صحابة رسول الله.. عبد الرحمن بن عوف

> هو عبد الرّحمن بن عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشيّ الزهريّ. وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة، يكنّى بأبي محمّد، ولد بعد عام الفيل بعشر سنوات. كان يسمّى أيّام الجاهليّة عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، وبعد أن أسلم سمّاه الرّسول صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن.

كان رضي الله عنه من أوائل الّذين أسلموا؛ فهو أحد الثمانية الّذين سبقوا إلى الإسلام في مكّة قبل أن يتّخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم مكانا له، ولمن آمن معه. وهاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة، وهو أحد الخمسة الّذين أسلموا على يد أبي بكر الصدّيق؛ إذ إنّ أبا بكر كلّمهم ودعاهم إلى الإسلام، وهيّأ نفوسهم لذلك، وجمعهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم القرآن، وتأثّروا به، ورقّت قلوبهم، ونطقوا الشّهادتين معلنين إسلامهم.

كان لتربية رسول الله صلى الله عليه وسلم الأثر الكبير في شخصية الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقد ضرب أروع الأمثلة في الكرم وعفة النفس؛ فمن أهم ما يميز ملامح شخصية الصحابي عبد الرحمن بن عوف عفته، ظهر ذلك جليًا عندما هاجر عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة و ترك أرضه وماله.

آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، فقال له سعد: إن لي مالا فهو بيني وبينك شطران، ولي امرأتان فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها، فإذا حلت فتزوجها، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك. تناسى حاجته وفقره وقال لسعد دلُّني على السُّوق. فذهب وعمل في التجارة فنمت الأموال بين يديه.

كان تاجرًا ثريًا، وكريمًا، وكان ماهرا في التجارة وله حظ وافر في الربح. يقول عن نفسه: "لقد رأيتُني لو رفعتُ حجرًا لوجدتُ تحته فضة وذهبا"، مخبرًا بذلك عن فضل الله عليه، وكان ابن عوف من أكثر الصحابة الكرام ثراءً وبذلًا واجتهادًا، عاش مناصرًا للنبي والإسلام، لم تمنعه أمواله الكثيرة من أن يكون واحدًا من العشرة الذين بشَّرهم رسول الإسلام بأنهم من أهل الجنَّة، فسخّر أمواله في سبيل الله وللمسلمين.

واجتمع يومًا مع بعض أصحابه على طعامٍ عنده، وما كاد الطعام يوضع أمامهم حتى بكى، وسألوه ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما شبع هو وأهل بيته من خبزِ الشَّعير.
فهذا الصَّحابي الذي كان معروفًا بالثَّراء، لم يُنسِهِ الثَّراءُ حقوقَ الفقراء، ولا أن يتذكَّر حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، فلم تشغلْه الدنيا، ولم تُلْهِهِ الأموالُ رضي الله عنه.

شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، ومنها بدر وتبوك، التي صلّى فيها عبد الرحمن رضي الله عنه إماما، وصلّى خلفه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لتكون تلك الصلاة شهادة له من النبي بالصلاح.

شجاعة عبد الرحمن بن عوف
كان ابن عوف من القِلّة القليلة التي صمدت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم أحد، ولم يتراجع من المعركة، وأصيب بإصابات بالغة في جسده، و تركت إحدى هذه الإصابات عرجًا دائما في إحدى ساقيه، ويُروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سأل الحارث بن الصمة يَستفسره عن عبد الرحمن بن عوف، فقال الحارث إنه قد رآه وقد اجتمع عليه جمع من المشركين عند الجبيل، وهَمّ الحارث ليمنع هؤلاء عن عبد الرحمن، إلا أنه عندما رأى الرسول ذهب إليه وترك عبد الرحمن، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تمنعه"، وعندما رجع الحارث إلى عبد الرحمن، وجد أمامه عددا كبيرا من قتلى المشركين، وعندما سأله إن كان هو من قتلهم، أجابه عبد الرحمن بأنه قتل اثنين منهم، وأرطاة بن شرحبيل قتل واحدا، والباقي قتلهم من لم يره، فقال الحارث صدق الله ورسوله.

قبل وفاته بأيام كان يبكي ويقول: "استشهد مصعب بن عمير، وهو خير مني، فلم يُوجد له ما يُكفن فيه إلا بردة إذا غطت رأسه بدت رجلاه، واستشهد حمزة، وهو خير مني، فلم يُوجد له ما يكفن به إلا بردة، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط، وأُعطينا منها ما أُعطينا، وإني لأخشى أن تكون قد عجلت لنا حسناتنا".
وهو من أهل الشورى، وممن استخلفهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بعده لاختيار خليفة المسلمين من بينهم، وتوفي رضي الله عنه بالمدينة المنورة وهو ابن خمس وسبعين سنة، ودُفن بالبقيع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى