نحن والسعودية مرة أخرى .. لا بديل عن التفاهم والحوار الأخوي المسؤول

> تنويه لا بد منه.. هممت مرة أخرى بكتابة موضوع جديد عن العلاقة بيننا وبين المملكة العربية السعودية الشقيقة، بالنظر للتفاعلات الحاصلة والمقلقة على سطح المشهد السياسي وعلى أكثر من صعيد، لكنني وجدت في المقال التالي الذي نشر بتاريخ 18 مارس من العام الماضي، وأعيد نشره في 22 سبتمبر من نفس العام، ما يؤدي الغرض تماماً بالنظر لحيوية وأهمية ما ورد فيه وتجنباً لتكرار الطرح، وما زال مضمون رسالته منسجماً مع طبيعة اللحظة الراهنة، ناهيك عن كونه قد نبه مبكراً لخطورة الدفع بالأمور نحو التوتر الحاد، وربما لما هو أبعد في العلاقة القائمة بين الجنوب والمملكة من قبل أطراف وقوى معروفة يمنياً وإقليمياً، وكذلك بسبب القصور الملحوظ في فهم وتعاطي المملكة مع الملف الجنوبي سياسياً وإعلامياً، بكونه تجسيداً لقضية وطنية قائمة بذاتها على أكثر من صعيد وكان كما يلي:

أعتقد أنه من المناسب، بل من الضروري الآن وفي ظل الإشكاليات القائمة، والتي نشأت مؤخراً بسب عدم تنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي ولأسباب باتت معروفة للجميع تقريباً، وبعيداً عن الانفعالات وردود الأفعال الآنية، ولإثبات حسن النية والتأكيد على رغبة الجنوبيين الصادقة في تأسيس وبناء علاقات صحيحة للمستقبل ومتينة مع السعودية؛ أن يتم البحث جدياً عن كيفية بناء شراكة حقيقية للجنوب معها بعد أن شوهتها (الشرعية) مع الأسف، والتي لم تنجح حتى في إقامة علاقات متينة وواضحة المعالم معها وبالصفة التمثيلية التي تحملها باسم (الجمهورية اليمنية) بل اختزلت علاقاتها بالمملكة بالحصول على المال والسلاح والضيافة وتسهيل تحركها الدولي، ولعل الدور الأبرز في كل ذلك يعود (للجناح الشمالي) في الشرعية وتحديداً لحزب الإصلاح وممثله الجنرال الأحمر، وهو ما شوّش عليها كما نعتقد وجعلها تتردد في علاقاتها مع ممثلي الجنوب وتسيء التقدير كذلك للجنوب وقضيته المعروفة للعالم أجمع، وتنفتح على قوى أخرى في الساحة اليمنية وبطرق مختلفة، وغابت عنها حقائق كثيرة بسبب ذلك أو غيّبت عمداً عنها، وربما دفعها ويدفعها ذلك للبحث عن طرق ووسائل أخرى للتعامل مع الجنوب، كما تتعامل مع الشمال عبر المشايخ والسماسرة وقوى النفوذ التي ارتبطت بها تقليدياً، وهو أمر يعرفه الجميع ولا تخفيه السعودية أيضاً.

ولهذا كما يبدو لنا اصطدمت، وسوف تصطدم مستقبلاً مع الجنوب والجنوبيين ولأسباب أخرى كثيرة، ما لم يتم الحوار على قاعدة الصراحة والمكاشفة وبروح أخوية منفتحة وبناءة معها والبحث عن كل ما يتعلق بالمستقبل، وألا يتم استحضار الماضي بأي صورة كانت من قبل الطرفين على طاولة الحوار؛ لأن ذلك حتماً لا يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين، بل يصب في مصلحة قوى أخرى ترغب أساساً في بقاء العلاقة مضطربة ومتوترة بين المملكة العربية السعودية والجنوب، بل تعمل تلك القوى جاهدة حتى توصل إلى درجة التصادم بينهما، وهو الأمر الذي يدرك خطورته الجنوب ويرفض الانجرار إليه تماماً، وبأن ما يهم الجنوب والمجلس الانتقالي الجنوبي وكل القوى السياسية الجنوبية الأخرى هو المستقبل، لأن ذلك قد أصبح من الماضي وفي ذمة التاريخ وكان محكوماً بظروفه وزمانه وبكل ما له وما عليه من أخطاء متبادلة ونجاحات مشتركة، وبأن العمل من أجل المستقبل هو ما يستحق منا جميعاً بذل الجهود المخلصة والصادقة والتفاهم الأخوي وبما يؤدي إلى الاتفاق على بناء أسسه وقواعده السليمة سوياً، وعلى قاعدة الشراكة المتعددة الجوانب والضامنة للمصالح المشتركة وتبادل المنافع والتعاون في كل ما يخص الأمن المشترك، وتثبيت دعائم الاستقرار في منطقتنا على أهميتها الحيوية للإقليم وللمجتمع الدولي إذا ما نظرنا للأهمية الإسترتيجية لباب المندب.

ولن يتم ذلك في تقديرنا وعلى النحو المنشود ولمصلحة الشعبين مستقبلاً، ما لم تتفهم المملكة العربية السعودية الشقيقة على نحو شامل وعميق للموقف الجنوبي من قضية المستقبل والتسوية السياسية المنتظرة لحل الأزمة وإنهاء الحرب في اليمن، والمرتبطة بتحقيق غاياته وأهدافه الوطنية التي ناضل من أجلها خلال ربع قرن من الزمن، وقدم من أجل ذلك التضحيات العظيمة لتقريب يوم الخلاص واستعادة دولته وسيادته على أرضة، وبما يؤسس لعلاقات جديدة نوعياً بين الشمال والجنوب ويضمن ويعزز التعاون الأخوي الشامل وفي كل المجالات، ويصون ويحمي بالقانون المصالح المشتركة وتبادل المنافع وانسياب حركتها، ويحافظ في نفس الوقت على كل أشكال الروابط الاجتماعية المتعددة والمتميزة والتي تشكلت خلال عقود طويلة من الزمن بين الشعبين الشقيقين في الجنوب والشمال؛ ويجعلها قاعدة صلبة للتفاهم والثقة المتبادلة، ونبذ كل أشكال التعصب والكراهية، وعلى قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الخيارات السياسية لكل منهما وعبر أي وسيلة كانت، وبعيداً عن شعارات (الوحدة أو الموت) التي ماتت أساساً وسقطت تحت جنازير الدبابات وفي حربين متتاليتين، ويحضر أصحابها الآن لحرب الغزو الثالث للجنوب وهو ما سيقاومه الجنوبيون وبكل قوة ولن يمر مهما كلفهم ذلك من تضحيات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى