قضية ترحيل اليمنيين من السعودية بين المشروعية والبطلان

> لعل أهم قضية تشغل بال الشارع اليمني في الفترة الحالية، هي قضية ترحيل العمال اليمنيين من أراضي المملكة العربية السعودية، وبالذات ترحيلهم المفاجئ والصادم من مناطق محافظات جنوب السعودية (جيزان، ونجران، وعسير) بصورة مجحفة وغير مفهومة.
وفي هذه العجالة، سنحاول أن ندرس هذه القضية من محاور ثلاثة، نتناول في المحور الأول، دراسة الرأي المؤيد للقرار، ونتطرق في المحور الثاني للحديث عن الرأي المعارض للقرار، بينما نخصص المحور الثالث لبيان وجهة نظرنا في هذه القضية الحساسة.

المحور الأول: الرأي المؤيد
يتمحور الرأي المؤيد لهذا القرار الصادر من السلطات السعودية في المبررات الآتية:

- أولا: إن المملكة السعودية وهي تخوض حربًا ضد الحوثيين، تعرضت لهجمات صاروخية منطلقة من الأراضي اليمنية، وأن هذه الهجمات ما كان لها أن تصيب أهدافها، إلا بناءً على معلومات استخباراتية وإحداثيات دقيقة من داخل المملكة، وأن المشتبه به الأول لإرسال المعلومات والإحداثيات هو المقيم اليمني، وأن هذا الاشتباه مفترض، حتى يقوم الإثبات على عكس ذلك.

- ثانيًا: إن المملكة العربية السعودية دولة ذات سيادة، وأن هذه المسألة في الظروف الاستثنائية المتعلقة بحربها الحالية في اليمن، تُعدّ من الخطوط الحمراء الذي لا يجوز الاقتراب منها، ويحق لها بناءً على ذلك، اتخاذ التدابير اللازمة؛ لحماية مصالح أمنها القومي من أي مخاطر ولو كانت محتملة.
- ثالثا: على المستوى المحلي، للسعودية اتخاذ ما تراه مناسبًا من إجراءات لتنظيم سوق العمل، وتمكين المواطن السعودي، وأن ما يتم عمله من الجانب السعودي ما هو إلا ناتج عن "قرارات سعودة" استراتيجية مدروسة من وزارة العمل، وليس توجه سياسي للمملكة كما يعتقد البعض.

- رابعًا: من وجهة نظر القانون الدولي، يتمسك الجانب السعودي بحجة؛ عدم توقيعه على أي اتفاقات أو معاهدات أو أي التزامات دولية، بما فيها الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم رقم158/ والتي اعتمدت بقرار الجمعية العامة 45 المؤرخ في 18 ديسمبر 1990، وبالتالي، فإن المملكة في حلّ من أن يوجب عليها الالتزام بحقوق العمال الأجانب، وعلى ضوء ذلك، لا يمكن محاججتها، أو مقاضاتها على المستوى الدولي.

المحور الثاني: الرأي المعارض
ويتمحور الرأي المعارض لهذا القرار الصادر من الجانب السعودي في المبررات الآتية:
- أولا: عندما تقود المملكة تحالفًا وتشن حربًا على الحوثي، وتطال هذه الحرب الأخضر واليابس، وتدمر مقدرات اليمن الاقتصادية، وتتسبب بحصار ودمار هائل، وانهيار في العملة وسوق العمل، وهجرة ونزوح الملايين؛ فبذلك تترتب المسؤولية الأكبر على عاتق المملكة.

- ثانيا: إن من اتخذ قرار الحرب الصريح قبل أن تطلق ما يسمى بالشرعية رصاصة واحدة عليها، هي المملكة العربية السعودية، وما السلطة الشرعية اليمنية إلا مجرد شماعة بيدها، ولعل الأغلبية الساحقة من اليمنيين يعلمون بتلك الحقيقة الثابتة، بمرور سبع سنوات عجاف من الحرب المدمرة.
- ثالثا: إن السعودية، طالما وهي تسيطر على الأجواء والسواحل اليمنية، ولا تدخل طائرة ولا سفينة إلا بموافقتها، فهي ملزمة "أخلاقيا" بالتعامل بشكل استثنائي مع اليمنيين المتواجدين فيها، وأن أغلب من يتواجد لديها من اليمنيين بسبب الحرب، يمكن أن يعودوا من تلقاء أنفسهم، عندما يشعرون أنهم غير مرغوب فيهم لأي سبب.

- رابعا: إن ترك التعامل مع العاملين اليمنيين لوزارة ومكاتب العمل للسعودة، أمر كارثي وخطأ استراتيجي، ستدرك السعودية نتائجه وأبعاده الخطيرة، عندما توصّل وزارة العمل السعودية اليمنيين لقناعة، أن الحوثيين وإيران بكل مساوئهم أفضل وأقرب من المملكة؛ لأنهم الملجأ الأخير والإجباري هروبًا من السعودة!

المحور الثالث: وجهة نظرنا
بين الرأي المؤيد الذي يستقيم على النظم المحلية السعودية، ومبررات عدم التزامهم بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية لعدم التوقيع عليها، وبين الرأي المعارض للقرار الذي يستقيم على ضرورة تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف، نضع وجهة نظرنا مستندة على جانب أخلاقي أكثر منه قانوني ونوجزها في الآتي:

- أولا: أن الأعراف الدولية تقتضي، أن تتعامل الدول بشكل استثنائي إيجابي مع جاليات الدول المجاورة لها؛ لما بينها من روابط جغرافية واجتماعية وسياسية وتاريخية، لكن أن تتعامل بشكل استثنائي سلبي، فتلك سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها، ولنا في مصر وتعاملها الإيجابي المضياف، لجاليات دول الجوار الفلسطينية والسودانية والليبية خير مثال على ذلك.

ثانيا: ولذلك، نتمنى على الشقيقة الكبرى أن تدرك أنها أمام مسؤولية كبيرة تجاه اليمنيين العاملين لديها، وليس المطلوب منها فقط أن تعاملها سواء بسواء مع بقية الجاليات العربية.

- ثالثا: إن من الواجب على السعودية استثناء اليمنيين من إجراءات السعودة؛ لحين انتهاء الأزمة التي كانت المملكة جزءًا منها، والخيار الآخر، أن تكون جارتنا الشقيقة واضحة في تعاطيها مع الملف اليمني، كوضوح تعامل أمريكا في أفغانستان، وإن هي استمرت على هذا المنوال من التعامل، فندعوها أن تعلن إنهاء وجودها وعملياتها العسكرية، وسيطرتها على الأجواء والسواحل والحدود، والتخلي عن شرعية زائفة فاسدة؛ تسببت بدمار اليمن.

- رابعًا: نناشد قادة المملكة السعودية عدم إحالة ملف اليمنيين لوزارة العمل السعودية، فاليمنيون لهم خصوصية جغرافية وتاريخية، وقرابة دم وأصل مشترك، إضافة لما تتحمله السعودية من مسؤولية ناتجة عن الحرب، ولعلهم يدركون أن وزير العمل السعودي ينظر لما يحققه من أرقام فيما يتعلق بالسعودة - وهذا من حقه - لكنه لا يدرك الأبعاد السياسية والاقتصادية على المملكة من قرارات كهذه.

والخلاصة:
رسالة إلى قيادتنا السياسية مفادها:
(لا يستطيع أحد الركوب على ظهوركم؛ إلا إذا انحنيتم! وحينما تضعون الحبل على رقابكم، فلا تستغربوا على من قام بسحبكم إلى المحذور!!).

نسأل الله أن يصلح البلاد والعباد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى