> تقرير/ صفية مهدي:
وإلى ما قبل شهور، كان مراد يساعد والده الثلاثيني عبدالله، في بيع الوقود للمركبات على الطريق السريع، كمصدر دخل لعائلته المؤلفة من أربعة أبناء ووالدتهم. لكن الأسرة استفاقت ذات صباح، وقد توفي الأب اختناقاً بعد أن اضطر للنوم في المكان الذي يخزن فيه الوقود ليستنشق كمية كبيرة من روائح البنزين المنبعثة في المكان، على حساب الأكسجين.

من استثناء إلى واقع
لجملة من الظروف، تحولت السوق السوداء للوقود وللبنزين بشكل خاص، منذ سنوات إلى واقع تطور من حالات استثنائية، لأشخاص يخزنون كميات من الوقود حال توفره ويبيعونها لاحقاً في بعض الأرصفة أو الأسواق غير المنتظمة، لتصبح الوسيلة المتوفرة الوحيدة في أغلب الأوقات، وخصوصاً في صنعاء ومختلف المدن الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).
وبالإضافة إلى كونها، تضيف أعباءً تثقل الغالبية من السكان، حيث يحتاج نحو 80 بالمائة من اليمنيين إلى نوع من المساعدات، وفق تقارير الأمم المتحدة، فإنها تحولت إلى مصدر لحوادث مأساوية لحقت بالعديد من العوائل، على ضوء التخزين السيء للوقود.
كذلك، فإن الحرائق التي لا تكاد تمر أسابيع دون تسجيل واحدة منها، ليست مقتصرة على صنعاء فقط، بل تمتد في مدن أخرى، كان أبرزها خلال الأشهر الأخيرة في مدينة البيضاء، والتي كانت ساحة لكارثة انفجار إحدى محطات تعبئة الغاز في المدينة أواخر يناير الماضي، خلفت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، إلى جانب الخسائر المادية.
وتعزو أسباب الانفجارات والحرائق المتكررة، إلى ظاهرة انتشار المحطات ونقاط التعبئة للغاز والوقود، في ظروف لا تلتزم بالضرورة معايير السلامة، على نحوٍ يجعل منها تهديداً مستمراً لحياة السكان، خصوصاً مع انتشارها قرب الأسواق المزدحمة والتجمعات.
إلى جانب ذلك، فإن أزمة الوقود لا تقتصر فيها المخاطر، على تفشي السوق السوداء بما يرافقها من حوادث وخسائر، بل إن الأزمة تدفع أعداداً كبيرة من الأسر لتخزين الوقود في المنازل، للاحتفاظ به لوقت عدم توفره في محطات البيع الرسمية، والتي تلتزم الأسعار الحكومية، لكنها في الغالب مقفلة الأبواب.
وفي حديثه لـDW عربية، يرجع اليمني سلطان الحاكم التخزين الذي يسبب حرائق في المنازل، إلى انعدام الوقود في المحطات، ويقول "إذا تواجد البترول في المحطات الرسمية (المرخصة للتعبئة) لن يضطر المواطن إلى التخزين"، الذي يسبب الحوادث.
ويقول المتحدث باسم شركة الغاز الحكومية في صنعاء علي معصار لـDW عربية، إن انتعاش السوق السوداء، يأتي نتيجة لاحتجاز السفن من قبل التحالف وعدم السماح بدخولها، حيث هناك كميات مخصصة لتموين القطاعات الصناعية وكبار المستهلكين وقطاع السيارات. ويفيد أنه بالنسبة للغاز المنزلي، أوجدت الشركة آلية لتوزيعه على المواطنين عبر "عقال الحارات" (مسؤول الحي السكني).
أزمة الوقود وقيود الاستيراد
يأتي تفشي السوق السوداء للوقود في البلاد، كواحدة من تبعات الأزمة الأساسية المتمثلة في محدودية توفر الوقود، والقيود المفروضة من قبل الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف الذي تقوده السعودية، على استيراد الوقود إلى مناطق سيطرة "أنصار الله" (الحوثيين)، منذ سيطرة الجماعة على صنعاء في سبتمبر 2014، وما أعقب ذلك، من تصاعد للحرب في مارس من العام الذي تلاه.

في المقابل، تتهم الحكومة والتحالف الجماعة، بالتلاعب في أزمة الوقود، والتنصل من اتفاق رعته الأمم المتحدة، العام المنصرم، يقضي بتسهيل وصول شحنات الوقود، في مقابل التزام الحوثيين بتوريد عائدات المشتقات النفطية إلى فرع البنك المركزي اليمني في الحديدة، لدفع مرتبات الموظفين.
١-المعلومات التي نشرها المجلس الاقتصادي الأعلى عن حجم تدفق الوقود لليمن خلال الربع الاول من العام الحالي وحصة المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي تؤكد أكذوبة الحصار، ووقوف المليشيا خلف افتعال أزمة المشتقات النفطية لإنعاش السوق السوداء، ونهب المواطنين لصالح تمويل المجهود الحربي pic.twitter.com/Fm6X3G7xag
— معمر الإرياني (@ERYANIM) April 2, 2021
عقد غريفيث اليوم اجتماعاً مع @HadiPresident في الرياض. أطلعه على نتائج اجتماعاته في مسقط، وناقشا الجهود المبذولة للتوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وفتح مطار صنعاء، والسماح بإدخال الوقود وغيرها من السلع إلى #اليمن عبر موانئ الحديدة، واستئناف العملية السياسية
— @OSE_Yemen (@OSE_Yemen) March 28, 2021
"وسيلة نهب منظم"
وفي حديثه لـDW عربية، يرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن مصطفى نصر أن تفشي السوق السوداء، يعكس "خللاً كبيراً في طريقة إدارة الخدمات من قبل الجهات المعنية، لاسيما إدارة سوق المشتقات النفطية". كما أن "غض الطرف عن هذه السوق وإتاحة المجال لها بالتوسع والانتشار كونها لم تعد مخفية أو تمارس بطريقة سرية"، مؤشر على أن "المساهمين فيها نافذون في السلطة ومستفيدون من الأزمة".
ويضيف أن السوق السوداء باتت "وسيلة نهب منظم لأموال الناس، حيث باتت تمارس في وضح النهار، بل ويتم تعطيل أداء المؤسسات الخدمية الرسمية لكي تعمل السوق السوداء"، وهو ما يمثل بنظره "تخادماً واضحاً يعكس حجم الشراكة في الاستفادة من هذه السوق"، كما أنها كأي نشاط اقتصادي "يمارس بعيدا عن الأطر الرسمية المنظمة يمثل نزيفا للاقتصاد الرسمي"، وعبئاً إضافياً على المواطنين، الذين يدفعون كلفة إضافية، جراء سوق لا تحكمه المنافسة وإنما يحكمه سيطرة المضاربين وتجار السوق السوداء".