لماذا لا يتضمن دستور الجمهورية اليمنية حق الانسحاب من الوحدة؟

>
التغييرات السياسية المختلفة في بداية التسعينيات من القرن الماضي أثرت بشكل مباشر على الكثير من دول العالم، حيث خطت الديمقراطية وسيادة القانون وعمليات انفصال الجمهوريات عن دول الاتحاد خطوات هائلة في العديد من الدول، كذلك أثرت هذه التغيرات على خطوات اليمن الجنوبي والشمالي، التي سارت عكس ذلك واتجهت في مسار عملية الوحدة بتعميقها واتساعها بسرعة فائقة، تلاشت معها الحدود والسيادة الوطنية وبعض العقول.

الأنظمة السياسية في الشطرين قبل الوحدة كانت ذا ديناميكيات معقدة ومختلفة، في الجنوب كانت ملامحه وتوجه اشتراكيا واضحا، بينما في الشمال كانت القبيلة تدير الدولة باسم الجمهورية، كانت هناك فوارق جوهرية في مختلف الاتجاهات الرئيسية للنظامين السياسيين وثقافة الشعبين، ولا أحد يدري لماذا هذه الفوارق لم تطرق ذهنية بعض من النخبة المهرولة نحو الوحدة من إمكانية ظهور إشكاليات عميقة وسريعة في إدارة الدولة بعد الوحدة الاندماجية غير المدروسة، ولماذا لم تناقش هذه النخبة سؤالا عن حق الخروج من الوحدة من طرف واحد في القانون الأساسي؟

كانت أهداف الشمال من الوحدة هي "دافع الأرض والثروات" من خلال ابتلاع الجنوب إما سلميا أو عسكريا، قابلتها لامبالاة متعمدة وسوء تقدير جنوبي غريب تجاه نوايا الشريك، الذي تجذر وثبت وعيه العام على عصور القبيلة وأحقية حكم قبيلة ومذهب معين لليمن، وكذلك في المفهوم المريض والكاذب عن ضرورة عودة الفرع إلى الأصل بأي ثمن ومن ثم تقاسم الجنوب بين قبائل الهضبة وكتابة نهاية دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بثروتها وموقعها وآثارها وثرواتها إلى الأبد.

بعد توقيع اتفاقية الوحدة كانت نخبة الشمال السياسية والدينية والقبلية تلف خيوطها حول إنشاء دستور خالٍ من الانسحاب الأحادي من الوحدة حتى في حالة الفشل والحرب وينقص من الحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة الجنوبية، دستور لا يحمل ولو جزئية بسيطة من الإرث الدستوري أو التراث أو التقاليد التاريخية والثقافية والروحية الجنوبية قبل الوحدة.

يبدأ دستور الوحدة ما بعد الاستفتاء في 1991 في الباب الأول "أسـس الدولـة" الفصـل الأول "الأسـس السياسيـة" في المادة رقم "1" : الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلاميــة، هي ذاتها العبارة في مســـــودة دســـــتور اليمـــــن الجديـــد 2015 للجنة صياغة الدستور المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل مع تغير بسيط، وتكرر حالة عدم ذكر أو إشارة لحق الانسحاب من الوحدة وإضافة مفهوم فخ "الأقاليم"، كما أن المسودة الجديدة تحمل بصمات كثيرة من دستور 1991 رغم المكياج الباهت الذي استخدم أثناء تعديل وإضافة بعض المواد الجديدة.

تعكس الدساتير وأجزاؤها التمهيدية بشكل جيد فهم القانون المدني للأمة وأسسها التعاقدية، وبشكل عام يعكس التشريع الدستوري حق الأمم في تقرير المصير وحق مجتمعات الناس في تقرير ما إذا كانوا أمة أم لا، واليوم الجمهورية اليمنية "تنهار كدولة"، بسبب الحروب الداخلية، والجنوب منذ حرب 1994 يعيش قضية احتلال لا راضية مكتملة الأركان من قبل الشمال، وهي الحرب، التي اعتبرت من أكبر الأخطاء السياسية في تاريخ اليمن رغم تسميتها الزائفة بأنها حرب من أجل الوحدة، التي لاحقا اتضح أنها جريمة قتل الوحدة تم الاعتذار عنها وعلنا في مؤتمر الحوار الوطني.

الحق في الخروج من الدولة الموحدة أيا كان شكلها عادة يشار إليه في القانون الأساسي للدولة أو في شروط الاتفاقية، أما في حالة عدم وجود مثل هذا الحكم، يمكن لرعايا طرف من الاتحاد الذين يمثلون شكلاً من أشكال تقرير المصير للأمم والشعوب إثارة عملية الخروج من الاتحاد عبر القنوات الدولية.
كرس الدستور الأول لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في "المادة 17" قانونًا الحق الحر في الانفصال عن جمهوريات الاتحاد عن الاتحاد السوفييتي، وبذلك بدأ الاعتراف التشريعي بالانفصال في الممارسة العالمية للدول ذات النظام الوحدوي بين دولتين أو أكثر، هذا الحق كان مكرسا أيضا في دستور جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية، أما آخر دولة ينص دستورها على حق الانفصال هو دستور إثيوبيا لعام 1994، كما يسمح دستور أوزبكستان لعام 1992، في ظل ظروف معينة، بانسحاب كاراكالباكستان المتمتعة بالحكم الذاتي من أوزبكستان، كما يحتوي الدستور البلجيكي على عدد من المؤشرات التي تشير إلى أنه يمكن تغيير أو توضيح حدود الدولة والمقاطعات والبلديات.

تعرف الممارسة العالمية للخروج من الاتحاد الكثير من الحالات الانفصالية عن الدولة الاتحادية وفي غياب الأحكام التشريعية (الدستورية) ذات الصلة، سواء بالوسائل السلمية أو المسلحة، هكذا انفصلت سنغافورة بسلام في عام 1965 عن ماليزيا نتيجة للانتفاضة التي دعمتها الهند، انفصل شرق باكستان عن باكستان في عام 1971، وشكلت دولة بنجلاديش، وفي ثلاثينيات القرن التاسع عشر انفصلت فنزويلا عن كولومبيا الكبرى، كما انفصلت فنلندا وبولندا عن روسيا في عام 1917.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى