الأهلي.. يا عوازل فلفلوا ..!

> محمد العولقي

>
محمد العولقي
محمد العولقي
* من يعرف النادي الأهلي المصري ، روح فريق الأهلي ، طموحات لاعبي الأهلي ، وحرص الإدارة على أن يبقى الأحمر فوق الجميع ، سيصل للحقيقة التالية : ليس غريباً أن يفوز (الأهلي) بثلاثية الدوري والكأس ودوري أبطال أفريقيا، ولكن الغريب والمريب أن يفقد أو يتنازل عن إحداها، وهو من شيد للبطولة عرشاً لا تهزه الأرزاء ، ولا تعبث به العواصف الهوجاء، جاءته الثلاثية تزغرد مهرولة نحو العرس الأهلاوي الكبير ، فيما اكتفى الآخرون بدور (المعزيم) ، والنهاية العروس للعريس والجري للمتاعيس.

* عندما اتخذ فريق نادي (الأهلي) قراره الديكتاتوري بالفوز بالبطولات الثلاث وهو يغني موال الأفضلية على نوتة (ادلع يا كايدهم)، و يرقص السمسمية على جماجم منافسيه، وفي يمينه عطاياه وفي يساره ضحاياه، فإنه لم يركن إلى أسطوانة (المال) ، ولم يستدع طوال مشواره العاصف ضربات الحظ، كما أنه لم يركن في رحلته نحو الالقاب إلى ودع قارئة الفنجان ، فلفارس القرن (الأهلي) وسائله وأساليبه الخاصة التي تقود للوصول إلى منصات التتويج من أقصر الطرق، ليس من بينها بالطبع الاستعانة بالعيون الزرقاء التي في طرفها حور ، ولا من ضمنها الاستئناس بالعفاريت وخفة الهدهد الذي جاء سليمان من سبأ بالنبأ اليقين.

* وبعيداً عن انفعالات الخصم الحقود، والعاذل الحسود، تعالوا نستعرض الأسباب التي جعلت (الأهلي) يلتهم أوسمة الذهب مصرياً و أفريقياً، دون أن يترك لمنافسيه فتاتاً يقتاتون عليه ، ليتسنى للفاشلين الذين يغطون فشلهم بتأجير نائحة تولول وتلطم الخدين في بيت العزاء ، محاكاة (الأهلي) بالجد و الاجتهاد وليس بالعويل واحتساء عناوين تبرر ولا تقرر.

* أول هام : (الأهلي) ببعد نظر زرقاء اليمامة استدعى تراكمات خبرته مع شروط التفوق ، وضع كل ذلك في خلطة سحرية ، فكانت الحصيلة يا سادة يا كرام أن الجميع من إداريين وفنيين ولاعبين وجمهور ارتدوا روح النادي الكبير ، وانصهروا في بوتقة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

* ثاني هام : كان (الأهلي) يختزل النجاح في معادلة توازن وانسجام ، أركانها لاعبون مهرة ، و إداريون أوفياء ، وجهاز فني مارس الحذق التدريبي بقريحة شاعر .. خلق نادي (الأهلي) في موسم الرؤوس التي أينعت وتم قطفها على بساط الثلاثية الحمراء ، استراتيجية عمل يذوب فيها الكل في واحد ، والواحد في الكل ، هذه الاستراتيجية ولدت ثقة في النفس قضت على حاجز الخوف والرهبة وأحالت الصعاب والمنغصات إلى أثر بعد عين ، راقبوا عناصر (الأهلي) من إدارة و لاعبين وجمهور وجهاز فني ، وستدركون لماذا طاردتهم البطولات الثلاث ولماذا أصبحت رغبة (الأهلي) متوحشة رغم الغيابات وعارض (كورونا) القاتل ؟ ولماذا اختارتهم البطولات دون غيرهم وفي وقت مبكر؟ حيث تحولت الجولات الأخيرة للدوري المصري إلى سمرة شاي وبعض الحشوش بحق (الأهلي) لم تخل من لؤم حقيقي ..؟ ولماذا التقت رغبة (الأهلي) الجامحة وتقاطعت مع شروط عقد القران مبكراً على بطولة دوري أبطال أفريقيا ، ومن ثم كأس مصر ..؟

* حسنا أيها الخائبون، سأدلكم على الطريق المؤدي إلى مدينة (الأهلي) الفاضلة ، وأجري دائماً على الله .. جمع فريق (الأهلي) بين الحرص وبين الشجاعة لأن شعار الانتصار طموح وخيال لا يغفل تفاصيل الالتزام ، قبل أن يكون لياقة وخطط وتكتيك ، هذه الروح المغايرة التي امتلك (الأهلي) ناصيتها طوال الموسم الطويل ، تفسر لنا هوية الفريق وشخصيته القوية، وتفسر لنا معنى أن يجمع كل هذه البطولات دون منافس حقيقي.

* والذي ميز فريق (الأهلي) على المستوى الرقمي عن غيره من المنافسين المذهولين ، هو هذا التناسق الجميل بين النزعة الهجومية المتمثلة في إتخام شباك المنافسين رايح جاي ، وبين (شاكوش) دفاعه الحديدي الذي رفع شعار (ممنوع الاقتراب أو التصوير أمام مرمى محمد الشناوي) .. فهو لم يقبل إلا نسبة بسيطة من الأهداف ، تفسر صعوبة فك شفرة دفاع (الأهلي) الأسمنتي رغم غياب أعمدة أساسية مثل رامي ربيعة.

* ثالث هام : تأملوا جيداً في تفاصيل هذا البطل الذي يختال ضاحكا ، فريق يعزف على نغمة التوازن ، توازن نفسيات لاعبيه ، توازن خطوط الفريق وتكاملها، تقاطع القوة البدنية مع الثوابت المهارية، توظيف اللاعبين فنياً وتكتيكياً، ذكاء المدرب الجنوب أفريقي (بيتسو موسيماني)، وحذقه في التعامل مع حالات الطوارئ في غرفة الملابس بمهارة من يقرأ طلاسم خصومه بحدس ثعلب وأنف فأر عرف كيف يقهر طوفان الظروف الصعبة ، إنها حكاية فريق متناغم تبدأ من تفعيل القنوات الهجومية بشكلها الإيجابي ، إلى تعامل الدفاع والحارس مع انتفاضة المنافسين بثقة ومسؤولية، نهاية بمراقصة الشباك على طريقة تراث (الأهلي) الخالد.

* رابع هام : في (الأهلي) يبدو البيت بيتاً واحداً ، والأسرة واحدة ، يغلفها العمل المتواصل بعيداً عن الأنانية ، وتسودها أجواء التفاهم ، التي تدل على أن الجو الأهلاوي بديع والدنيا ربيع قفل لي على كل المواضيع ، على حد تعبير الفنانة الراحلة (سعاد حسني) ، فمثلا اللاعب الاحتياطي لا يقل شأناً عن اللاعب الأساسي ، في هذه الحالة يكون للتبديل عند المدرب معنى ، وللتغيير وقت الشدائد مغنى ومبنى ، ولاعبو (الأهلي) نوعية نادرة من اللاعبين تسبح في دمائهم بلازما وفاء أهلاوية حمراء ، فهم لا يشبعون من الانتصارات ، ينظفون موائد الكرام وصحون اللئام، ويجعلون غسيلها أنصع بياضاً، وهم يتألمون لأي تعادل أو هزيمة طارئة ، لا ينامون إلا بعد أن يأخذوا بطارهم وثأرهم و بغلتهم من الأرقام القياسية.

* وفي فوز (الأهلي) بالثلاثية الغالية حكايات أخرى لا يمكن القفز عليها ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، حكاية الجمهور الوفي والمخلص ، الذي ملأ قلوب اللاعبين في زمن (كورونا) ، وحرك مشاعرهم و أحاسيسهم ، ولو من خلف الأبواب المغلقة ، شعاراته ظلت طيفاً يملأ الملاعب العطشى ، في حين ظلت حناجر الجمهور تهتف وتغني من المنازل والبيوت والأماكن الخاصة للأهلي في صورة رسالة دعم ومؤازرة لا تتوقف ، هذا الجمهور الوفي هو من منح لاعبي (الأهلي) التوازن النفسي والمعنوي إيمانا منهم أن لاعب اليوم يحتاج لمن يجدد فيه روح الانتماء للبيت الواحد، وبدون الجمهور تضطرب نفسيات اللاعبين ويحتاج الأمر لما هو أكبر من محاضرات نفسية، ولا غرابة في الأمر عندما يفرض جمهور (الأهلي) نفسه اللاعب رقم واحد في العالم أجمع ، وهذه شهادة ترفع رأس كل مشجع غيور على سمعة (الأهلي) زعيم البلاد وحبيب العباد.

* خامس هام : هناك حكاية الإدارة الهادئة والمتزنة البعيدة كل البعد عن لغة التوتر والقلق ، إدارة محترفة و قورة تعمل في صمت تضع الأمور في نصابها ، وتوزع مهامها حسب قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب ، وإدارة نادي (الأهلي) بقيادة ساحر الكرة (محمود الخطيب) لم تبخل على لاعبيها ، وهي ترسم إشراقات النجاح ، ولم تأل أو تدخر جهداً وهي تطوف مع الفريق ملعباً ملعباً ، تشاركه هموم المباريات في حله وترحاله ، وتفرح مع اللاعبين والجمهور من جولة إلى أخرى ، نعم الإدارة أنفقت الكثير لتجتاز جميع العقبات من ميزانيتها ومن أعصاب أعضائها ومن صحتهم، لكنها بالمقابل ربحت فريقاً وزنه من ذهب ، وربحت ثلاث بطولات دفعت الفريق ليفرض لونه الأحمر على جميع الألوان في مصر و أفريقيا و العالم.

* ولا حاجة لأن يخرج المدرب (بيتسو موسيماني) عن طوره ويشب عن الطوق ، فهو عامل فني من مجموعة عوامل ، وفرتها الإدارة للفريق، و أتاحت الفرصة أمامه ليخرج الكثير من ملكاته التدريبية في الوقت المناسب ، والنتيجة أنه بصم على إنجاز شخصي غير مسبوق ، لم يكن ليترجم إلى واقع لولا روح وقانون وعظمة النادي (الأهلي) ، حيث شروط النجاح متوفرة من الإبرة إلى الصاروخ، فالأهلي كان ينافس نفسه ويسابق أرقامه دون أن يجرؤ أحدهم على سؤاله عن ثلث الثلاثة كم تساوي، ويا عوازل فلفلوا ..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى