اختلاق معركة الرمق الأخير

> أن تختلق الأشياء أو أمر ما ، فهذا يعني أنك قد بلغت من ذلك الأمر مبلغا أو مستوى من الهذيان والعبث وعدم الإيمان بما تقدمه أو تملكه، وهذا ما يجعل تصرفاتك ذات طابع محموم بالصراعات غير القابلة للتراجع عن حالتها المرضية، وتمارس من خلالها وعودا كاذبة أو تختلقها لإيهام الآخرين، بأنك قادر على تنفيذها، وأنت تعلم بفشلك في إدارتها أو حتى الوصول إلى إيجاد حل لها.

الحكومة، عبر شرعيتها المنهارة، اختلقت كثيرا من الأمور، وعمدت إلى تصعيدها، وصدقت أفعالها؛ لتجعل لها أصناما تدعو المؤمنين المزعومين للتجمع حولها لمباركتها وتقديم القربان لها، وهي لا تحرك ساكنا، لأنها صنم، وهي تطالب الجميع أن يقف يوميا ساكنين وهم يترقبون متى ستأتي النجدة والاستجابة من هذا الإله الصامت الذي لا يعبأ بمسؤولياته، ويرمي بتبعات إهماله المتعمد والممنهج على المؤمنين الخاضعين لسلطانه ومعتقده.

الحكومة أخذت على عاتقها مسؤوليات أكبر من حجمها الأصلي، وهي تدعي أنها تستدعي قدراتها السحرية لتنشره على الخاضعين. الحكومة أحجمت عن القيام بواجباتها وأغفلت واجب السنة في جلسة حجامة قد تساعدها في استخراج الدم الملوث من جسدها؛ لتستطيع فعلا الاستمرار في حمل جسدها المنهك المدعية كذبا زورا وبهتانا بأنه موفور الصحة!

اليوم تتزلف بطبائعها تجاه الشعب المغلوب على أمره، لكن إلى أي حد يمكن لهذا الشعب أن يظل مغلوباً على أمره في ظل حكومة قوى متصالحة متصارعة شمالا ومتفقة على الانحياز سويا نحو الجنوب وهويته، التي يراد لها أن تكون خارجة عن عربيتها المبينة ومحيطها
عفواً أيها المجتمع الدولي، فقد تنازعت قوى الظلام في الشمال مصالحنا كمجتمع جنوبي وهويتنا، وتريد بكل السبل تكبيلها بما لا يحقق الاستقرار، في منطقة ملتهبة يسعى فيها النظام الإيراني إلى توسيع دائرته لتظل ورقة ضغط مستمرة في وجه التلاحم العربي وهويته كلها.

أريد التأكيد على قضية مهمة في هذا الشأن، واتساقا مع ما أسلفت أعلاه، إن الشرعية والحكومة الممثلة لها بوزراء الشرعية، لم تعد هي الشريك الحقيقي للاعتماد عليه كطرف في أي عمل تفاوضي، وأنه يقع على المجتمع الدولي وقواه الفاعلة إقليميا ودوليا أن تتجه نحو قوى سياسية لم تتلطخ بمصالح قوى ونخب الشمال، ولم ترتبط بها. وأن التغيير في التعامل مع أطراف أخرى، وبالذات كالمجلس الانتقالي الجنوبي، هو المحور الرئيس والسياسي الذي يمكن التوافق معه حول مستقبل اليمن شمالا وجنوبا في إطار حل الدولتين، وأن الجنوب يمتلك من المؤسسات والهيئات التي تتحمل مسؤولياتها وطنيا وإقليميا ودوليا، وفي استطاعتها تأمين كافة المصالح التي ترتبط معها ومع دولة الجنوب الفدرالية المستقلة.

قد يكون القانون بطيء، ولكنه ليس برجل أعمى، لكن سلطاته التنفيذية التي تستحوذ على قراره هي التي تقع على عاتقيها هذه المسؤولية، ومادامت المصلحة العامة والقرارات، التي يجب أن تصدر من هؤلاء الذين تولوا المواقع والمناصب في حكومة ممثلة عن الشرعية، قد أهدرت كافة الحقوق، ولم تكن على قدر القسم الذي قامت بتأديته أمام رئيس الجمهورية المعترف به دوليا، فقد كانت تلك المسؤولية التي تولوها لم يقوموا بالإيفاء بها وبمهامها متزلفة ومعتذرة بخيبة الرجاء، وترمي بفشلها على الجنوب، وهو ما يستدعي معه مساءلتهم قانونا عبر الشرعية الدولية، التي وثقت بها الدول الكبرى في مجلس الأمن الدولي والإقليم ممثلة بالتحالف العربي، وعلى رأسها الشقيقة الكبرى حكومة خادم الحرمين الشريفين، وما يتضمنه هذا الأمر من الإيفاء بالتزامات اتفاق الرياض.

وأنتم جميعكم تعلمون، في التحالف العربي والعالم، أن الحكومة التي يبحث أفراد ووزراء شرعيتها عن تأمين مصروفاتهم اليومية والشهرية خارج أراضي بلدهم، وهم يشاهدون شعبهم يتضور جوعا، ويتعرض للإرهاب والتطرف، وأن تصل الأمور فيها إلى حد الإفقار الجماعي بشكل متعمد، فإنه يوضح بجلاء عدم قدرة وشجاعة هذه الحكومة المتصدعة على أن تفي حتى بوعودها.

وفي اعتقادي، إنه لم يعد من المستساغ أو المقبول زيادة وتيرة أعمال الحرب أو إطالة أمدها أو امتدادها في الرقعة، مادام يمكن تلافي وتصحيح كثير من الاستراتيجية الحربية والموقف السياسي الداعم للجنوب، وهو حل يمكن الركون إليه حاليا، وفي المستقبل على أساس جغرافي وقانوني وسياسي، بما يضمن مصالح جميع الأطراف التي تتوازن جميعها لتصب في حل سياسي شامل يعمل على استدامة السلام وبناء المجتمع المحلي على أساس دولة في الشمال ودولة في الجنوب على أساس التعايش السلمي وحفظ الأمن والسلم الدوليين. وفي الأخير علينا أن نؤمن بأمر مهم أن الاستغراق والاستطلاع مضيعة للوقت مادام أن الحل يكمن في أيدينا، وهو ما بينته أعلاه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى