في ظل ترتيبات وتسويات قادمة بإشراف دولي... الجنوب على المحك

> بعد قرار الولايات المتحدة بوقف مشاركتها بالحرب في اليمن، وإرسال مبعوث أمريكي إلى اليمن، فقد أصبَـحَ مِــن المؤكد أنَّ المملكة العربية السعودية - معها باقي دول التحالف- قد أيقنَــتْ أنّ فكرة الحسم العسكري وبلوغ صنعاء باتتَ مِن الماضي، وألّا سبيل أمامها سوى سبيل التسوية السلمية الشاملة، ليس فقط بين الفرقاء المحليين، بل بين دول هذا التحالف وهؤلاء الفرقاء. فقد ظلَ التحالف الذي تقودهُ السعودية باليمن يعوّلُ كثيرا على المشاركة العسكرية الاستراتيجية والاستخباراتية والعملياتية الأمريكية لهزيمة قوات الحوثيين وصالح منذ بداية هذه الحرب، كما ظل التأييد الدبلوماسي اللامحدود لإدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب مصدر تشجيع واستقواء للتحالف، ولو معنويا، وبالتالي يكون توقف هذه المشاركة وسحب التأييد الدبلوماسي الأمريكي، وقرارات بعض الدول الغربية بوقف بيع الأسلحة للسعودية والإمارات كافيا لحمل الرياض على إبلاغ حلفائها المحليين باليمن الاستعداد لترتيبات سياسية مصيرية قادمة مغايرة كثيرا لما كانوا يتطلعون إليه بداية هذه الحرب، وإبلاغهم بالانصياع لحلول الوسط المفروضة بصولجان أمريكي - وربما لحلول أقل من حلول الوسط - مع الحوثيين ومع الجنوبيين على حــدٍ سواء، فضلا عن باقي القوى المختلفة شمالا وجنوبا.

السعودية - ومعها الإمارات- لم يُـفاجئها القرار الأمريكي، فقد كان متوقع الحدوث، خصوصا بعد فوز الرئيس بادين، الذي ظل يطلق وعيده ووعوده، وعيده بنبذ السعودية- بسبب ما يقول أن انتهاكات لحقوق الإنسان تحدث بالداخل السعودي، ووعوده بوقف الحرب والمساهمة بانتشال هذا البلد المنكوب، كما أن كل المؤشرات العسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية على الأرض اليمنية تبدو قاتمة في عين صانع القرار السعودي، ليس فقط بسبب انسحاب الإمارات من مسرح العمليات العسكرية وتركها -أي السعودية- تواجه مصيرها منفردة، بل بسبب عوامل أكثر أهمية، منها حالة التوجس السعودي والإماراتي من جديّــة وإخلاص القوات الموالية للسلطة المسماة بالشرعية بهذه الحرب، خصوصا في الشمال، وتفاقم الوضع بالجنوب على كل الصُــعد، ومنها العسكري والأمني بين قُــطبي الشركاء المحليين في معسكر التحالف: (الشرعية والجنوبيين) وتردي الأوضاع المعيشية والخدمية بشكل مريع، وإخفاق التحالف- في الشمال- بتشكيل قوى عسكرية وسياسية وقبلية واجتماعية ودينية وحزبية موثوق بها، لتكون ذراعه لما بعد الحرب برغم الضخ المالي والمادي الهائل الذي يبذله التحالف هناك.

في الجنوب... تُــطرح عدة أسئلة حائرة تبحث لها عن إجابات: الجنوب إلى أين؟ وكيف ستتعاطى القوى داخله - والمجلس الانتقالي على وجه الخصوص- مع هكذا وضع ضبابي في اليمن وفي الجنوب بالذات، زادته القرارات الأمريكية والمواقف الخليجية ضبابية أكثر؟.

الرهان الجنوبي على المواقف الخليجية صار رهانا غير مضمون من واقع ووقائع ما نشاهده، غير مضمون حتى بحصول الجنوب على الحد الأدنى من تطلعاته السياسية، ونقصد هنا فكرة مشروع الدولة الاتحادية من إقليمين. فباستثناء الموقف الإماراتي المؤيد للقضية الجنوبية يظل الموقف الخليجي كله، بعيدا كل البعد عن القضية الجنوبية وعن كل المطالب الجنوبية بما فيها المطالب ذات السقف الأدنى، فكل هذه الدول متمسكة بقوة بما يُــسمى بالمرجعيات الثلاث المزعومة، وكلها لا تلام بالمطلق، أي حل معقول وعادل للقضية الجنوبية، ومتمسك بالوحدة اليمنية بصورتها الحالية. وهذه المواقف واضحة، وتتسلح بقرارات دولية؛ لتخرج أصحابها من أي حرج مع الجنوبيين، كما أن هذه الدول أساساً لم تطلق أبدا أية وعود سياسية للجنوبين بأنها ستحقق لهم ما ينشدونه، أو حتى وعود بأنها ستنظر لهذه المطالب بأثر رجعي، وبرغم ذلك شاركوا- أو بالأحرى بعضهم- بهذه الحرب على أساس الأهداف المعلنة لعاصفة الحزم لليلة 25 أذار مارس2015م، أي خوض حرب لإعادة السلطة الشرعية إلى صنعاء، وهزيمة الانقلابيين، والحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، حسب أهداف العاصفة وأهداف المرجعيات الثلاث المزعومة.

ولكن، وبرغم كل ذلك، لا يعني أن الجنوب بكل قواه، بما فيه المجلس الانتقالي ومجالس الحراك الثورية والشخصيات الجنوبية المستقلة بالداخل والخارج، التي تناضل فعلا لنُــصرة القضية الجنوبية، وتنشد لها الحل العادل، لا يمتلكون وسائل وأسلحة مادية وسياسية، يفرضون بها أنفسهم وقضيتهم على المستوى الداخلي والإقليمي، فيكفي أنه صار اليوم للجنوب قوة عسكرية وأمنية، ومقاومة تمتلك قوة لا بأس بها على الأرض، برغم شح المصادر وخطر ضغوط التحالف، كما أن ثمة نجاحا سياسيا داخليا ودوليا قد سجلته الجبهة السياسية خلال الأعوام القليلة الماضية، أضحى معها من الصعوبة بمكان تجاوز الجنوب في أية تسوية سياسية قادمة.

ولكن يظل أمضى سلاح للجنوب هو تماسك الجبهة الداخلية ومد جسور التواصل بين كل الأطياف الثورية والسياسية والاجتماعية على اختلاف مشاربها، وترسيخ مبدأ التصالح قولا وفعلاً، ونبذ الخطاب الطائش المنفّــر، وإدراك حقيقة أن لا مستقبل إلا بشراكة الكل في الجنوب، وألا مجال للانعزال على القوى في الشمال، أو الاستمرار بنهج الإذعان المفرط للإملاءات الخارجية، مع إقرارانا بأهمية العلاقة مع هذا الخارج في ظل عالم تتداخل فيه المصالح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى