شابعين دم غارقين ديون!

> لا شيء في البلد يسير بوتيرة مستمرة ومتدفقة ومتجددة ومنظمة ومنتظمة كالفساد. الفساد هو أن تعيث في الأرض مفسدًا ومعطلًا حياة الناس ومعيشتهم وطموحهم وأحلامهم، بل وحتى نومهم، وقوت يومهم، وهو الحقيقة الكونية الثابتة الأولى في اليمن، قبل حقيقة الموت.

في المقاهي القديمة، وحتى في الأزقة المعتمة، أسمع أنين الناس يتصاعد، كما يتصاعد دخان سنين عمري وعمرك، وأنا وأنت، ووالد وما ولد، نحرث في بحر هذا البلد، محاولين البقاء على قيد الحياة، حالمين أن نحيا حياة كالحياة، ليس إلا، وهو حلمُنا المشترك مع البشرية جمعاء، وشاعر الأرض المفقودة، والحياة الموعودة، الراحل محمود درويش، الذي مات وهو يحلم معنا، بحياة كالحياة، ليس إلا!

هل يستمع الرئيس لأغانٍ قديمة؟ هل سأل نفسه كيف يشكو الشعب من الجوع والظمأ، وهو يمتلك عيونًا تتغزل وتتحرش بها دول وعواصم؟ كما سأل نفسه ذات يوم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن سر حبيبته التي تشكو من الظمأ، مع أن لها عيون تُغنيِها عن ذلك؟ فكيف ننجو نحن -اليمنيين- مما نحن فيه، ونحن شابعون دما وغارقون ديونا؟

لا أستطيع تخيل الرئيس وهو يستمع لأغان قديمة. أستطيع تخيل من يقف حول الرئيس وهو يستمع ويستمتع بسماع زوامل الحرب، فلولا الحروب لما كانوا حوله، وهبطت قيمة الفنون، وحل الجنون، وطحن الدولار شعب الله (المعجون) هذا، وسكن (الجن) بنك الشعب، فما عرفنا من يدعو إلى الحق ممن يدعو إلى النصب! لكننا بتنا نعرف، كشعب عاجز عن الحديث، عن تصحيح مسارات هذه الحروب والقيام بواجباته تجاه وطنه إلا في مقايل القات بأننا جميعنا غارقون في الفساد بطريقة أو بأخرى!

قلبت كثيرًا من الورق، وتفحصت عددا من الجداول، وأخذت فكرة عن المؤشرات، وقرأت مزيدًا من التقارير، واكتشفت أخيرًا أن ما فعلته ليس سوى هراء.

هراء أن تفعل كل ذلك وأنت تعلم بأن اقتصاد "بيت هائل" - أحد أعرق البيوت التجارية اليمنية - الذي جرى اتهامهم باستخدام النفوذ ليحوزوا على نصيب الأسد، من الكعكة السعودية، أقوى من اقتصاد دولتك، التي تبحث عنها، وعن حقها المسلوب، لمدة ست سنوات، بين الورق، وأنت لم تجده على الأرض بعد! عن أي دولة نتحدث ونحن لم نعرف كيف تُدار الدولة في ظل عدم حضورها على الأرض لأسباب جميعها يتحملها التحالف، المنقسم بأهدافه، وغير (المتحالف) مع نفسه حتى، وفقًا للدلائل الملموسة، والتقارير المحسوسة؟!

كشف تقرير فريق الخبراء المعني باليمن الذي تم تقديمه لمجلس الأمن حقيقة واحدة غطت على حقائق أهم بكثير من مجرد ضياع (وديعة) في ظل أوضاع (مريعة) يعيشها اليمن على مدى ست سنوات عجاف. الدولة التي تحدث عنها التقرير في 289 صفحة ليس لها وجود في اليمن! ولا يتحدث عنها اليمنيون أنفسهم في عواصم الشتات إلا من خلال "الواتس أب"! لذلك وإن رغبتم في معرفة كيف تسربت الأمة اليمنية من بين الأمم، وكيف غرق البنك المركزي بجرة قلم، وما هو مقدار صدمات هذا الشعب، وحجم ما بات يتجرعه من الألم، فعليكم بالرجوع إلى "واتس" كل مسؤول على هذا الشعب، خلال ست سنوات ماضية، لتكتشفوا، كيف عادت اليمن من معلوم إلى عدم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى