عن متاهة السلام الأمريكي في اليمن

> نبيل البكيري

> تحولات مهمة في ملف الأزمة اليمنية ومساري الحرب والسلام فيها، بدأت مع وصول الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة للبيت الأبيض، وما أطلقته من قرارات بخصوص الملف اليمني، كإلغاء قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، القاضي بتصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية، عدا إصدار قرار بإيقاف بيع الأسلحة للتحالف العربي، فضلًا عن تعيين تيموثي ليندركينج كمبعوث أمريكي خاص باليمن.

ربما تفاءل الكثير من المتابعين للشأن اليمني، بمثل هذه التحولات في الموقف الأمريكي من القضية اليمنية، ولكن ثمة الكثير من التساؤلات، والتي يجب أن نبحث لها عن إجابات حقيقية، حول مدى جدية وقدرة الجانب الأمريكي في صناعة تحول حقيقي في مسار الحرب والسلام في اليمن، هذا الإشكال الحقيقي، وليس الاندفاع الأمريكي بكل هذا الحماس لوقف الحرب وتحقيق السلام في اليمن.

ومع ذلك، فإن التطورات المتمثلة باشتعال الجبهات في مأرب وتعز مؤخرًا، وكأن الحرب بدأت من نقطة الصفر، وكل هذا يأتي بالتزامن أو تاليًا لجملة تلك القرارات الأمريكية، مما يجعلنا نتساءل: كيف استقبل الأمريكان مثل هذا التصعيد؟ وهل فهموا فحوى هذه الرسائل التي أرسلتها لهم طهران عن طريق جماعة الحوثي وصواريخها وطيرانها المسير على مدن السعودية؟

لا شك أن الحماس الكبير للأمريكان تجاه الملف اليمني، ينبئ عن عدم فهم كبير لتعقيدات ملف الأزمة اليمنية، وأن التسرع الذي بدوا عليه ربما سيضعهم أمام حقائق مُرة في قادم الأيام، وبخاصة مع حجم التناقض والارتباك الذي تعيشه الإدارة الأمريكية، وخصوصًا تجاه هذا الملف، فقد صرَّح متحدث وزارة الخارجية الأمريكية تيد برايس، عقب إلغاء قرار تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، بأنهم -أي الأمريكان- لا يثقون بالحوثيين، كما صرح بعد ذلك بعدم وجود أي تواصل معهم.

ما نريد قوله هنا، أن الأمريكان سينصدمون قريبًا بمدى جهلهم وعدم فهمهم للملف اليمني، وأن كل معلوماتهم التي يتلقونها عبر منظمات المجتمع المدني المسيسة، كلها معلومات مغلوطة ومضللة، وبخاصة في ما يتعلق بحجم المشروع الإيراني في اليمن، ومدى سطوته وتحكمه بجماعة الحوثي، مما سيفشل المقاربة الحالمة بإمكانية فصل جماعة الحوثي عن الداعم والمتبني الإيراني لهذه الجماعة.

ولكن بعد ذلك بيوم التقى المبعوث الأمريكي لليمن تموثي ليندركينج، بمسؤول المفاوضات بجماعة الحوثي محمد عبدالسلام، في العاصمة العمانية مسقط، يوم 26 نوفمبر الماضي، في دلالة على ارتباك أمريكي كبير في كيفية التصرف حيال ملف بالغ الصعوبة والتعقيد؛ لأن النظرة الأمريكية في اليمن لم تتغير منذ فترة طويلة، إذ ينظرون لليمن كملف أمني متعلق بملاحقة الجماعات الإرهابية فحسب، وهي مقاربة جدًا مغلوطة وغير دقيقة.

ومن هنا، فإن كل المقاربات الغربية والأمريكية على وجه التحديد، مقاربات سطحية للغاية؛ لأنها تنطلق من معالجة النتائج، وتتجاهل بشكل متعمد الأسباب الحقيقية للأزمة والحرب في اليمن، وأي مقاربة في هذا السياق لا تأخذ في الاعتبار جذور الأزمة وكيفية معالجتها، حتمًا هي مقاربة محكومة بالفشل الكبير مسبقًا، حتى ولو تم قطع مسار أكبر في الإجراءات العملية للحل، فلن تكون هذه الإجراءات سوى إجراءات تهدئة تقود إلى جولة جديدة من الحرب، ربما تكون أكثر ضراوة من الجولة السابقة.

ومن أهم مؤشرات مثل هذا المصير، للاندفاع الأمريكي نحو السلام في اليمن، هو عدم وضوح الأمريكان في ما لديهم من مقترحات، وعدم قدرتهم على عرض هذه المقترحات حتى اللحظة. بمعنى آخر، يدرك الأمريكان جيدًا، أن الحلول الترقيعية التي قد يلجؤون إليها، ستصطدم بالتعقيدات الواقعية، ولهذا لحد اللحظة ليس هناك خارطة مقترحات مطروحة للاختبار من قبل الأمريكان.

وبالتالي كل ما هنالك مجرد تسريبات غير دقيقة قد تُعقد المشهد بأكثر مما هو معقد أيضًا، كالحديث عن وقف الحرب وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، وخلق مناطق عازلة، وبعد ذلك الدعوة للمفاوضات بين الأطراف المتنازعة، ومثل هذه التسريبات، إن صحت، وبهذه الصيغة، فهي تسريبات كارثية لا تستند على أي معطى على الأرض يمكن الركون فيه على إمكانية التطبيق، وبخاصة أنه كان ثمة قبل هذه الجولة المفترضة من السلام، جولات عدة سابقة في جنيف والكويت وستوكهولم، وكلها جولات باءت بالفشل، لافتقارها لأهم الشروط الموضوعية للتطبيق.

وعليه، فإن الاندفاع والحماس الأمريكي للسلام بهذه الطريقة التي يقفز بها الأمريكان فوق معطيات موضوعية، يخشى أن تزيد المشهد تعقيدًا، في ظل اشتداد المعارك وتصلب الطرفين، عدا أن هذه المقاربة ستصطدم مع فاعل رئيس كبير في المشهد اليمني، ممثلًا بالمملكة العربية السعودية التي كانت بمثابة المتصرف الخاص بالملف اليمني منذ فترة طويلة، وكان يتعاطى الأمريكان مع الملف اليمني عن طريقها، وبالتالي فإن هذا الاندفاعة الأمريكية لا شك أنها لا تدعو للتفاؤل مثلما تدعو للقلق وللتشاؤم.

ولذا، يفترض على الجانب الأمريكي، المندفع بكل هذا الحماس، أن يعيد ترتيب أوراقه بخصوص الملف اليمني، وأن يبني موقفًا متماسكًا استنادًا على ثوابت القضية اليمنية، أو ما يُعرف بالمرجعيات الرئيسة للقضية اليمنية، ممثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، عدا القرارات الدولية ذات الصلة، وبخاصة القرار الشهير 2216.

غير هذه المقاربة والمدخل، اعتقد أن الأمريكان سيغرقون في تفاصيل وتعقيدات الملف اليمني، مما قد يطيل أمد الأزمة، ويجعل الحل مستحيلًا، بفعل غياب الرؤية الدقيقة والواضحة، التي تستند على حقائق وأدبيات الأزمة ذاتها، ولا تكون عبارة عن مبادرات انفعالية تخرب أكثر مما تصلح، باعتبار أن كل هذه الاندفاعة الأمريكية في جزء كبير منها كانت ردة فعل واضحة على قرارات إدارة ترامب السابقة، عدا ردة فعل لبعض الملفات في المنطقة.

وختامًا، ربما على الأمريكان أن يدركوا جيدًا، أنهم فرطوا بواحدة من أهم الأوراق التي كان يمكنهم أن يلعبوا دورًا كبيرًا من خلالها، وهي ورقة تصنيف جماعة أنصار الله (الحوثيين) كجماعة إرهابية، وأن إلغاء ذلك القرار بتلك الطريقة سلبهم أهم ورقة تفاوض وضغط كان يمكنهم استخدامها مع جماعة الحوثي لتقديم مزيد من التنازلات والمرونة في ما يتعلق بالسلام والأزمة والحرب في اليمن، التي دخلت عامها السابع دون أي مؤشر للحل، وإنما كل المؤشرات تقول إنها ربما تمتد لفترة أطول مما نتوقع ويتوقع الأمريكان أنفسهم.

"المشهد"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى