"إذاعة عدن".. ست سنوات من الصمت

> جمال شنيتر

> نصف قرن من البث لم يشفع للمحطة العريقة بأن يعلو صوتها على صوت الرصاص
تقترب إذاعة عدن جنوب اليمن بعد أيام من إكمال عامها السادس منذ توقفها عن البث، بعد اندلاع الحرب اليمنية وسيطرة ميليشيا الحوثيين على أجزاء من العاصمة المؤقتة، بخاصة التواهي التي تحتضن المقر الرئيس للمحطة.
وعلى الرغم من عراقة هذه الإذاعة، إلا أن ذلك لم يشفع لها من استمرار توقف بثها وإرسالها الإذاعي والعودة إلى جمهورها الذي تعدى الحدود اليمنية ليصل إلى الدول المجاورة في مرحلة الإذاعات الذهبية قبل ثلاثين عاماً.

الانطلاقة والتطور
تأسست إذاعة عدن في 17 أغسطس (آب) 1954 تحت اسم "محطة عدن للإذاعة"، كأول إذاعة تقدم خدمة إذاعية في مستعمرة عدن والمحميات البريطانية على فترتين صباحية ومسائية، بإجمالي ست ساعات يومياً في الأيام العادية، ولمدة اثنتي عشرة ساعة في أيام العطل الأسبوعية، من التاسعة صباحاً وحتى الساعة التاسعة مساء.

بدأت الإذاعة بثها على جهاز إرسال بقوة 250 واط، عبر موجة متوسطة، ترتفع عام 1956 إلى قوة خمسة كيلو واط إلى جانب موجة قصيرة بقوة 7.5 كيلو واط، وفي عام 1984 تم بناء محطة إرسال بقوة 400 كيلو واط، ثم أضيف جهازان بقوة مئة كيلو واط، لكل وات منهما على موجتين قصيرتين، ثم أضيفت محطة متوسطة أخرى بقوة 750 كيلو واط.

وفي الحرب الأهلية عام 1994 بين قوات الشمال والجنوب، تعرضت محطة الإرسال الإذاعي لتدمير شامل أدى إلى توقف الإرسال الإذاعي إلى خارج مدينة عدن، كما تعرضت الاستديوهات للنهب والتدمير، بيد أنه في يوليو (تموز) 1994 أعيد الإرسال مجدداً.
أما أطول مدة توقف في البث للإذاعة العدنية، كانت مع اندلاع الحرب اليمنية المستمرة حالياً بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً، وقوات جماعة الحوثي.

عندما صمتت عدن
عن هذا التوقف يتذكر يسلم مطر، رئيس قطاع إذاعة عدن، تلك اللحظات الاستثنائية، قائلاً "توقف البث الإذاعي بعد أيام من اندلاع الحرب بشكل تدريجي، لأن ميليشيا الحوثي كانت قد سيطرت على عدن بشكل كلي في مناطق وجزئي في مناطق أخرى، وكانت الحرب كراً وفراً بين الطرفين، وتحملت الإذاعة مسؤولية كبيرة وصعبة للغاية خلال فترة الحرب، إذ إن مدينة عدن كانت قد قطّعت أوصالها بعد سيطرة الميليشيات على جزء منها، وصار التنقل بين مدينة وأخرى نوعاً من المخاطرة، ولم يتمكن الموظفون والفنيون من طواقم العمل بالاستمرار معنا في الأيام الأخيرة لأنهم تعرضوا لمخاطر كادت أن تفقد البعض منهم حياتهم من قبل قناصة الحوثي"، بخاصة عند دخول الحوثي مدينة التواهي التي توجد فيها إذاعة عدن، والتي عدت في حينها نصراً استراتيجياً للجماعة.

وأضاف "تعقد عملنا أكثر وأصبح صعباً جداً، وتقلص عدد أفراد الطاقم بشكل تدريجي مع ضراوة الحرب، حتى وصل بنا الأمر في الأيام الأخيرة للحرب إلى العمل بمهندس صوت واحد ومذيعتين فقط هما مذيعة التلفزيون روى عصمت، ومنى المجيدي وهي موظفة تحت التدريب، وكان يتم تسجيل الأخبار والبرامج في الإذاعة بهذا الطاقم".

ويلفت مطر إلى أن أسباب التوقف "الحرب التي اندلعت في مدينة التواهي التابعة لعدن إذ قصف برج الإرسال الإذاعي مما أدى لتوقف البث، والذي لم تتم معالجته حتى اليوم، إضافة إلى تخريب الاستديوهات ونهبها من قبل مخربين" استغلوا الفراغ الذي خلفته الحرب لنهب المقر، بحسب يسلم.

نهب وتخريب
ويسهب رئيس قطاع الإذاعة في شرح حجم الأضرار التي أعقبت توقف البث الإذاعي قائلاً، "توقف بث الإذاعة أدى إلى عدة أضرار عانت منها الإذاعة طوال سنوات التوقف، أعمال النهب والتخريب طاولت الإذاعة في ظل الانفلات الأمني الذي رافق الحرب وما بعدها، ومع ذلك تمت معالجة بعض الأمور الفنية لاحقاً، بخاصة في الاستديوهات والإدارات العامة، على أساس أن تعالج قضية محطة الإرسال في ما بعد، ولكن لم يحصل أي تقدم في هذا الجانب، حتى الاستديوهات بعد أن شعرنا أنها تعافت ببعض المعالجات والإصلاحات بمبلغ مالي بسيط وهو مليونا ريال قُدمت للإذاعة من رئاسة الوزراء نهاية 2017، إلا أننا فوجئنا خلال زيارتنا لها في فبراير (شباط) الماضي بأنها تعرضت مرة أخرى للنهب والتكسير من جديد".

وإن كانت الحرب في عدن قد انتهت قبل سنوات، إلا أن آثارها لا زالت باقية فخلال السنوات الست الماضية توقف بث الإذاعة والتلفزيون وأهمل المبنى من الصيانة والترميم، فنمت الأشجار وتراكمت مخلفات الفيضانات التي شهدتها عدن، إلى جانب مخلفات الحرب ومواد الخردة في ساحة المبنى وهي بحاجة إلى عملية إزالة، وكذلك نمت الحشائش والأشجار نتيجة الإهمال حول مبنى الإذاعة والتلفزيون.

كما أن المؤسسة الإذاعية بحسب يسلم تواجه مشكلة أخرى، تتمثل في "المواد التسجيلية والوثائقية والبرامج المحفوظة لعدم وجود أجهزة تكييف، وهو ما قد يؤدي إلى إتلاف المواد بسبب درجة الحرارة، إضافة إلى ذلك عانى الطاقم الوظيفي معاناة كبيرة جراء توقف العمل في الإذاعة".

مبادرات ولكن
وحول المعالجات الحكومية لما تعانيه إذاعة عدن، يشير مطر إلى أنه منذ اندلاع الحرب وتوقف الإذاعة وحتى الآن، لم تفضِ كل المبادرات التي تقدمت بها إدارة الإذاعة إلى قيادة وزارة الإعلام إلى أي عمل ملموس يجعل الإذاعة تعاود عملها من عدن "حيث يؤكد جميع من تقابلنا معهم من المسؤولين أنهم لا يملكون المال الكافي لمعالجة الوضع الحالي الهندسي".

خطوات خجولة
وعند السؤال عن سبب عدم تشغيلها حتى الآن، يذهب مدير الإذاعة في حديثه إلى أبعد من ذلك قائلاً، "لا يبدو أن وزارة الإعلام مقتنعة بأهمية الرسالة التي تؤديها وسائل الإعلام الرسمية المحلية، فلن يأخذ منهم ذلك أسبوعاً واحداً أو أسبوعين لتعود المؤسسات الإعلامية إلى ممارسة نشاطها إذا أرادوا من داخل العاصمة المؤقتة عدن".

ويؤكد مطر أن رئيس الجمهورية كان قد وجه بعودة بث الإذاعة والتلفزيون من عدن لكن "لم يزر المبنى إلى اليوم أي مسؤول سوى بعض الإداريين الذي لا يملكون قراراً نافذاً في عودة المحطة، ويعقدون عدداً من الاجتماعات مع مسؤوليها من دون نتائج تذكر، مع استمرار عمليات النهب".
على الرغم من كل هذه المعاناة، واستمرار توقف إذاعة بث عدن العريقة، يأمل مطر بأن تلتفت الحكومة إلى مشكلة توقف بث الإذاعة ومعالجة أوضاعها بشكل سريع.

وتواصلت "اندبندنت عربية" مع صالح الحميدي، وكيل وزارة الإعلام لقطاع الإذاعة، وطلبت منه التعليق على ما أورده مسؤولو الإذاعة تجاه وزارتهم، لكنه اعتذر وامتنع عن ذلك.
إلا أن الوكيل عقد اجتماعاً مع مدير محطة الإرسال الإذاعي والتلفزيوني زين مقبول وعدد من موظفي الإذاعة، لمناقشة قضايا تتعلق بعمل إذاعة عدن وفق الخطة التي أعدها وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الأرياني لتفعيل إذاعة عدن الحكومية.

واستعرض المجتمعون التحديات التي تواجه محطة الإرسال الإذاعي والحلول العاجلة من خلال التعاون بين وزارة الإعلام والسلطة المحلية.
وتفقد الحميدي والحسني مبنى الإرسال الإذاعي الواقع بمديرية البريقة، واطلعا على الأضرار والاحتياجات التي خلفتها الحرب والانفلات الأمني الذي أعقبها، وشددا على أهمية التعاون للنهوض بإذاعة عدن وإعادتها لما لها من أهمية ورمزية كبيرة للدولة والمواطنين.

وقفات احتجاجية
كانت معاناة الكادر الوظيفي كبيرة جراء استمرار توقف عمل الإذاعة، وفي هذا السياق قام موظفو الإذاعة خلال الأشهر القليلة الماضية بتنظيم وقفات احتجاجية عدة للمطالبة بإعادة بث إذاعة عدن المغلقة منذ بداية حرب 2015.
ورفع الموظفون رسائل مناشدة لكل من الرئيس اليمني ورئيس الحكومة ووزير الإعلام تطالب بعودة الموظفين لمباشرة أعمالهم من داخل مبنى الإذاعة بالتواهي، وإعادة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة المؤقتة عدن تدريجاً.

"اندبندنت" عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى