يد واحدة لا تصفق ولا تحقق أهدافها

> عند سفرنا للخارج، ونشاهد البنية التحتية التي تهتم بتشييدها الدول فإنك تصاب بالذهول خاصة إذا كررت زيارتك للدولة نفسها سواءً بنفس العام أو بالعام الذي يليه، بسبب التقدم والتطور الذي حدث في تحسينها، ومعالجة كافة المشاكل التي ظهرت أولًا بأول لتوفر أفضل الخدمات لمواطنيها وزوارها، وبما أننا نتمتع بكل ما بهذه الدولة من خدمات ووسائل نحتاجها، ونستخدمها حيثما نكون، وبأي وقت مثل الكهرباء والمياه والغاز والإنترنت والصرف الصحي والطرقات، ووسائل المواصلات من ميكروباصات وسيارات أجرة ونقل عام وقطارات والمترو، وهناك دول لا يوجد بها القطارات والمترو أو إحداها، لكن ألا يكون لديها كافة هذه الخدمات والوسائل التي يحتاجها، فهنا نضع علامات استفهام وتعجب !!؟؟

وبما أننا عندما نسافر لأي دولة يعجبنا أن نتفاخر بأصولنا وهويتنا وتاريخنا، ومنا من يتفاخر بمنصبه أو منصب والده أو عمه، ومنهم من يتفاخر حتى بمنصب جده، وهذا كله ليس عيبًا ولا هو نقص، ولكن الذي يَحُز في النفس أنه لا يوجد أحد منّا يتفاخر بالخدمات والوسائل الأساسية للعيش في بلدنا؛ لأنها غير متوفرة، وإن توفرت فنسبة عملها وإحساس المواطن بها لا يتجاوز ‎%‎ 25 على الرغم من الخطط التي ترسم، والموازنات التي تُرصد، والاجتماعات التي تعقد، والميزانيات التي تصرف، واللجان التي تشكل، وبعد ذلك كله النتيجة لا تَسُر، وكل يرمي على الآخر، سبب الفشل وعدم النجاح فأين هو الخلل؟

ونحن من يشهد لهم العالم بالذكاء والحرص على سمعتهم، ولهم أخلاق حميدة، ولديهم الأمانة، والجد بالعمل والإحساس بالمسؤولية والمصداقية بالقول، وهذا جزء من عدة صفات يشهد العالم كله بها لأبناء وطني، ولم تأتي هذه الشهادة من فراغ؛ بل أتت من واقع تمت معايشته معهم لسنين طويلة تجاوزت الأربعين عامًا، لكثير من أهلنا وآبائنا وإخواننا في فترة اغترابهم في دول العالم، والتي تركز معظمها في دول الخليج العربي، ومنهم في بريطانيا وأمريكا وبقية أوروبا.

وكانوا في فترة اغترابهم وفي مواقع أعمالهم من وظيفة العامل حتى مدير لشركة كبرى أو لجهة حكومية، بحسب أنظمة دول الاغتراب وبين هاتين الوظيفتين تجد عدة وظائف يعملون بها إضافة لوظيفة العامل والمدير، هُم من كان لهم الدور الكبير في تنمية وتشييد وتطوير هذه الدول، وهذا بشهادة قيادات الدول وشعوبها، لدرجة أن المغترب بطاقاته وقدراته، وكما ذكرنا بعالية صفاته الحسنة، نسي أن له وطنًا ينتظره، ولابد له من أن يؤسس فيه ليس مسكنًا بسيطًا أو عمارة أو محلًا صغيرًا؛ بل نسي أن يقيم على تراب وطنه مشاريع كبرى وعملاقة، مثل المصانع التي عمل أو لازال يعمل بها، وتحتاجها بلده، ويستهلكها شعبه، سواءً المواد الغذائية، أو الاستهلاكية، أو الكماليات، والأدوية، والمعدات الطبية، وغيرها من الاحتياجات التي لا يستغني عنها الإنسان بأي بلد كان، فما بالك بوطننا الحبيب الذي لا يوجد فيه شيء يذكر لمثل هذه المشاريع الصناعية، وكل احتياجاته يتم استيرادها.

هل هي مشكلة دولة أم مشكلة المغترب نفسه، حيث وجد نفسه في راحة ونعيم واستقرار، ومنهم من تحصل على جنسية الدولة التي يعيش فيها، ومنهم لم يتحصل على أي جنسية؛ لأن نظام هذه الدول لا يسمح له بالتجنس؛ لكنه يعيش براحة وأمان، ولديه المال من عمله والذي يتوسع به يومًا بعد يوم، وكأنه ابن ذاك البلد، ناسيًا أو متناسيًا أن الدول لديها أنظمة وقوانين تم وضعها من قبل البشر، وهم أبناء البلد الذين يرون مصلحة أبناء بلدهم قبل كل شيء، خاصة وأن وضع بلدهم اختلف عما كان عليه قبل أربعين عامًا، عندما كنت تبحث عن مكان يقيك أشعة الشمس، أما اليوم فتبحث عنها لفوائدها الصحية، سبحان مُغيِّر الأحوال، وأساس هذا التَّغيُّر هم أبناء وطننا الذين اغتربوا شبابًا لم تصل أعمارهم الثامنة عشر عامًا، واليوم تجاوزوا العقد الخامس والعقد السادس ومنهم السابع أيضًا.

لا نرمي اللوم على المواطن البسيط، الذي خرج من وطنه يبحث عن لقمة العيش لأسرته، في قريتهم التي يسكنون فيها، وبسبب الصفات التي ذكرناها في المقدمة استطاع أن يصبح المواطن العاقل والراقي والذي يعرف كيف يحسب الظروف، ويبني أفكاره، لأنه اكتسب خبرة من سنين الاغتراب، وشاهد كيف كانت الدول التي دخلها وهو في ريعان شبابه، وكيف أصبحت اليوم، وهو يداعب أحفاده، وله في كل مكان في هذه الدولة حكاية نجاح.

لذا أرى بأن لا نرمي أفكارنا وطموحاتنا وحبنا لوطننا خلف الظروف التي يعيشها وطننا؛ بل؛ طالما هناك وزارة للمغتربين ومجلس أعلى للجاليات اليمنية في الخارج، فلماذا لا نضع النبتة الأولى لمشروع يعود بالنفع على كافة أبناء الوطن، ويكون هذا المشروع بداية وفاتحة خير لتنمية الوطن بأموال أبنائه، وأيدي شبابه، حيث يتم اختيار شخصين من وزارة المغتربين، وخمسة أشخاص من اتحاد الجاليات، ليكون الإجمالي سبعة، بحيث يكونوا من أكثر المحافظات تعدادًا وأكبرها مساحة، وهؤلاء الأشخاص لا يقل عمر الواحد منهم عن ستين عامًا، ولديهم العقلية الاقتصادية البحتة، ليخرجوا بدراسة لمشروع متكامل في كافة تفاصيله، ليعود على المساهمين بالربح، ولكنه يوفر احتياجات المواطن بأقل الأسعار، وأفضل الجودة، ويوفر فرص عمل لأبناء الوطن.

لن نرتقي إلا بتكاتفنا، ووضع أيدينا بأيدي بعض، لنحقق أهدافنا التي تحققت في دول الاغتراب، وحرم منها وطننا، بسبب أن يدًا واحدة لا تصفق، ولا تحقق هدفها، فنجاح أول مشروع سيترتب عليه وجود مشاريع جانبية لخدمة الوطن؛ لأن سلسلة النجاح مترابطة، ويصعب تجزئتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى