الهجرة غير الشرعية بين الآثار السلبية وموقف القانون الدولي والوطني

> > تمهيد

منذ وجود الإنسان على الأرض، كانت الهجرة عبارة عن تنقل جماعات من مكان إلى آخر؛ ذلك لتوفير سبل العيش، أو تحقيق الأمن والاستقرار، ومن خلال تلك الهجرات، اختلطت الثقافات والمجتمعات بعضها ببعض، و كان لها دور إيجابي في الإرث الحضاري، ولكن لا يمكن إهمال تأثيرها السلبي في الوقت الحاضر على كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ومنها تأثير هجرة الأفارقة على اليمن من دول العبور الأفريقي؛ لما لها من موقع جغرافي استراتيجي كدولة عبور لدول الخليج، ومن نافلة القول، أن مفهوم الهجرة يقصد به: "انتقال الأفراد من مكان ما إلى مكان أخر، سواءً كان ذلك داخل حدود الدولة، وهو ما يطلق عليه "بالهجرة الداخلية"، أم خارج حدود الدولة، فيطلق عليها "الهجرة الدولية". وقد تتم الهجرة بشكل يتوافق مع القوانين المحلية، أو مع القوانين الدولية كهجرة اللجوء، أو من خلال تسرب المهاجرين إلى الدولة المقصودة بطرق غير شرعية وهو ما يعرف "بالاتجار بالبشر". وسندرس هذا المبحث الموجز في ثلاثة مطالب: نتناول في الأول، مدى تأثير الهجرة غير الشرعية على المجتمع اليمني، ونتطرق في المطلب الثاني لموقف القانون الدولي والوطني، بينما نخصص الثالث لاقتراح بعض التوصيات في هذا الشأن.

> المطلب الأول: مدى تأثير الهجرات غير الشرعية على الواقع اليمني

أثرت الهجرات غير الشرعية على واقع وبنية المجتمع اليمني سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا، فأي سلوك غير منظم، يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار لدى أي دولة، لذلك عانت اليمن من آثار تدفق المهاجرين إليها؛ بسبب الاضطرابات السياسية التي أدت إلى حالة من الفوضى الأمنية التي شكلتها الهجرة غير الشرعية ومنها:

- أولا: الآثار السياسية: أدت الهجرات غير الشرعية المتكررة لليمن إلى ضعف المؤسسات السياسية اليمنية، وذلك من خلال طرق وأساليب إيواء المهاجرين، فلوحظ هناك ضعف كبير في المؤسسات التي تعمل على إيواء المهاجرين، وتعاني السلطات السياسية اليمنية من قلة الإمكانيات التي تتطلب ميزانيات ضخمة؛ لتوفير الخدمات التي تتطلب توافرها بمراكز الإيواء من رعاية صحية، وتوفير الإعاشة الإلزامية للمهاجرين. وغني عن البيان أن انهيار المنظومة السياسية، شكّل عبء على تنظيم الهجرات غير الشرعية في اليمن، وقد يؤدي إلى انهيار كيان الدولة، وهو أمر بات متحققًا على أرض الواقع، حيث الاختلافات السياسية بين القيادات اليمنية، والتي شكلت أزمة خانقة داخل مؤسسات المجتمع اليمني.

- ثانيا: الآثار الأمنية: بلا شك أن الهجــرات غيــر الشــرعية تشكل عبئـًـا ثقيلًا وكارثيًا علــــى الأمن اليمني، ومــــن خــــلال تلك الهجـــرات غيــــر الشـــرعية برزت أهـــم التحـــديات وأهمها: امتداد السواحل اليمنية شكل عبئًا أمنيًا ثقيلًا على إمكانيات الدولة المحدودة لمواجهتها، كدخول عصابات التهريب مع المهاجرين وتعاملهم كسلع، حيث يتم استغلالهم، ومن ثم نقلهم عبر حافلات كبيرة إلى المناطق الساحلية، كما شكّلت تلك الهجرات حالة من الارتبـاك والفوضـى، وعــدم وضـوح الرؤيـة؛ لقلـة المعلومـات المتـوفرة، وأدى ذلك لحدوث ما يسمى "بالفـراغ الأمني" الـذي يتمثل بالوضع الأمني غير المنضبط. كما أن الهجرات غير الشرعية، صاحبت انتشار جرائم ارتبطت بجرائم الاتجار بالبشر، كجرائم الإرهاب، وتهريب المخدرات، وتهريب السلاح، ودخول المهاجرين في النزاعات المسلحة؛ بسبب جرائم غسل الأموال، وكذا انتشار جرائم السطو المسلح، والدعارة، والتزوير والتزييف، وانتشار ظاهرة التسول والسرقة.

- ثالثا: الآثار الاجتماعية: لقد شكّلت عملية ارتفاع نسبة الجريمة أحدى الإشكاليات التي يعاني منها الشعب اليمني، فقد كان كثير من الهاربين والذين دخلوا بشكل مهاجرين غير شرعيين، هم أصحاب سوابق في الإجرام والقتل والسرقات؛ مما أدى ذلك حدوث الأثر السلبي على بنية المجتمع اليمني، وارتفع معدل ارتكاب الجرائم بشكل ملحوظ.

- رابعا: الآثار الاقتصادية: أن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها اليمن جعلها تتراجع في اقتصادها؛ بسبب ظروف الاقتتال الداخلي، وقد انشغل إفراد الشعب اليمني في الحرب الأهلية للدفاع عن مصالحهم وديارهم، مما أتاح الفرصة لأعداد كبيرة من المهاجرين باستغلال الحاجة إلى الأيدي العاملة، في ظل غياب تطبيق أنظمة وإقامات العمل، وأصبحت اليمن مرتعًا للمهاجرين دون رقيب أو حسيب.

- خامسا: الآثار الصحية: مما لاشك فيه أن الحرب التي تشهدها اليمن، أدت إلى الفوضى وانهيار المنظومة الصحية، فقد تسببت الهجرة غير الشرعية بنقل الأمراض المعدية؛ نتيجة عدم إجراء فحوصات طبية قبل دخول اليمن، مما ساعد على انتشار الأمراض الخطرة داخل المجتمع، وخاصة أمراض حمى الضنك والمكرفس والتيفوئيد والملاريا وفيروس الكبد الوبائي، وغيرها من الأمراض الفتاكة.

> المطلب الثاني: موقف القانون الدولي والوطني من الهجرة غير المشروعة

تنظم القوانين الدولية واليمنية طرق الهجرة، سواء كانت هجرة مشروعة وتنقسم الهجرة غير المشروعة إلى قسمين: الهجرة غير المشروعه كلاجئ، ويخضع اللاجئون الحقيقيون لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين المبرمة في 1951، (والبروتوكول الملحق بها لسنة 1967)، اللذان يوفران الحماية للاجئين من أن يعادوا إلى بلدان، يمكن أن يتعرضوا فيها لخطر الاضطهاد. وتبين الاتفاقية بوضوح من هو اللاجئ ونوع الحماية القانونية، وغير ذلك من المساعدات والحقوق التي يجب أن يحصل عليها من الأطراف الوطنية الموقعة على هذه الوثيقة، وما يهمنا في هذا الصدد هي الهجرة غير المشروعة كتجارة ربح والمعروفة (بجرائم الاتجار بالبشر)، وما زال القانون الدولي والوطني يحاول معالجة هذه الظاهرة الجديدة على المجتمعين الدولي والوطني وفقًا للاتي:

- أولا: موقف القانون الدولي: تعدّ هذه الجريمة من الأفعال المجرّمة حديثًا على المستوى الدولي، وهذا في إطار تنسيق السياسة الجنائية الدولية، مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وخاصة بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، وبروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، المكملان لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، حيث اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام لها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (25)، في الدورة الخامسة والخمسون المؤرخ في 15 نوفمبر2000. وحديثًا، بدأ الاتجاه الدولي لاعتبارها من الجرائم الدولية، ولأول مرة في تاريخها، فرضت الأمم المتحدة عقوبات صارمة على (6) أثرياء أفارقة، جمعوا ملايين الدولارات من تهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، وشملت العقوبات الأممية (4) تجار ليبيين وكذلك (تاجرين) من إريتيريا، بعد التأكد من قيادتهم لشبكات إجرامية منظمة؛ عملت في تهريب آلاف المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا. وتعد هذه المرة الأولى التي تفرض فيها الأمم المتحدة عقوبات على أفراد وليس منظمات أو مؤسسات؛ تُعنى بتهريب البشر، وتشمل العقوبات تجميد كافة الأصول المالية للمهربين، سواءً كانت حسابات بنكية، أو استثمارات دولية، كذلك فرض على التجار الستة حظر سفر صارم.

- ثانيًا: موقف القانون الوطني: على المستوى المحلي، صدر في اليمن القانون رقم (1) لسنة 2018 من قبل السلطات الحاكمة في صنعاء، تحت مسمى "قانون مكافحة جرائم الاتجار بالبشر"، ويحتوي القانون على (45) مادة تشمل سبعة فصول، نص الأول على التسمية والتعاريف، والثاني على الأهداف والأحكام العامة، أما الثالث فقد تناول الجرائم والعقوبات، وتطرق الرابع لمسؤولية الناقلين والأشخاص الاعتبارية، فيما عالج الخامس أحكام سريان القانون مكانيًا واختصاص القضاء اليمني والتعاون الدولي بشأن هذه الجرائم، وتحدث السادس عن حماية الضحايا من جرائم الاتجار بالبشر، بينما خصص الفصل السابع والأخير للأحكام الختامية للقانون. وما يهمنا هو الحديث بشكل موجز عن الفصل الثالث الذي تناول الجرائم والعقوبات على النحو الاتي:

* تناولت المادة (6) من القانون عقوبات عامة، تشمل جميع جرائم الاتجار بالبشر وهي عقوبات الحد أو القصاص أو الدية أو الإرش، إذا كان لذلك مقتضى، غير العقوبات الخاصة والمحددة لكل جريمة.

* تطرقت المادة (7) لعقوبة الحبس بما لا يقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات والغرامة التي قد تصل إلى مليون ريال يمني، إذا ارتكبت إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة (4) من القانون، وأهمها: 1- البغاء واستغلال دعارة الآخرين. 2- سائر أشكال الاستغلال الجنسي. 3- الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق. 4- أعمال التسول. 5- نزع عضو أو نسيج بشري، وغيرها من الجرائم المذكورة في المادة (4)...

* خصصت المادة (8) للعقوبات المشددة، بالحبس مدة لا تقل عن سبع سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة، لكل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر في حالات معينة منها: 1- إذا أنشأ الجاني أو أسس أو نظم أو أدار أو مول جماعة إجرامية منظمة هدفها ارتكاب تلك الجرائم أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضمًا إليها أو دعا للانضمام إليها مع علمه بأغراضها. 2- إذا كان الجاني موظفًا عامًا وارتكب الجريمة باستغلال الوظيفة أو الخدمة العامة. 3- إذا كانت الضحية من النساء أو الأطفال أو عديمي الأهلية. 4- إذا نتج عن الجريمة إصابة الضحية بعاهة مستدامة كلية أو جزئية.

* تحدثت المادة (9) عن تطبيق عقوبة الإعدام، إذا نتج عن تلك الجرائم وفاة الضحية.

* عالجت المادة (15) عقوبة التحريض، لكل من حرّض بأي وسيلة على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وإذا لم يترتب على التحريض أي ضرر، يعاقب المحرّض بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، كما يعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة المرتكبة كل من يعد شريكًا في الجرائم. ويعاقب على الشروع في جرائم الاتجار بالبشر طبقًا للأحكام العامة الواردة في قانون الجرائم والعقوبات

*فيما نصت المادة (21) على العقوبات المخففة وفقًا للاتي: أ- يجوز للمحكمة أن تحكم بإعفاء الجاني من العقوبة أو تخفيفها وفقًا للآتي: 1- إذا بادر أحد الجناة بإبلاغ السلطات المختصة بالجريمة ومرتكبيها قبل علم السلطات 2- اذا أدى البلاغ إلى كشف باقي الجناة وضبط الأدوات المستخدمة في الجريمة والأموال المتحصلة منها.

> المطلب الثالث: التوصيات المقترحة

كان ولا بد أن تختم هذا المبحث الموجز والمختصر بأهم التوصيات ومنها:

1- السعي وراء إنجاح الحلّ السياسي، لتحقيق مصالحة وطنية، وإبداء النوايا الحسنة والمرونة الكافية لإنجاز توافق الشراكة الوطنية، يوقف استنزاف مقدرات الدولة، ويفتح آفاق المستقبل للنهوض والتقدم.

2- العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية؛ من خلال ضرورة العمل على توفير سبل العيش الكريم، ومواجهة الدوافع التي تسهم في ازدياد الهجرة غير الشرعية، ورحيل الأفراد عن أوطانهم.

3- تفعيل منظومة العناصر الأمنية على الحدود؛ من خلال تسيير دوريات برية وبحرية مشتركة بين دولة العبور اليمن والدول التي يقصدها المهاجرون؛ لتعقب الجماعات المتورطة في تهريب البشر، من أجل حماية الأمن القومي اليمني والأمن الخليجي.

4- تكثيف التعاون بين المصالح والجهات الأمنية؛ لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، من خلال تبادل الخبرات، وتشديد الإجراءات في التعاطي مع محاولات التسلل لليمن.

5- تطبيق القوانين النافذة على المهاجرين الشرعيين، وبالذات إظهار الشدة والحزم في تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر اليمني على عصابات المهاجرين غير الشرعيين.

هذا والله أعلم وهو الموفق للصواب.

*دكتوراه القانون الجنائي جامعة عين شمس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى