عدو مشترك لإثيوبيا وإريتريا أم حلف الأعداء السابقين؟

> "الأيام" العرب:

> قوبل انسحاب القوات الإريترية من منطقة تيجراي الإثيوبية بتشكيك الدبلوماسيين والخبراء في خضم صراع ساده التعتيم، والذي اندلع بعد خلافات وضغط شعبي لأكثر من عامين ونصف العام، إذ أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي تحكم الإقليم الواقع أقصى شمالي البلاد.

وعلى مدى أشهر، نفت الحكومة الإثيوبية وجود جنود إريتريين إلى أن تزايدت الشهادات والشواهد حول الموضوع، ثم فرض الضغط الدولي الاعتراف بوجودهم على الأراضي الإثيوبية، قبل الإعلان عن رحيلهم. لكن مجرد وجود مقاتلين إريتريين أثار تساؤلات مقلقة حول العلاقة بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي.

عدو مشترك
تعيش منطقة تيجراي، التي تسكنها عرقية تيجرايان وإيروب وكوناما، خلافات مع الحكومة الفدرالية في أديس أبابا منذ العام 2019، لكن التوترات تصاعدت أكثر عندما تحدت سلطات تيجراي الحكومة الفدرالية وأجرت انتخابات إقليمية اعتبرتها الحكومة "غير قانونية"، في ظل قرار فدرالي بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا.
وترى لينسي شوتل الكاتبة في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن من الواضح أن أسياس وآبي أحمد وجدا عدواً مشتركاً في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي هيمنت على إثيوبيا منذ مطلع تسعينات القرن الماضي حتى 2018، وقد لعبت دوراً أساسياً في هزيمة إريتريا في حرب عامي 1998 و2000، ولم ينس القادة في أسمرة ذلك.

وتؤكد أنه في صراع تيجراي، رأى أسياس فرصة للانتقام، بينما رأى آبي أحمد حليفاً ضد بقايا نظام الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي القديم في إثيوبيا، حيث سعت إلى إعادة تأكيد نفسها كحركة انفصالية إقليمية.
كما تنبأ برونوين بروتون في العام 2018 أنه "طالما بقي وجود آبي أحمد وأسياس مهدداً بجبهة تحرير تيجراي، فسيكون كلاهما سريعاً في التغاضي عن خلافاتهما".

وجود مقاتلين إريتريين أثار تساؤلات مقلقة حول العلاقة بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي
وورد أن الجنود الإريتريين عبروا الحدود الإثيوبية بعد وقت قصير من بدء الصراع في نوفمبر الماضي. وحتى عندما اعترف مسؤول عسكري رفيع المستوى بأن "جيشاً أجنبياً غير مرغوب فيه" دخل الأراضي الإثيوبية، استمر آبي أحمد في إنكار تورط إريتريا. ولم يقر إلا بعد زيارة وفد أميركي ووسط مزاعم متزايدة بانتهاكات حقوق الإنسان.

كما تغيرت لهجته بشأن الصراع من تصريحات النصر في أواخر العام الماضي إلى اعتراف بأن الجيش الفدرالي الإثيوبي واجه قوة حرب عصابات في عملية "صعبة ومرهقة".

ويجعل التحول المفاجئ التأكيد على أن انسحاب القوات الإريترية صعب التصديق. وقد نشر برنامج أوروبا الخارجي مع أفريقيا، وهي منظمة غير حكومية مقرها بلجيكا، تقريرا يزعم أن الافتقار إلى الشفافية حول اتفاقية الانسحاب بعد أن سافر آبي أحمد إلى أسمرة للقاء أسياس شخصياً يمكن أن يؤدي إلى اندماج المقاتلين الإثيوبيين والإريتريين.

وتشير المخاوف إلى فهم اعتماد آبي أحمد العسكري على المقاتلين الإريتريين ومليشيات الأمهرة العرقية ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي المنظمة جيداً.
ويقول ويليام دافيسون المحلل الإثيوبي البارز في مجموعة الأزمات الدولية، إن أثناء بداية الحرب، قالت الحكومة الفدرالية إن مسؤولي جبهة تحرير تيجراي في تيجراي كانوا يصنعون الزي الإريتري لمحاولة خلق انطباع بوجود تدخل أجنبي.
ويشير دافيسون إلى أن هؤلاء الساخرين من صدق التزام آبي أحمد بالانسحاب الإريتري يقولون إن هذا سيكون مجرد اختبار لإعادة التوزيع. فربما يقود اندماج الجيشين الظاهري على الأرض الناس إلى فكرة التكامل العسكري الرسمي، لكننا بعيدون جدا عن حدوث ذلك بالفعل.

مخاوف من الاتحاد
أثار التعاون بين الزعيمين مخاوف من أن تكون خطتهما النهائية تكمن في إنشاء اتحاد فدرالي بين البلدين، والذي انقسم رسمياً عندما أصبحت إريتريا مستقلة في 1993، ثم خاضت حرباً دموية على الحدود من 1998 إلى 2000.
وفي ظل هذا السيناريو، سيكون بإمكان إثيوبيا غير الساحلية الوصول إلى البحر مجدداً، ويمكن أن يعيد آبي أحمد إحياء البحرية الإثيوبية لتصبح قوة على طول ساحل البحر الأحمر.

وسيشهد هذا السيناريو إعادة بناء إريتريا لاقتصادها المتعثر، لكن دور أسياس في دولة اتحادية موحدة غير واضح، ومن غير المعروف ما إذا كان التعاون قابلاً للتطبيق بما يتجاوز الكراهية المشتركة لجبهة تحرير تيجراي.
ولم تؤد تعليقات متحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي حول الحاجة إلى "إضفاء الطابع المؤسسي" على العلاقة إلا إلى تأجيج المخاوف، إذ إن هناك فرصة جيدة لأن تكون العلاقة أوسع وأقوى.

وقال مفتي خلال مؤتمر صحافي أسبوعي في أواخر الشهر الماضي إن "هناك أشياء لديهم ليست لدينا، والعكس صحيح. بالمناسبة، إذا سألت الإريتريين فهم لا يحتفلون باليوم الذي انفصلوا فيه عن إثيوبيا. ويسود نفس الشعور الجانب الإثيوبي". وتراجع لاحقاً عن تعليقاته، قائلا إن "إثيوبيا ملتزمة بالسيادة الإريترية".

ورغم الإدانة الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي ارتكبتها القوات الإريترية في تيجراي، فقد دافعت إثيوبيا عن حليفها الجديد. وغردت وزارة الخارجية الإثيوبية الأسبوع الماضي حين ورد أن القوات الإريترية بدأت في إخلاء "المنطقة" بينما يبدو أن العالم يسيء فهم جهود إثيوبيا لفرض القانون والنظام في تيجراي، عن قصد أو عن غير قصد، فإننا نقدر شعب إريتريا وحكومتها، ممن يفهمون سياق ما جرى.

حرب أبدية
ويليام دافيسون: نحن بعيدون عن فكرة التكامل العسكري بين إثيوبيا وإريتريا، بينما يعتبر محللون مثل دافيسون إعادة التوحيد "قفزة"، إلا أنها تفرض فحصاً لأساس العلاقة بين الزعيمين، فمنذ بداية الصراع، اعتبر العديد من المراقبين أن جائزة نوبل للسلام التي تلقاها آبي أحمد في 2019 لإحلال السلام مع إريتريا زلّة خطيرة.
وقال الأكاديمي الإثيوبي أوول ألو المقيم في المملكة المتحدة، والذي كتب عن أسباب ترشيحه لآبي أحمد لنيل جائزة نوبل، لفورين بوليسي، إن "السياسي بث صورة شخصية شعبية تهدف للرقي بالبلاد”. الآن، يرى أوول بداية نهج أكثر خطورة، من قبيل "لنجعل إثيوبيا عظيمة مرة أخرى".

وأوضح أن البلاد تحتاج إلى حوار حول الهوية ومستقبل الدولة الفدرالية، وأنه يجب دعم العملية دوليا لضمان عدم إدارة الحكومة التفصيلية لها.
وقبل أسابيع، طالبت الولايات المتحدة بمغادرة الجنود الإريتريين تيجراي على الفور، وزادت الضغوط في الأيام الأخيرة مع إيفاد الإدارة الأميركية السيناتور كريس كونز إلى إثيوبيا أواخر الشهر الماضي لإجراء محادثات استمرت ساعات مع آبي أحمد.

والآن، يبدو أن جميع الأطراف تستعد لما يمكن أن يتحول لمعركة طويلة. فبعد تكبدها خسائر، أعادت قوات تحرير تيجراي تجميع صفوفها في الريف بدعم السكان، كما ذكرت مجموعة الأزمات الدولية. فقد حفّزت الفظائع التي ارتكبت ضد سكان تيجراي التجنيد في الجبهة.

ويعتقد جيتاشيو رضا، وهو عضو في اللجنة التنفيذية لجبهة تحرير شعب تيجراي، في تصريح لقناة الجزيرة الأسبوع الماضي، أن الحزب لا يمكنه استبعاد إمكانية السعي إلى استقلال تيجراي. وقال "إذا كان شعب تيجراي يطمح إلى إقامة دولة مستقلة، فلا يوجد شيء يمكن أن يقف في طريق هذا التطلع"، لكنه اعتبر فكرة إثيوبيا الموحدة "المبعوثة من الرماد" غير واقعية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى