي تجعل من أيّ بداية جديدة أمراً في غاية الصعوبة.
وعلى رغم صعوبة عودة "داعش" كتنظيم له هيكله، إلا أن ذلك لا يعني فقدانه قدرته على تنفيذ عمليات عبر أفراد يدينون له بالولاء، بمبادرة منهم أو بتوجيه منه، كما هي الحال في بعض دول أوروبا، لكن عمليات من هذا النوع، بالنسبة إلى بلدٍ كاليمن، لن يكون لها أيّ معنى.
عن/ الأخبار