​صدمة إهدار الوديعة السعودية.. المواطن يدفع ثمن غسل الأموال واستغلال الإيرادات في اليمن

> «الأيام» العربي الجديد:

> يعيش اليمن على وقع صدمة تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، الذي رمى حجراً في مياه اقتصادية راكدة تنخرها عمليات نهب واسعة ومنافذ متعددة للفساد وغسل الأموال طاولت البنك المركزي اليمني الذي يواجه اتهامات بإهدار جزء كبير من الوديعة السعودية المقدرة بملياري دولار.
وخلّفت الحرب الدائرة في اليمن منذ ست سنوات فوضى اقتصادية ومالية واسعة، وعمليات غسل أموال كونتها السوق السوداء في الوقود والعملة ومختلف الخدمات العامة.

وكان فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة قد كشف في تقريره الصادر حديثا عن اتهامات بالتلاعب بأموال الوديعة السعودية، ما أدر على تجار مكاسب بلغت قيمتها نحو 423 مليون دولار. فيما لاحظ الفريق أيضاً أن الحوثيين تورطوا في حالات انتهاك لتدابير تجميد الأصول بسماحهم بتحويل أصول مجمدة وأموال عامة باستخدام عقود مزورة لصالح أفراد يتصرفون باسم الجماعة، والاستحواذ على نحو ملياري دولار من الإيرادات العامة لتمويل مجهودها الحربي.

وبموجب ما ورد في التقرير، فإن الثروة الوطنية والمعونات الخارجية تتعرض بشكل متزايد إما للتحويل أو للضياع بسبب الممارسات الفاسدة للمسؤولين في الحكومة اليمنية وشركائها في المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيين.
وحسب بيانات ووثائق مصرفية اطلعت عليها "العربي الجديد"، قام البنك المركزي اليمني بنحو 69 معاملة للصرف الأجنبي، تفاصيلها "15 معاملة بيع للريال السعودي، و48 معاملة شراء للريال السعودي، و6 معاملات شراء للدولار"، بأسعار معادلة بالدولار، تتراوح بين 453 و740 ريالا يمنيا في الفترة من 11 أكتوبر إلى 28 ديسمبر 2018، وجرى حوالي نصف هذه العمليات بنفس الطريقة خلال العام 2019.

معاملات مشبوهة
وتمت معظم هذه المعاملات بهامش كبير مقارنة بالأسعار التي يستخدمها الصيارفة في السوق في صنعاء وعدن، مع تحول مصارف خاصة للعمل كسماسرة بالجملة، إذ تنقل الأموال المستمدة من عمليات للصرف الأجنبي من صيارفة مختارين، إلى البنك المركزي اليمني لقاء تعويض أقصاه ريال يمني واحد عن كل ريال سعودي يتم تجهيزه، أي بأقل من 0.75 % من القيمة.

معنيون في المصارف يؤكدون أن الاختلاف عن السعر السائد في السوق كان نتيجة مهلة تراوحت بين يومين وثلاثة أيام وامتدت من تاريخ الاتفاق إلى تاريخ تسجيل المعاملة، ولذلك، يظل سعر الصرف المتفق عليه مشبوهاً. وفي حين ادعى البنك المركزي اليمني خلال الفترة الماضية منذ حصوله على الوديعة السعودية، أن إجراءاته تتيح له تثبيت أسعار الصرف، يعتقد فريق خبراء الأمم المتحدة أن التثبيت ناتج أساسا عن التعجيل بإصدار خطابات الاعتماد الممولة من الوديعة السعودية، بيد أن المعاملات أتاحت للبنك المركزي ضخ سيولة بالريال اليمني في السوق. فيما حظر الحوثيون على المتداولين تحويل الأموال إلى البنك المركزي اليمني في عدن، وهو شرط ضروري لتقديم طلبات للحصول على خطابات الاعتماد.

الخبير المتخصص في مجال المحاسبة المالية حمدي سيف، يؤكد أن البنك المركزي اليمني الذي يعمل برأسين في صنعاء وعدن، لم يخضع لأي مراجعة مالية لحساباته منذ العام 2013، وهو ما يعتبر بمنزلة مخالفة جسيمة وفق الأنظمة المالية والقانونية المعمول بها في اليمن، إذ أتاح وفق حديث سيف لـ"العربي الجديد"، تفكك منظومة عمل البنك المركزي كمؤسسة سيادية والذي كان من المفترض خضوع معاملاته المالية الكبرى لرقابة الأجهزة المعنية مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد.
وفي وقت تدرس الحكومة اليمنية خيارات عدّة للتعامل مع هذه الأزمة، وسط مطالبات شعبية ورسمية واسعة بمعاقبة المتسببين بنهب الأموال العامة، نفى البنك المركزي اليمني ما وصفها بالادعاءات المضللة لتقرير فريق الخبراء الأممي.

ردود أفعال
وسارع البنك إلى الإعلان عن مراجعة حساباته وأنظمته المالية واختيار ثلاث قال إنها من أفضل ثماني شركات في العالم لمراجعة وتدقيق حسابات البنك خلال الفترة 2016 - 2021.
وتتوالى ردود الفعل على ما ورد في تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، إذ أعلنت مجموعة هائل سعيد أنعم كبرى المجموعات التجارية في اليمن، في بيان رسمي اطلعت عليه "العربي الجديد"، تفويض إحدى أكبر شركات التدقيق والتحقيق الدولية في الاطلاع على سجلاتها، والوثائق المتعلقة "بالادعاءات" الواردة في التقرير والمتصلة بالوديعة، بشأن استحواذ المجموعة على معظم مخصصات الوديعة السعودية المقدرة بنحو ملياري دولار، والتي اعتبرتها معلومات سطحية غير حقيقية.

وخلقت الحرب في اليمن ظروفا جاذبة لغسل الأموال بعد أن اتجه الأثرياء الجدد إلى المضاربة في أسعار الصرف وإجراء عمليات الغسل لأموالهم، حيث تعد شركات الصرافة مع حالة الانفلات التي ولدتها البيئة السياسية والأمنية المضطربة وضعف الرقابة، منفذا في غاية الأهمية والخطورة لغسل الأموال.
ويرى المستشار القانوني، محمد غيلان، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الضرورة تقتضي في الوقت الراهن مراجعة عمليات صرف الوديعة السعودية لاستيراد خمس سلع أساسية والإجراءات التي تم اتباعها لتخصيصها وفتح الاعتمادات المستندية في البنوك المحلية والخارجية التي تعامل معها البنك المركزي، وذلك للوقوف على حجم المشكلة وتحديد الطرق القانونية الصحيحة لمعالجتها. وقال إن الاكتفاء بتغيير الأشخاص وتدوير المسؤولين، مع عدم تصحيح منظومة العمل المالية والمصرفية، سيبقي الحال كما هو عليه من فساد ونهب للمال العام.

ويبدو أن اقتصاد الحرب والثراء غير المشروع ترسخ في البلد الأفقر عربياً، ما أدى إلى ضياع مليارات الدولارات كانت كفيلة بتخفيف الوضع الإنساني المتفاقم.
يقول الباحث الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي، إنّ "الإيرادات السنوية التي يحصل عليها الحوثيون أكثر من 1.8 مليار دولار". وأضاف العوبلي أنّ الحوثيين يستولون عملياً على إيرادات الضرائب والجمارك والرسوم التي كانت تشكل حوالي 30 % من ميزانية الحكومة اليمنية حسب أرقام 2014.

وتابع: "الحوثيون يحصلون على مبالغ أكبر مما ذكر التقرير الأممي، إلا أنّ انعدام الشفافية والإرهاب الذي تمارسه المليشيا الحوثية على الصحافيين تعيق رصد وكتابة التقارير الموثقة عن هذا النوع من المخالفات".
والأربعاء الماضي، اتهم تقرير صادر عن فريق مراقبي العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي، الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بغسل أموال واستغلال مبالغ نقدية كبيرة بطريقة غير قانونية.

وأفاد العوبلي بأنّ "التقرير الأممي تضمن معلومات خطيرة للغاية، وسيؤثر في قدرة الحكومة اليمنية على استعادة الثقة بمؤسساتها المالية، لأن الثقة هي جزء أصيل من رأس مال أي بنك".
وزاد أن "توثيق فساد في البنك المركزي اليمني من قبل لجنة أممية، سيصعب إجراءات استعادة الثقة ويؤخر استجابة المانحين للحكومة، أو استجابة السعودية مثلاً لطلبات الحكومة لدعمها بوديعة سعودية جديدة".

واتهم التقرير الأممي البنك المركزي، بمخالفة قواعد تغيير العملات والتلاعب بسوق العملة، وغسل جزء كبير من الوديعة السعودية والتي تبلغ ملياري دولار، بمخطط معقد لغسل الأموال، وهو الأمر الذي أدر على تجار مكاسب بلغت قيمتها 423 مليون دولار. بينما وصف البنك المركزي الاتهامات، الخميس الماضي، بأنها "ادعاءات مضللة".

المواطن يدفع الثمن
من جهتها، قالت الصحافية اليمنية المتخصصة بالشأن الإنساني، عفاف الأبارة "إنّ اقتصاد الحرب ترسخ منذ بدء الصراع في البلاد، ما أدى إلى ثراء كبير وهائل لدى العديد من الشخصيات، سواء التي تتبع الحكومة أو الحوثيين".
وأضافت أن "هذا الثراء غير المشروع والفساد المالي وانتشار عمليات الاستغلال، والمتاجرة بالمساعدات الدولية، كلها عوامل أدت إلى إنهاك اليمنيين الذين يعيشون المأساة، وبات الكثير منهم على حافة المجاعة".

وتابعت: "في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من مليون موظف بلا مرتبات، خصوصاً الواقعين تحت سيطرة الحوثيين، هناك إهدار كبير للمال، في سبيل المجهود الحربي، دون النظر لآلام وأوجاع الموظفين الذين باتوا يعيشون المأساة والفقر".
وأفاد التقرير الأممي بأنّ "الحوثيين حوّلوا 1.8 مليار دولار على الأقل في 2019، عن الغرض المخصص لها واستخدموا قسماً كبيراً منها لتمويل المجهود الحربي". وأضاف أنّ "الحوثيين يؤدون وظائف تقع حصرياً ضمن سلطة الحكومة اليمنية، إذ إنهم يجمعون ضرائب وإيرادات عمومية أخرى، والتي يُستخدم جزء كبير منها لتمويل مجهودهم الحربي".

بينما وصف عضو المجلس السياسي الأعلى في الجماعة، محمد علي الحوثي، التقرير بأنه "كثير الغرائب".
وأكدت الأبارة أنه "لا حل لهذه المأساة التي صنعها تجار الحروب، سوى إنهاء هذا الصراع ووقف "اقتصاد الحرب"، وهذا لن يتم طالما هناك تجار كبار يستفيدون من استمرار النزاع، كونهم يجنون ملايين الدولارات على حساب المواطن البسيط الذي بات جائعاً في أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

وأودت الحرب المستمرة منذ نحو سبع سنوات بحياة ما لا يقل عن 233 ألف شخص، وبات 80 % من سكان اليمن يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفق الأمم المتحدة.
ويعاني الريال اليمني من تدهور حاد غير مسبوق، ووصل سعر الدولار الواحد، السبت الماضي، إلى أكثر من 850 ريالا، بعد أن كان قبل الحرب يساوي 215 ريالاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى