من علماء المسلمين .. الزهراوي (أبو الجراحة)

> هو أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي، المتوفى بعد سنة 400 هـ/1013 م، المعروف في العالم الغربي باسم Abulcasis، هو طبيب عربي مسلم عاش في الأندلس، يعد أعظم الجراحين الذين ظهروا في العالم الإسلامي، ووصفه كثيرون بأبي الجراحة الحديثة. أعظم مساهماته في الطب هو كتاب ( التصريف لمن عجز عن التأليف)، الذي يعد موسوعة طبية من ثلاثين مجلدًا.

كان لمساهماته الطبية سواء في التقنيات الطبية المستخدمة أو الأجهزة التي صنعها تأثيرها الكبير في الشرق والغرب، حتى أن بعض اختراعاته لا تزال مستخدمة إلى اليوم. ويعد الزهراوي أول طبيب يصف الحمل المنتبذ (خارج الرحم)، كما أنه أول من اكتشف الطبيعة الوراثية لمرض الهيموفيليا (سيولة الدم).

تخصص الزهراوي في علاج الأمراض بالكي، كما اخترع العديد من أدوات الجراحة كالتي يفحص بها أو يدخل أو يخرج الأجسام الغريبة من وإلى الحلق والتي تفحص الأذن وغيرها، وهو أول من استخدم خطافات مزدوجة في العمليات الجراحية، وأول من توصل إلى طريقة ناجحة لوقف النزيف بربط الشرايين الكبيرة قبل الطبيب الأوروبي (باري) بستمائة عام.
صفحة من كتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» وتظهر فيها مجموعة من المعدات المستخدمة في الجراحة التي صممها الزهراوي
صفحة من كتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» وتظهر فيها مجموعة من المعدات المستخدمة في الجراحة التي صممها الزهراوي

وقد وصف الزهراوي الحقنة العادية والحقنة الشرجية، وملاعق خاصة لخفض اللسان وفحص الفم، ومقصلة اللوزتين، وكلاليب خلع الأسنان، ومناشير العظام، والمكاوي والمشارط على اختلاف أنواعها.
الزهراوي أيضًا أول من وصف عملية القسطرة، وصاحب فكرتها والمبتكر لأدواتها، وهو الذي أجرى عمليات صعبة في شق القصبة الهوائية، وكان الأطباء قبله مثل ابن سينا والرازي، قد أحجموا عن إجرائها لخطورتها.

وابتكر الزهراوي أيضًا آلة دقيقة جدًّا لمعالجة انسداد فتحة البول الخارجية عند الأطفال حديثي الولادة، لتسهيل مرور البول، كما نجح في إزالة الدم من تجويف الصدر، ومن الجروح الغائرة كلها بشكل عام. والزهراوي هو أول من صنع خيطانًا لخياطة الجراح، واستخدمها في جراحة الأمعاء خاصة، وصنعها من أمعاء الماشية والقطط، وأول من مارس التخييط الداخلي بإبرتين وبخيط واحد مُثبَّت فيهما، وأول من استعمل قوالب خاصة لصنع الأقراص الدوائية.
أدوات صممها الزهراوي لعلاج وخلع وبرد الأسنان كما رسمها ووصفها في أحد مؤلفاته
أدوات صممها الزهراوي لعلاج وخلع وبرد الأسنان كما رسمها ووصفها في أحد مؤلفاته

وللزهراوي إضافات مهمة جدًّا في علم طب الأسنان وجراحة الفكَّيْنِ، وكتب في تشوهات الفم وسقف الحلق، وقد أفرد لهذا الاختصاص فصلاً خاصًّا به، شرح فيه طريقة قلع الأسنان بلطف، وأسباب كسور الفك أثناء القلع، وطرق استخراج جذور الأضراس، وطرق تنظيف الأسنان، وعلاج كسور الفكين، والأضراس النابتة في غير مكانها، وبرع في تقويم الأسنان، وفي التوليد والجراحة النسائية، إضافةً إلى وصف طرق التوليد وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة، والحمل خارج الرحم، وطرق علاج الإجهاض، وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وآلات لاستئصال أورام الأنف ، وآلات لاستخراج حصاة المثانة بالشق والتفتيت عن طريق المهبل للنساء، وأول من بحث في التهاب المفاصل والسل في فقرات الظهر، قبل برسيفال بوت بسبعمائة عام، وأشار إلى استخدام النساء في التمريض، وهو أول من استعمل القطن لإيقاف النزيف. كما صنع الزهراوي أول أشكال اللاصق الطبي (البلاستر) الذي لا زال يستخدم في المستشفيات إلى الآن.
الزهراوي على طابع بريدي سوري صدر في سنة 1964م.
الزهراوي على طابع بريدي سوري صدر في سنة 1964م.

أتم الزهراوي كتابه «التصريف لمن عجز عن التأليف» عام 1000 م، وهو من ثلاثين مجلدا من الممارسات الطبية، جمع فيه العلوم الطبية والصيدلانية في زمانه، وغطى نطاقا واسعا من الموضوعات الطبية، منها طب الأسنان والولادة، جمع معلوماته على مدى 50 عامًا من ممارسته للطب، وظل يستخدم لخمسة قرون في أوروبا، واستخدمه الأطباء والجراحون كمرجع لهم، وظل الكتاب متداولاً ويعاد طبعه حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

وصف دونالد كامبل مؤرخ الطب العربي تأثير الزهراوي على أوروبا: «ألغت طرق الزهراوي طرق جالينوس، وحافظت على مركز متميز في أوروبا لخمسمائة عام... كما ساعد على رفع مكانة الجراحة في أوروبا المسيحية».

وفي القرن الرابع عشر، استشهد الجراح الفرنسي غي دي شولياك بكتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» أكثر من 200 مرة. ووصف بيترو أرغالاتا (المتوفي عام 1453 م) الزهراوي بقوله "بلا شك هو رئيس كل الجراحين"، وقد ظل تأثير الزهراوي حتى عصر النهضة، حيث استشهد الجراح الفرنسي جاك ديلشامب بكتابه التصريف. وقد كرمته إسبانيا بإطلاق اسمه على أحد شوارع قرطبة القريبة من جامع قرطبة.

ولد الزهراوي في مدينة الزهراء، ويُعتقد أنّ أصوله ترجع إلى الأنصار، وقد عاش في مدينة قرطبة، وفيها درس ومارس الطب والجراحة، وقد تمت الإشارة إلى اسمه في كتابات ابن حزم الذي صنّفه على أنّه واحد من أعظم أطباء الأندلس، وقد قام الحميدي بكتابة سيرة الزهراوي في كتابه جذوة المقتبس في ذكر علماء الأندلس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى