بعد حرب اليمن.. هل تبقى الوحدة بين الجنوب والشمال قائمة

> "الأيام" سبوتنيك:

>
  • استفتاء الجنوبيين الفيصل بين خياري الوحدة والانفصال
أكثر من ثلاثة عقود مضت على الوحدة اليمنية، عاشت خلالها تحولات سياسية وثورية ومجتمعية كبرى، لآخرها الحرب الدائرة منذ أكثر من ست سنوات.
أما تزال الوحدة قائمة؟ وما مصيرها بعد انتهاء الحرب؟ وإذا تمسكت كل الأطراف بها... هل تظل بشكلها الحالي؟

يقول رئيس اللجنة السياسية في مجلس الحراك الثوري الجنوبي باليمن، الدكتور محمد عبد الهادي، إنه "بعد مرور 31 عاما على دولة الوحدة اليمنية، التي قامت في 22 مايو 1990، بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، جاءت تلك الوحدة بصورة مرتجلة جدا، وفي ورقة واحدة، ليس بها أي تفاصيل حول أي ضمانات سياسية أو قانونية على الطرفين".

تحديات كبرى
وأكمل عبد الهادي: إن "الجنوب دخل تلك الوحدة، ورغم أن القرار كان ينص على دولة اتحادية كونفدرالية، لكن المزايدات والشطحات والعواطف دفعت إلى التوقيع على وحدة اندماجية كاملة ذابت فيها الشخصية الاعتبارية لكلا البلدين، وقامت على أنقاضهما دولة الجمهورية اليمنية وعاصمتها صنعاء".

وأضاف عبد الهادي: "واجهت تلك الوحدة منذ عامها الأول تحديات كبيرة جدا، قادت إلى أزمات في العام 1992، ثم في العام 1993 مع الانتخابات النيابية، حيث صعد حزب "التجمع الوطني للإصلاح" إلى المركز الثاني بعد المؤتمر الشعبي العام، وحصل الحزب "الاشتراكي اليمني الجنوبي" على المركز الثالث، وكانت هناك خلافات حول من يتم تعيينه من الدولة الجنوبية، الرئيس علي سالم البيض أو نائبه، فالنائب ينتخب أيضا من قبل مجلس النواب، وبعد صدامات وصراعات، تم الدعوة لحوار بين كل القوى الوطنية في اليمن، تمخضت عن ما يسمى "وثيقة العهد"، التي قسّمت البلاد إلى نظام سياسي أقل وطأة من الدولة الاندماجية الكاملة، وتم التوقيع على الوثيقة برعاية الملك الأردني، حسين بن طلال، في الأردن بحضور كثير من الشخصيات السياسية اليمنية، من بينهم الرئيس اليمني السابق، علي ناصر محمد.

الصراع السياسي
واستطرد: "بعد التوقيع في الأردن والعودة إلى اليمن، سرعان ما اشتد الصراع في 27 أبريل 1994، وتم إعلان الحرب من قبل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، من ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، التي استمرت أكثر من 70 يوما، وعلى إثرها، استطاع الرئيس صالح اجتياح مدينتي عدن وحضرموت في يوم واحد، بعد أن تمت السيطرة على باقي المدن والمحافظات الجنوبية في 7 يوليو 1994".

وتابع: "ومنذ ذلك التاريخ كانت هناك حالة من الشد والجذب فيما يتعلق بالوحدة، أطلقت بعدها دعوات إلى إصلاح مسار الوحدة، واصطدمت تلك الدعوات بتحديات كبيرة، واستمر الحال إلى أن جاءت ثورة الشباب في العام 2011، التي أدت إلى انتقال السلطة إلى الرئيس الحالي، عبد ربه منصور هادي، لكن أمر الوحدة لم يستقر تماما، وقامت جماعة "أنصار الله" (الحوثيون)، بانقلاب جديد على الوحدة وعلى مخرجات الحوار الوطني، وسيطروا على المدن اليمنية حتى وصلوا إلى عدن، وبعد معارك طاحنة تم تحرير محافظة عدن ومدن جنوبية أخرى، بينما لا يزال الحوثيون يسيطرون على معظم المحافظات الشمالية".

ارتجالي عفوي
وقال رئيس اللجنة السياسية: "من وجهة نظري، إن قرار الوحدة كان ارتجالي عفوي، عاطفي، لم يستند إلى مرجعيات حقيقية وأسس تشريعية واقتصادية ووطنية، فالأمر كان تقاسم سلطة ما بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، وهما الحزبان اللذان كانا يقودان اليمن، الاشتراكي في الجنوب والمؤتمر في الشمال".

وتابع: "وأكبر خطأ ارتكبته قيادة الجنوب أنها لم تدخل قبل الوحدة في توافق مع كل القوى الوطنية والسياسية التي اختلفت معها، بينما قاد الرئيس علي عبد الله صالح حملة مصالحة وطنية داخلية قبل الوحدة في الشمال، وكان الجميع متفقين على قرار الوحدة، وفي أحد خطاباته، قال علي عبد الله صالح إنه "لم يكن يريد الوحدة الاندماجية، ولكن هذا المشروع كان مطروحا من قبل الإخوان في الحزب الاشتراكي الجنوبي، وهو ما يعني أن الوحدة كانت قرارا خاطئا".

وأكد عبد الهادي، على أنهم لا يرفضون الوحدة، "لكننا نقف مع وحدة مبنية على أسس سليمة، لا ضرر فيها ولا ضرار، تحمي حقوق المواطن سواء كان في الجنوب أم في الشمال، تسهم في عملية التنمية واستغلال ثروات البلاد لصالح كل مواطن بها، وليس لفئة على حساب الآخرين".

استمرار الوحدة
وعن استمرار الوحدة بتلك الصورة، قال عبد الهادي إن "استمرار الوحدة بهذه الصورة غير مجدٍ، ولا يمكن أن يكون، ولهذا انعقد مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء في العام 2014، وتمخّض هذا الحوار عن وثيقة الحوار الوطني، وإذا قرأنا تلك الوثيقة نجد أنها تؤسس لدولة اتحادية من إقليمين "شمالي وجنوبي"، وفي النهاية تم التوافق على دولة اتحادية من 6 أقاليم، وهنا استشعرت بعض الأطراف في صعدة أن الدولة ذات الأقاليم الستة لم تعطِ الأقاليم الحق في الثروات أو أن يكون لهم منفذ بحري، وكان علي عبد الله صالح لا يريد تقسيم اليمن إلى أقاليم أو أن تكون دولة اتحادية، لكي يظل نفوذ الدولة كله مركزا في صنعاء، في صورة دولة مركزية تقليدية.

ولفت إلى أنه "يعتقد أن الاختلافات هذه يمكن حسمها إذا توقفت الحرب، وبدأت عملية التسوية السياسية الشاملة في اليمن، فهناك ارتفاع لأصوات جنوبية تطالب باستعادة الدولة الجنوبية كما كانت قبل الوحدة، والبعض الآخر يتطلع إلى دولة جديدة تقوم على أساس اتحادي، وهناك آخرون يريدون الدولة الكونفدرالية".

فقدت مضمونها
بدوره، قال رئيس مركز جهود للدراسات باليمن، الدكتور عبد الستار الشميري، إن الوحدة اليمنية بصيغتها القديمة، التي تعتمد على المركزية، أعتقد أنها فقدت مضمونها، وهي الآن اسم فقط غير متحقق على الواقع، وهناك تشظٍ حقيقي في الجغرافيا اليمنية، ومزاج شعبي في الجنوب غالبيته غير راض بالوحدة".

وأضاف: "كثير من السلبيات والانتهاكات تكونت والقضايا على مدى 30 عاما، منذ أن قامت الوحدة في العام 1990، كل تلك التراكمات أدت إلى تمزق النسيج الاجتماعي في الجنوب تحديدا، كما أن بعض الشماليين كانوا يرون أن الوحدة تمت بغير رؤية واضحة أو عمل جاد، وشابها شيء من الأطماع الفردية للشخصيات السياسية، وعمقت حرب عام 1994 هذا الشعور، وفي العام 2006 تكون الحراك الجنوبي والذي انتهى بشكله الجديد كمجلس انتقالي، مما أعطى الوحدة شكلا معنويا بسيطا، وليس الشكل المعنوي الذي يحبه اليمنيون، ويرون أنه حدث عروبي كبير".

استفتاء على الوحدة
وأوضح الشميري، أن "الوحدة في اليمن يمكن أن تكون، لكن ليس بهذا الشكل، بمعنى أنه يمكن أن يكون هناك شكل جديد من أشكال الوحدة مثل الكونفدرالية وغيرها، تضمن لكل المناطق حكما ذاتيا محددا، أو هامشا كبيرا من الصلاحيات في الحكم، فيمكن أن يكون هذا أحد الخيارات، وبعد انتهاء الحرب، ليس هناك من حل حول بقاء الوحدة أم لا، سوى الذهاب لاستفتاء الجنوبيين، وهم من يملكون في مجموعهم الغالب القرار بالبقاء من عدمه".

وتابع: "أعتقد لو قدمت الشرعية والتحالف بعض الخدمات والإنجازات في الجنوب، وتم إعطاء الجنوبيين هامش الحكم، ووجدوا أجواء ثقة، هنا يمكن أن يتعدل المزاج الجنوبي لمصلحة شكل من أشكال الوحدة، لكن ما نراه الآن على أرض الواقع، وهذا سيدفع للذهاب للاستفتاء على الوحدة، وإذا استمر الحال كما هو سنبقى على حال الانفصال غير المعلن، أو انفصالات جزئية غير المعلنة، هناك الآن جماعات تستقطع من الجغرافيا، وباختصار شديد، لم تعد اليمن الآن موحدة، ولا تحكم بحكم واحد، ولا يشعر المواطن عند الانتقال من منطقة إلى أخرى أنه في وطنه، ويتعرض لانتهاكات قد تكون لفظية أو جسدية، فمن يستطيع اليوم من أبناء الجنوب أن يذهب إلى صنعاء بأمان، وكذا بالنسبة للعديد من المناطق والأقاليم".

وتقود السعودية، منذ مارس 2015، تحالفا عسكريا من دول عربية وإسلامية، دعما للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، في سعيها لاستعادة العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في شمال وغرب اليمن، سيطرت عليها الجماعة أواخر 2014. وبالمقابل تنفذ جماعة "أنصار الله" هجمات بطائرات بدون طيار، وصواريخ باليستية، وقوارب مفخخة، تستهدف قوات سعودية ويمنية داخل اليمن، وداخل أراضي المملكة.

وقد اجتمعت أطراف النزاع في اليمن في ديسمبر 2018، لأول مرة منذ عدة سنوات، على طاولة المفاوضات، التي نظمت تحت رعاية الأمم المتحدة في ستوكهولم، وتمكنوا من التوصل إلى عدد من الاتفاقيات المهمة، لا سيما بشأن تبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الاستراتيجية، ووضعها تحت سيطرة الأمم المتحدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى