الحرب في اليمن والتحول إلى صراع على الموارد

> د. حسين الملعسي

> بعد سبع سنوات من الحرب في اليمن بين الخصوم ومناصريهم، تشهد الحرب هدوءا نسبيا، وفي ذات الوقت استعدادا كبيرا لحسم الحرب بالطلقات الأخيرة عن طريق حسم قضية الاستحواذ على الموارد الاقتصادية والمناطق المهمة في البلاد.
إن أهم الموارد الاقتصادية في البلاد هي موارد النفط والغاز، إن الاستيلاء على الموارد الاقتصادية هو الهدف الأول والأخير للصراع الدائر في البلاد منذ أمد بعيد.

تشكل الموارد الطبيعية (النفط والغاز) أهم موارد البلاد المالية، فحسب المعلومات لفترة ما قبل الحرب ففي عام ٢٠١٤م، كانت نسبة قيمة الصادرات من هذا القطاع ٩٠٪ من إجمالي قيمة الصادرات، ويساهم هذا القطاع بنسبه تتراوح بين ٣٠ - ٤٠ ٪ تقريبا في تكوين المنتوج الوطني الإجمالي، وتشكل الإيرادات النفطية لفترة ما قبل الحرب حوالي ٧٠ ٪ من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة. وبشكل عام، يعد قطاع النفط والغاز أهم روافد البلاد من العملة الصعبة اللازمة لتغذية الاحتياطات الخارجية من النقد الأجنبي وتمويل الواردات السلعية، وعاملا مهما لدعم استقرار الصرف للعملة المحلية، ويشكل هذا القطاع إلى جانب الموارد الطبيعية المعدنية كالذهب وغيرها موارد ذات أهمية استراتيجية تدر أموالا طائلة.

وبسبب الحرب الدائرة، انخفض إنتاج وتصدير النفط والغاز بنسبة ٩٠ ٪، وبناء عليه انخفضت صادرات البلاد بنسبة ٧٥ ٪ للعام ٢٠١٤م، وقد تسبب ذلك في الأزمة المالية العامة للدولة، وذلك من خلال انخفاض الإنفاق على الخدمات العامة وأدى إلى غياب تقديم الحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية مع توقف الإنفاق الاستثماري.

ويرافق الصراع على الموارد الطبيعية صراع مواز على المواني، وخاصة مواني تصدير النفط والغاز، وهي ميناء رأس عيسى (تحت سيطرة الحوثيين) ومينائي الشحر وبلحاف (تحت سيطرة السلطات الشرعية) و الصراع على المطارات والجزر، إذ تمتلك البلاد حوالي ١٢٨ جزيرة على طول سواحل البلاد، التي يبلغ طولها حوالي ٢٠٠٠ كيلو متر، ويمتد الصراع بين المتحاربين للاستيلاء على مضيق باب المندب الاستراتيجي.

وإن الصراع مستميت على تقاسم الموارد المالية الجارية من مصادرها المختلفة (مشروعة وغير المشروعة) كالجمارك والضرائب وغيرها من الجبايات والرسوم بأنواعها قانونية وغير قانونية، والصراع يمتد للاستحواذ على الموارد المالية للمؤسسات الإيرادية المنتشرة على طول البلاد وعرضها كالاتصالات.
ويلاحظ أن العمليات العسكرية قد هدأت نسبيا عند حدود المناطق الغنية بالموارد الاقتصادية أو عند المناطق الجغرافية ذات الأهمية الاستراتيجية والحدود الدولية للبلد لحساسية هذه المناطق وأهميتها، كمناطق تماس لمصالح أطراف محلية وإقليمية ودولية.

إن مصدر القوة الحاسم للمتحاربين هو الاستيلاء على مناطق الثروات الطبيعية والمناطق الاستراتيجية وحدود الدولة، ولخطورة الحرب على تلك المناطق نلاحظ توقف الحرب على بعد مسافات محدودة من تلك المناطق الغنية بالموارد أو ذات الأهمية الجيواستراتيجية لحساسية الحرب في تلك المناطق، بسبب اهتمام الإقليم والعالم ببقائها تحت سيطرة الحكومة الشرعية؛ خوفا من استغلال تلك الموارد لأهداف عدائية تضر بالأمن والسلم الإقليمي والدولي.

ويلاحظ، من خارطة تقاسم الأراضي بعد سبع سنوات من الحرب، أن السلطة الشرعية تستولي، بدعم إقليمي من التحالف، على كل المناطق الغنية بالثروات المكتشفة، وهي مأرب وشبوة وحضرموت، وهي المناطق المنتجة للنفط والغاز والتي تمتلك احتياطيات ضخمة، وتلك المناطق هي مناطق تصدير النفط والغاز، وبالتالي تشكل مصدرا مهما لاحتياجات البلد من موارد النقد الأجنبي، ويسعى المنافسون للسلطة الشرعية للاستيلاء على تلك المناطق بالحرب أو بغيرها من الأساليب المعروفة في البلاد، خاصة استخدام الرشاوى وشراء الذمم، إذ يمتلك اليمنيون خبرة واسعة النطاق في هذا الأسلوب المتوارث أجيالا بعد أجيال.

ونفس الوضع ينطبق على المناطق الاستراتيجية في الدولة، حيث تسيطر السلطات الشرعية، بدعم خارجي مباشر وغير مباشر، على المواني باستثناء ميناء الحديدة (المحاصر نسبيا من قبل التحالف) وعلى السواحل المهمة وباب المندب، وتسيطر على أهم المطارات وعلى الجزر الهامة مثل سقطرى، وتسيطر أيضا على مضيق باب المندب ذو الأهمية الاستراتيجية في التجارة الدولية، حيث تمر من خلاله حوالي 21000 سفينة تجارية سنويا ويمر خلاله النفط الخام يوميا بحوالي 4 مليون برميل.

إن سيطرة (السلطات الشرعية) على مناطق الثروات ومناطق التميز الاستراتيجية هو مصدر القوة الوحيد المتبقي في أيديها، ولكن، في ذات الوقت، مع اقتراب المناهضين الحوثيين من تلك المناطق، خاصة في مأرب وشبوة، تبدلات محتملة في تقاسم النفوذ على الموارد ليس بالأمر المستحيل.

أما تقاسم بقية الموارد المالية بين المتحاربين على السلطة فهو واضح جدا، فقد تم الاستحواذ على الموارد السياسية للدولة بين المتحاربين الرئيسين وقوى أخرى، مما أضعفت السلطة الشرعية، وقاد إلى مشاكل اقتصادية خطيرة مثل انهيار العملة، ووقف العمل بالميزانية العامة للدولة، ووقف المشاريع، وتعطل الخدمات المختلفة، وضعف دور الدولة الدستوري مثل الإيفاء بدفع الرواتب، وتأمين الأمن، وتقديم الدعم للسكان في مجالات الصحة والتعليم، وصعوبة تأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي لعامة السكان في المناطق المختلفة.

نعتقد أن الصراع سيكون قويا جدا في سبيل الاستيلاء على الموارد العامة للدولة في المستقبل القريب إن لم يتوصل لوقف دائم للحرب وإحلال السلام وجلوس الخصوم على طاولة المباحثات للاتفاق على مستقبل البلاد وتوزيع عادل للثروات.
إن توزيعا عادلا للثروات هو أشد مجالات الحرب والسلام صعوبة في مستقبل البلاد، وسوف يأخذ وقتا وجهدا كبيرا لإحلال السلام والاتفاق على توزيع الثروة في البلاد.

إن أكبر مجالات الاضطراب في المستقبل هو مجال استغلال واستخدام الثروات، إذ تتوزع بشكل غير متناسب مع عدد السكان، فالثروات في مناطق فقيرة السكان، وفي ذات الوقت، ينتشر أغلب السكان في مناطق فقيرة من الموارد، وهذه من الحظوظ السيئة التي لا تساعد على بناء مستقبل يسوده الأمن والسلام والعدل والتنمية المستدامة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى