مازالوا يسرقون النصر

> ليلة 27 رمضان، قبل ست سنوات، ارتفع صوت الشيخ (السديس) إمام الحرم المكي الشريف، وخلفه الكثير من المسلمين، بالدعاء لعدن وأهلها، وتهجدوا لنصرتها، و في صباحها كبَّرت مآذننا فرحًا، وسجدنا لله حمدًا وشكرًا على تحريرها.

* مازلنا نتذكر كيف جروا مؤخراتهم، وتركونا لمصيرنا، فلعنهم كل بيت في الجنوب، وأقسمنا على مقاومة، غزوا جحافلهم، وأنهم لن يمروا إلا على جثثنا.

* عندما كانت عدن محاصرة، والقذائف تدك البيوت على رؤوس أهلها، ويصرعنا رصاص قناصيهم، ولم يرحموا رجلًا أو امرأة، شيخًا أو شابًا، أو طفلًا، وحين رمى البحر أجسادنا، وترملت نسائنا، وتيتم صغارنا، ونزحت المدينة، وتشرد سكانها، وحين باعت حرائرنا ذهبهن لأجل رصاصة وبندقية، وحين كان أشرف رجالنا، وأنبل شبابنا في الجبهات حافية أقدامهم، وهم يبتسمون للشهادة، وحين أدهشت بسالتنا العالم، وصنعنا بصمودنا أسطورة، حينها كانت شرعيتهم تتسول في الفنادق، وتسأل سموهم كرامتها، وكانت أسماؤهم في كشوفات لجنة الملك، وتتزاحم طوابيرهم على صرفته، وتتورم كروشهم وخدودهم من الكبسة.

* لم يصدمنا تفحيطهم، فقد تعودنا على خيانة مواقفهم، ولكن أكثر ما يشعرنا بالقهر، أننا عندما انتصرنا، سمحنا لهم أن يمتطوا تضحياتنا، ويعودوا كالفاتحين، فلم يكتفوا بسرقة نصرنا، ولكنهم عاقبونا عليه، فزاد يقيننا بأن مقاومتنا ونصرنا لم يكن في حسابات حربهم ولعبتهم!.

* عادت الشرعية فذهب معظم المقاتلين إلى بيوتهم، بينما كثيرون لم يشهدوا جبهة، أو تلفح حرارة الشمس جبينهم، أو تمسهم (زربة)، وجدناهم بعد المعركة قادة وسلطة، وصنعت بطولاتهم الزفة والصرفة، و(تعامسنا) ولم نقل لهم أوف، واخترنا ألا نجرح وجه نصرنا و فرحتنا، ولعلنا نتعلم من دروسنا.

* راودنا أمل بحياة كريمة، وأن يكون النصر بداية لملمة تمزقنا، ولكنهم لم يطمئنوا لمقاومتنا أو يحترموا دمائنا، فكان الأبد من خوض معركة كسر عظم أخرى، فالذين أكرمنا عودتهم، أرادوا لنا الموت والمذلة!.

* على الرغم من معاناة الحرب والحصار والدمار، كنا في ذروة أخلاقنا، فقد أخرجت المحنة أنبل ما فينا، وكانت عدن والجنوب كله بيت واحد، والعسكري، والطبيب، والمهندس، والقاضي، والمحامي، والمعلم، والتلميذ، والقلم، والتاجر، والعامل، والعاطل، وأمهاتنا، وحريمنا، وعجائزنا، وأطفالنا، وحتى البلطجي، كلنا كنا مقاومة جنوبية، ونحن اليوم أكثر حاجة لهذه الأخلاق، ونستعيد لحمتنا، حتى لا يستمروا بسرقة نصرنا.

* نتذكر شيخ شهدائنا علي ناصر هادي الذي لفظ آخر أنفاسه، ولم يترك مترسه وبندقه، وعلي الصمدي، و امزربة، والعسل، والزغلي، وفواز باشراحيل، والخويل، وفارس الضالعي، والعنبوري، وقبلهم جياب السعدي، وخالد الجنيدي، وبعدهم الإدريسي، والراوي، وجعفر، و أبي اليمامة، وسكره، والشوبجي وأبنائه، ونعوش ألاف الشهداء، ونزيف جرحانا وأجسادنا المبتورة، فنستحي من مواقفنا وأنانيتنا، فجميعهم استرخصوا أرواحهم في سبيل الجنوب وقضيته، وليس من أجل رمز أو منطقة أو حزب أو جماعة.

* نستحق الفخر، واستعادة جنوبنا حق وليس حسنة، فالمواقف العظيمة لا يصنعها الجبناء، يموت الشجعان وقوفًا كالجبال، بينما يتمخض جبل بعضهم ويلد فار!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى