الكلمة الصادقة أفضل أم الطيبة

> تعلمنا من آبائنا ونعلم أولادنا الصدق والأمانة وأن يكون حديثهم طيبا. وهذا ما درسناه في بداية حياتنا الدراسية، ونفس الأمر يحدث لأولادنا عند دراستهم بالمرحلة الابتدائية، وكذلك المرحلة السابقة لها، وهي الروضة أو ما يسمى اليوم "بكي جي 1-2" لمن يستطيع أن يدخل أولاده إليها. ولأن هذه المرحلة الدراسية تعتبر تأسيسا لتكوين شخصية الطفل، ويتعلم خلالها كل شيء، وتؤكده التربية الأسرية بالمنزل، يجب أن يكون هناك عمل متوازن بمسارين بنفس الاتجاه؛ حتى تترسخ المعلومات بعقل الطفل، وتثبت الأساسيات التي تكون شخصيته؛ لأن عقل الطفل بهذا العمر يستقبل ويتقبل ويترسخ ويثبت به كل شيء درسه أو تعلمه أو مارسه؛ لأنه كالنقش بالحجر.

وعندما نتابع أولادنا ونسمع ما يتحدثون به، ننهرهم عن ذكر هذه الكلمة أو عمل هذه الحركة أو ذاك التصرف، ونشد على سواعدهم عند صدقهم بالقول وإخراجهم للكلام الطيب. وهذا الأمر لن يعرفوا قيمته إلا عندما يكبرون، وتتشكل بشكل واضح شخصيتهم، وأول شيء سيتضح لنا كيف كان تعليمهم، وكيف هي تربيتنا عندما نطلب نحن والداه منهم طلبا ما في وقت يكون به مشغولا أو منزعجا ومتضايقا من أمر ما، فتجد الولد الصالح إما أن يقوم بتنفيذ ذلك الطلب وترك كل شيء بين يديه ونسيان ما يزعجه حرصا على راحة والديه، وإما أنه سيرد بكلمات طيبة وصادقة تجعل جبل الثلج يذوب ليكمل ما بين يديه أو حتى يستعيد أنفاسه ليقوم بتنفيذ الطلب حسب إجابته.

وهناك للأسف من الأولاد من يرد بكلمات صادقة لكنها مؤلمة، وتجعل الوالدين يتألمان منها، والمصيبة الكبرى أيضا ممن يرد بكلمات طيبة ولكنها كاذبة، وهنا يعيش الوالدان بانتظار أن ينفذ طلبهما، لكنهم لن يجدوا سوى السراب رغم حلاوة الكلمات التي خرجت من أبنائهم، ولكنها لم تحقق مبتغاهم رغم انتظارهم له لتنفيذها.

هذا في إطار الأسرة التي يتوجب علينا جميعا أن يكون حديثنا بكلام طيب وصادق، حتى لا تحدث أي شروخ أو تصدع في جدار الأسرة الواحدة؛ لتنعم بالحب والوفاء والدفء والحنان الذي يتمناه الوالدان أن يكون من أهم صفات أبنائهم، وأساس تكوين أسرته.
ونحمد الله ونشكره على ما اكتسبناه من آبائنا ومدرسينا بكافة المراحل الدراسية والأساسية منها، وأهديناه لأولادنا الذين نراهم أمامنا، ويتصفون بحديثهم الطيب والصادق.

ولكننا في مجتمعنا الذي نراه متصدعا ومتشققا، أصبح لديه عدد من الصفات التي لم نعرفها، نحن جيل ما قبل الثمانينات، لنراها اليوم تشق طريقها بين بعض أفراد الجيل الجديد، الذي لم يجد المدرسة التي تعلمه أسس الحياة منذ نعومة أظافره، ولم يتفرغ الوالدان لمتابعة أبنائه لانشغالهم بتوفير لقمة العيش الكريمة أو متابعة عودة الكهرباء؛ لتلحق الأم قبل مغادرتها غسل الملابس، وتشغيل مضخة الماء ليطلع الماء للخزان وكيّ الملابس وتنظيف المنزل، وعددا من المشاغل المنزلية التي تكسر ظهر عمود الأسرة وهي "الأم"، أما الأب فهو يعود من عمله ليرتاح قليلا، ويخرج ليبحث عن رزقه بأي شيء، طالما أنه عمل، لأن الرواتب لا تكفي، وهناك رواتب لم تصرف لأشهر كثيرة، والأسعار ارتفعت لدرجة أن بعض المحلات أصبحت لا تشغل أضوائها إلا إذا شاهدوا الزبون قد دخل للمحل. هذه الأسر كيف تريدها أن تتابع أبنائها وسلوكهم وهم يعيشون بمستنقع من الصعوبات والمعضلات اليومية التي لا تساعدهم حتى في أن يتنفسوا هواء نقيا.

ونرى ونسمع التصاريح بشكل يومي من مسؤولينا، ولكننا لا نرى أي أفعال على أرض الواقع رغم أن كلامهم طيب، ولكنه غير صادق، فاستمرار هذا السلوك من مسؤولي الدولة أدى لأن يكون لدينا جيل يحمل نفس صفاتهم، فكلامهم طيب، ولكنه غير صادق، فأصبحنا محتارين -نحن من تربى وتعلم على الكلمة الطيبة والصادقة- فنسأل أنفسنا أيهما أفضل أن يخرج المسؤول ليتحدث لنا بكلمة طيبة ولكنها غير صادقة أم بكلمة صادقة ولكنها غير طيبة، كأن يتحدث بأنه لن يستطيع بعمل هذا (…) للأسباب التالية (…) فهو قال الصدق، ولكن نتائجه غير طيبة لنا، أي لن نستفيد منها وستؤثر علينا.

نعم نحن نتمنى أن تكون هناك كلمة صادقة حتى لو كانت غير طيبة، لأن هذا سيؤدي إلى حدوث الشفافية ومعالجة القصور وإصلاح الاعوجاج؛ لأن الكلمة الصادقة هي قارب النجاة، فهي أفضل من الكلمة الطيبة التي لا تكون صادقة، وستجعلنا نعيش في وهم وسراب، ولن توصلنا إلى شيء.
فعلينا بالصدق رغم قساوته، لأنه هو الذي سيوصلنا لمرسى الأمن والأمان والاستقرار، فعلموا أبنائكم الكلام الطيب والصادق؛ لكي نبني جيلا قويا يجب أن تكون أقواله متطابقة مع أفعاله، لذا، علينا أن نعلمهم بعدم التفريق بينهما لنؤسس مجتمعا يخاف على نفسه، ولن يستطيع اختراقه المتربصون به.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى