صمت دهرا ونطق كفرا

> حين كتب جمال بن عمر مرثيته الأخيرة عن نتائج حرب اليمن تحت عنوان "عودة السياسة لليمن" التي أشار فيها إلى ويلات الحرب وويلات وقعها على بلادنا وشعبنا، وفي مطالعته المشار لها بدا ممتعضا من مسيرة الحرب، التي كما قال فوجئ بها، مشيرا إلى أطرافها بنوع من السخرية، فطرف كناه بذاك المقيم بمنتجعات السياحة في قصور الرياض قاصدا الشرعية هنا، وذاك الذي حاول، أي جمال بن عمر، من منعه وصده عن الاستيلاء بالقوة على مقاليد حكم البلاد وهنا هو يقصد أنصار الله.

هكذا انتفضت سريرته واستيقظ ضميره، وهو يستقبل دقات طبول السلام ودعوات وقف الحرب في بلادنا... وهنا سأكتب عن انطباعاتي عن جمال بن عمر الذي أوكلت إليه مهمة الأمم المتحدة ليكون ممثلا للأمين وللأمم المتحدة داخل ما أسماه اليمنيون "مؤتمر حوار موفمبيك" لكاعة منهم على حوارات ومعترك مؤتمر الحوار الوطني، وكان بن عمر يتحرك كطاووس، لا تسعه أرض ولا سماء، كمنسق ومنقذ وميسر ومتابع ومراقب، وتلك مهام حرص على إبراز عناوينها من أنه يدرك أن مهمته كموفد قد حازها قبله أكثر من موفد في أكثر من بقعة من بقع الصراع الدولي أو الإقليمي أو الوطني التي حفل بها تاريخ الأمم المتحدة.

جمال بن عمر كان يتقمص دور المسيح المخلص، معتقدا أن عناية السماء حملته إلى اليمن السعيد، تزكيه بركاتها ودعواتها، وكانت كل تحركاته وتصرفاته تشي بأنه طاووس على رأسه حكمة سليمان، تمكنه من تنطيق، ليس الهدهد فقط وفقا لتوجيه سليمان الملك، ولكنه كان معتقدا بامتلاكه ناصية تنطيق كل شيء لإرادته، وهكذا كانت تحركاته وتعليقاته، وكأنه فعلا مبعوث للعناية الإلهية لإنقاذ اليمن السعيد من صيرورة أزمتها داخل أجهزة العناية المركزة.

وكانت جولاته وتحركاته طاووسية الشكل، وفي محتواها لا تخرج عن مدارك أي متمرس في سلك معارك السياسة الذي يدرك ويعي بأن السياسة التي من صلبها أوفد كممثل للأمم المتحدة لبقعة أشك كثيرا بأنه كان مستوعبا لما يعتمل داخل بئر السياسة فيها وتاريخها والحرب وتعقيداتها في هذا البلد بلدنا العزيز اليمن السعيد.

ندرك وأعتقده يدرك كذلك أن السياسة إنما هي حرب بوسائل أخرى، ولكنه كان يخطو خلال قيامه بمهمته التي غازل خلالها كل الأطراف، وبما يرضي كل طرف، وكان يتصرف كعملاق له باع أطول مما يعتقد القوم الذين أتاهم منقذا.
لم يكن يدرك، وهو يدخل رمال وجبال اليمن، إنما يدخلها بقدمين من طين وليس كما يعتقد ويتصور...

الآن وبعد مضي ست سنوات عاد مغازلا، ولم ينطق ببنت شفة طيلة سنوات الدمار، ويأتي الآن وقد دكت الحرب بلادنا دكا، ودمرت ما دمرت وعبث المتحاربون وممولو الحرب وتجارها ببلادنا ونسيجها الوطني، وأعادت بعض أطراف التحالف بوصلة مشاركتها لما يلبي مخططاتها ومصالحها، بل خلقت عبر ذلك أدواتها المحلية تنفذ من خلالها أجندتها الخاصة بما يسهم بأضعاف الشرعية، لتضف ضعفا مركبا لمركب ضعفها وفسادها. طيلة هذه الفترة الطويلة لم نسمع حروفا نطق بها جمال بن عمر يستنكر استمرار الحرب، لكنه رفع عقيرته مؤخرا وقد استرق السمع لدعوات وقف الحرب.

ترى هل داعبه خيال العودة أم أن هدهدا أتاه من حدائق الملك سليمان يحمل إليه وهجا عله يعود منقذا لما تبقى لليمن السعيد من نبض يتحرك وقلب يدق ببطء ومشاعر جياشه بالعودة لأيام خلت. ولعلمه، الأيام تسير للأمام ولا تعود للوراء، وكل الذين تحركات ضمائرهم بعد خراب مالطة لن يسامحهم شعب اليمن من أي جهة كانوا، فقد بلغ السيل الزبى، ومهما تباكي المتباكون فلن يلتفت لهم شعبنا، فبلدنا المدمر وشعبنا الذي دمرته الحرب لن يسامح أحدا مهما كان موقعه ومهما كان كذبه.

ولجمال بن عمر وأمثاله نقول لهم انتهت اللعبة، أو عسانا نقول العبوا غيرها، مدركين أن وراء هذه الدعوات التي تكاثرت تحمل في طياتها مرامي وأهداف تخدم أهداف ومصالح مطلقي مثل هذه الدعوات، ونرجو أن تكذبنا الأيام، ونرى على طاولة مجلس الأمن خارطة طريق نهائية ومتكاملة، تضع حدا ونهاية لمأساة بلادنا وشعبنا، وكفانا إفادات تلوها إفادات من قبل خليفة جمال بن عمر مارتن جريفيثس دون خطوات عملية خاصة، وبلادنا قد سجنوها داخل قفص الفصل السابع.
*عضو مؤتمر الحوار فريق بناء الدولة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى