شباب اليوم.. هل هم جيل الغد؟

> كل زمن دولة ورجال، هذه المقولة التي تعرف من خلالها حضارات وتقدم وازدهار الدول والأمم، وكذلك في حال عدم تحقيق ذلك، فإن المقولة واضحة، وتعبر عن واقع تعيشه كل أمة بذاتها، فهناك من صنع التاريخ، وهناك من أساء لنفسه ودَوَّنهُ التاريخ، وبين هذا وذاك معانٍ كثيرة وكبيرة، ولن يستطيع تحليلها وفهمها سوى من عاشها، وعرف الفرق بين ما كان، وما أصبح، فإن كانت النتيجة حلوة بطعم العسل، فهنا نقول أنه صنع التاريخ، وسجل اسمه بأحرف من ذهب، وإن كانت النتيجة علقمًا، فقد أساء لنفسه، ولم يجد ما يسجل به اسمه، ولكن التاريخ سجل هذا الفشل، فالتاريخ لا يحابي.

وكلنا قرأنا التاريخ الإسلامي، والعالمي، وتاريخ الثورات خلال القرن الماضي، وبداية هذا القرن، وبرزت فيه أسماء تلألأت كالنجوم، وكانت بسماء التميز والنجاح، وبناء الدول، وصنع الحضارات، واختراع واكتشاف العديد من الوسائل التي نحن اليوم نستخدمها، ولولاها لما كنا نستطيع أن نتواصل مع بعضنا البعض في أقل من جزء من الثانية، وكانت لبلدنا من هذه الأسماء التي تلألأت كالنجوم حظٌ لعدد من القيادات والعلماء والأدباء والحكماء ليسوا بالقليل، حيث كان هؤلاء وهم كثر، قد كتبوا أسمائهم من نور، وسطرت قصصهم وحكاياتهم بكتب التاريخ، وكانوا يتسابقون لنيل المعرفة والعلوم، على الرغم من صعوبة الوصول إليها؛ لأن الظروف التي كانوا يعيشونها متعبة ومرهقة؛ إلا أن الإصرار للوصول إلى مبتغاهم كان هو هدفهم الأسمى، فاستطاعوا التغلب على هذه الظروف، وعبَّدوا طريقهم، وزرعوا جوانبه بالزهور والأشجار، وفتحوا له فروعًا، حتى يصل كل واحد منهم إلى هدفه الذي وجد به نفسه ،ولم ييأس من الصعاب التي كانت تواجهه، فصنعوا الدول وبنوا الحضارات.

ونحن اليوم في القرن الواحد والعشرون، وخلال الستة العقود الماضية، لم نجد ضالتنا، ولم يبرز فرد من مجتمعنا، ويعيش بيننا، ليتميز بهذا أو ذاك من العلوم، أو تلك المهارات، سوى من هاجر للغرب، وتوفرت له الإمكانيات، واستطاع من تفجير طاقاته، ليحقق أهدافه ويبني ذاته، ويعلن للجميع وبكل فخر بأنه من الوطن الذي لم يعطه شيء؛ بل جعله يهرب للغرب ليقف اليوم على منصات التفوق والنجاح، ويؤكد حبه لوطن لم يحبه، بسبب قيادات لم تهتم بهذه الطاقات وترعاها.

وكما نلاحظ جميعنا بشوارع وأزقة مجتمعنا، شبابًا يتنقل هنا وهناك، ويجلس بالركن هذا أو ذاك، منهم من يمضغ القات، ومنهم من يمسك هاتفه يبحث عن شبكة إنترنت، غير مهتمين بمظهرهم، الذي ما إن تأتي عين أي شخص يمر بجانبهم، تجده يقول بداخل قلبه "اللّهم احفظهم واهديهم واجعلهم من الصالحين لأهلهم ووطنهم" وكذلك عندما تسير في الأسواق ترى شبابًا ذا شعر كبير ومنكوش، وجوانب خفيفة، ويلبس ملابس لم تعرف الماء لفترة من الزمن، ويسير حافي القدمين، وعندما تركب الباص تتفاجأ بعدة تصرفات تعتبر دخيلة على مجتمعنا، وهي مضغ ما تسمى بـ "الشمة" من قبل بعض الشباب، والعجيب منهم تجده يمضغ القات، ويأتي بالشمة إلى جانبه، ويؤكد عليهم أيضًا بإشعال سيجارته لينفخ دخانها، وكأنه حقق حلمه الذي كان يحلم بتحقيقه منذ طفولته، "لاحول ولا قوة إلا بالله"، وعندما تتحدث مع الشباب عن أمنيته فإن جوابه وهمه الأول والأخير أن يكون لديه "باص"؛ لأنه من خلاله سيستطيع من بناء مستقبله، وتكوين أسرة، وقبل ذلك رعاية والديه وإخوته.

هل هذا هو ما أرادوه لنا ولشبابنا، الذين لم يكن هذا سلوكهم أو تكون هكذا تصرفاتهم، دائمًا عندما تريد أن تنتصر على قوم فعليك بتدمير شبابه، وتفريغ عقله من العلوم، بكافة أسمائها، وإلهائه عن مستقبله، وإشغاله بقوت يومه، وعذبه بالحصول عليه، هنا ستكون قد انتصرت على هؤلاء القوم، الذين نسوا التربية والتعليم، والصحة، واهتم بكيف يستطيع أن يبقى على قيد الحياة، في البحث عن لقمة تكفيه هو وأسرته، وعندما تفرغ عقول الشباب من التعليم والتفكير الإيجابي، بالتأكيد لن نجد مستقبلًا مشرقًا لمجتمعنا، الذي ضاع بسبب ضياع شباب اليوم، والذي للأسف شارك بتدميره من لهم مصالح ذاتية، وبيدهم اتخاذ القرار، ليفوزوا هم بتعليم أولادهم وتطوير مهاراتهم، والذين لن يعودوا لبناء وطنهم؛ لأنهم سيتحصلون على الجنسيات الغربية، وإن عادوا سيكونون خبراء ويتحصلون على مرتبات بالدولار.

وهنا رسالة لكل أم وأب، أرجو منكم جميعًا الاهتمام بأولادكم، ومهما اشتدت الظروف، فثقوا أن الفرج قريب، والمهم هو الحفاظ على سلوك وأخلاق أبنائكم، ومتابعتهم حتى لا يدخلوا في دائرة يصعب خروجهم منها في المستقبل؛ لأن التربية والأخلاق الطيبة هي من ستوجههم إلى الطريق الصحيح، واختيار الأصدقاء الصالحين والطيبين، ونتمنى من أئمة المساجد أن يخصصوا خطب يوم الجمعة بنصيحتهم، حتى الدروس بين صلاة المغرب والعشاء يجب رفع الميكروفونات ليسمع الجميع ممن هم خارج الجامع للكلمة الطيبة؛ لأن الشباب بحاجة مستمرة للتوعية والوعظ والإرشاد والتوجيه، والتدخل إن لزم الأمر لا لأن نتركهم بهذه السلوكيات أو تلك التصرفات، ونتخلى عن مسؤوليتنا التي نبهنا عليها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وقال في حديثه: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، كما على المجالس المحلية في المحافظات عمل دورات للشباب، وندوات تثقيفية وتوعوية، وحصر الشباب وإمكانياتهم وتخصصاتهم، لمعرفة ماهي قدراتهم، وما هي النواقص لديهم، ليتم توفيرها لهم من هذه الندوات والدورات، والتي يمكن أن تتكفل بها وزارة التخطيط والتنمية عبر المنظمات العاملة بالوطن.

أما رسالتي للشباب فأنتم أعمدة الوطن الذي نبني عليه آمالنا وطموحاتنا؛ لأن تكون بلدنا في مصاف الدول المتطورة والمتقدمة، فاعتبروا من آباءكم وممن سبقوكم واغتنموا وسائل التواصل الاجتماعي، والشبكة العنكبوتية في التطوير من قدراتكم، وتفجير طاقاتكم، والتعلم من الشباب أمثالكم في العالم أجمع، ممن أصبح لهم مكانة في أوطانهم، وبين مجتمعاتهم، فأنتم شباب اليوم، وجيل الغد، وصناع المستقبل الزاهر والراقي والمتطور، الذي سنفخر به لأنكم أنتم من صنعه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى