مشروع الشرق الأوسط الجديد زلزال القرن 21 في العالم العربي

> "رصد وتقييم ما يحدث في المنطقة العربية"
يهدف الاهتمام برصد الأحداث الدائرة في بلادنا والمنطقة العربية عموماً إلى فهم حالة الاضطراب وعدم الاستقرار التي نعيشها بعد أن تعرضت دولتنا بكل مؤسساتها ومجتمعنا المدني بكل مكوناته إلى هدم وتدمير، مما جعل شعبنا يعيش في العراء اشبه بذاك الذي سلب منه مسكنه وصار يتخبط في البراري في حياة غير مستقرة مليئة بالفوضى والتصادم والحروب، فبعد الهدم والتدمير لدولة الجنوب بعد ان كانت تمثل عنصر توازن لا يجرؤ احد الاقتراب من حدودها، بعد ذلك أختل التوازن وتدافعت القوى بكل أطرافها المحلية والإقليمية والدولية إلى ملئ الفراغ وسعي كل منها إلى الاستحواذ عليه وتجييره لصالح توسيع رقعة نفوذه على حساب شعب الدولة الغائبة، فتصادمت هذه القوى مع بعضها واصطدمت اغلبها مع الشعب الجنوبي الذي تسامح وتصالح واستعاد وحدته الوطنية واصطف في صف واحد من أجل منع تقاسم أرضه واستعادة هويته وسيادته على أرضه تمهيداً لاعادة بناء دولته واستعادة وضعها الحقوقي والقانوني في مؤسسات الشرعية الدولية والإقليمية.

    تداخل المشكلات والازمات المحلية والإقليمية العربية مع دول الجوار الإقليمي للعالم العربي وتداخلهم جميعاً مع الدولي يؤكد بالقطع الجوهر الواحد للصراع. فما يخطط له في الدائرة الكبرى تظهر تجلياته في الدوائر الوسطى والصغرى، الامر الذي يشير إلى أن ما يحدث في بلادنا ليس إلا جزءاً من مؤامرة شاملة تشمل الوطن العربي كله جرى التخطيط لها في الدائرة الدولية الكبرى وتصنع أدوات تنفيذها ومنطلقاتها في الدول الأربع المحيطة بالعالم العربي (إيران، تركيا، اثيوبيا، إسرائيل) ولها أصابعها المحلية المتمثلة في التكوينات الأيديولوجية وبعض الرموز المذهبية المنتشرة في الدول العربية .

     يتصادم في الامتداد الجغرافي للوطن العربي مشروعان: المشروع التفكيكي الذي يحمل عنوان " بناء الشرق الأوسط الجديد "، والمشروع العربي الذي يحمل عنوان " الدفاع عن الخارطة السياسية للعالم العربي التي اكتمل تشكلها بعد الحرب العالمية الثانية".
    بدأ التصادم بين المشروعين بعد انهيار النظام الدولي القائم على الثنائية القطبية في 1990 دشنت البداية بحروب تدمير الصومال وضرب العراق وإلغاء الدولتين في جنوب الجزيرة العربية (اليمن) وفصل جنوب السودان عن سودانها ومستمر التفكيك والتدمير في ليبيا وسوريا ولبنان وتونس والجزائر وفي العديد من الدول العربية الأخرى بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي والمسألة خاضعة لتقديم بعض الدول وتأخير بعضها الآخر لاعتبارات تكتيكية تخص رعاة المشروع.

     طالما والمخطط واحد ويشمل الدول العربية كلها ينبغي أن يواجه بموقف عربي موحد. فالعرب بكل شعوبهم ودولهم يستطيعون خلق توازن قادر على افشال مخطط تفكيك العالم العربي. ولكن منذ بداية تسعينيات القرن الماضي تركت الصومال تواجه مصيرها لوحدها فتم تقسيمها، ثم لحقها السودان وكان مصيره التقسيم وبعدها العراق وإلغاء الدولتين في اليمن، حيث لازال العراق يقاوم التقسيم وفي اليمن تم الغاء الدولتين واشعلت فيها الفوضى والحروب التي لم تتوقف منذ 1990م حتى اليوم ومستمر التخطيط لتقسيمها بين 5 إلى 6 دول بدلا من دولتين، كل ذلك يجري تحت يافطة الوحدة في البداية ثم الاتحاد وكلها مجرد عناوين لتمرير خديعة التدمير والتفكيك.

   فبعد الغاء وتدمير الدولتين في جنوب الجزيرة العربية (اليمن) ظهر على السطح مفهوم " الحالة اليمنية" للاشارة على كامل المنطقة الجغرافية للدولتين وما يحدث فيها، مما يعني اختفاء اسماء الكيانات التي كانت قائمة على امتداد هذه الجغرافيا: جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، الجمهورية العربية اليمنية والكيان الترانزيت (الجمهورية اليمنية) التي اريد له ان يكون حلقة تضليل وحجب حقيقة السير في طريق الفوضى والحرب والتفكيك. وصمم المفهوم ليكون الوعاء الحاوي لما يحدث، مفهوم يشير إلى الاضطراب وعدم الاستقرار والحركة والتغيير التي تمر بها الاوضاع في هذه المنطقة من العالم. وهو مفهوم مستعار من علوم الطب حيث يستخدم للاشارة إلى حالة المريض المتبدلة بين السوء والتحسن والاستقرار، وكذلك من علم الفيزياء حين يشار إلى حالة المادة بين صلبة وسائلة وغازية.

     أن الاضطراب والتغيير وعدم الاستقرار التي تمر بها أوضاع المنطقة استوجبت تسمياتها ب" الحالة اليمنية" وأن على المعنيين رصد ومراقبة وتحليل وتقييم الاتجاة العام الذي تتطور فيه الحالة لمساعدة صناع القرار في التحكم بتوجيه دفة الأحداث وجعلها تسير صوب الهدف المرسوم لها.
    وبالنظر إلى تعدد الدوائر المنغمسة في الحالة اليمنية وتصادم مساراتها وتصادم الكثير منها مع مصالح شعب الجنوب، فإن الرصد والمراقبة ينبغي أن يشمل ما يدور في الدوائر كلها وبالاخص ما يرتبط منها بتوجهات هذه الدوائر تجاه الحالة اليمنية. والدوائر المعنية هي:
الدائرة الأولى، دائرة الجنوب، والدائرة الثانية دائرة الشمال، والدائرة الثالثة الدائرة العربية، الدائرة الرابعة دائرة الجور الإقليمي المحيط بالعالم العربي، الدائرة الخامسة الدائرة الدولية، الدائرة السادسة دائرة مؤسسات الشرعية الدولية. اختلاف التوجهات المشروعة والغير مشروعة داخل كل دائرة وبين الدوائر مع بعضها البعض جعل التصادم سيد الموقف واضفى على المسارات مزيداً من التعقيد واعاق الحركة صوب السلام ووضع نهاية للحرب وعرقل السعي لتقريب الحلول الشرعية التي تقود إلى احقاق الحق وفرض العدالة.وبالرغم من شدة التعقيد واختلاف التوجهات إلا أن كل ذلك لا يجعل الحل مستحيلاً.

     أن إزالة هذه الاستحالة وارتفاع منسوب فرص الحل يتطلب العمل على توفير شرطين:
الشرط الأول: خلق ميزان قوى داخل الدوائر المتصادمة يستطيع الوصول الى احقاق الحق وفرض العدالة.
الشرط الثاني: أن يكون ميزان القوى مدعوم بقوة المنطق وبقوة الحق والقانون.
    يصبح هذان الشرطان ممكنان بتفاهم الدوائر الثلاث:
1- دائرة الجنوب.
2- الدائرة العربية.
3- دائرة الشرعية الدولية.
فالدوائر الثلاث تجمعها أهداف مشتركة هي الدفاع عن ثوابت الهوية المستقلة للشعوب وحقها في السيادة على أراضيها وحقها في تقرير مصيرها، وهي المبادئ الثلاثة التي يقوم عليها النظام الدولي وتشكل جوهر ولب القانون الدولي. فعلى أساس هذه المبادئ نالت الشعوب العربية استقلالها الوطني، وأقامت دولها الوطنية المستقلة التي اصبحت دولاً معترف بها تتمتع بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة وفي جميع مؤسسات الشرعية الدولية.

    وبوصف المشروع التفكيكي الذي يحمل عنوان(بناء الشرق الأوسط الجديد) يستهدف جميع الدول العربية ولكن الاستهداف يتم بصورة انفرادية كل دولة على حدة. رأينا ذلك في تفكيك دولة الصومال ودولة السودان ودولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ودولة الجمهورية العربية اليمنية. والعملية مستمرة في معظم الدول العربية الأخرى، ولا تستطيع كل دولة بمفردها التصدي لهذا المشروع الجهنمي.

     الخطر عام ويشكل تهديد وجودي للأمة العربية كلها ويستهدف الدول العربية جميعها لا يستثنى منها أحد. الأمر يستدعي موقف عربي موحد يخلق توازن قوى قادرة على افشال هذه التهديدات والدفاع على الخارطة السياسية للدول العربية التي كانت قائمة قبل انهيار نظام الثنائية القطبية عام 1990.
    كما ان استهداف الشعوب والدول يُعد استهداف لمبادئ القانون الدولي واستهداف المبادئ التي يقوم عليها النظام الدولي واستهداف دول أعضاء في مؤسسات الشرعية الدولية ومن ثم فالأمم المتحدة وجميع مؤسسات الشرعية الدولية معنية في الدفاع عن مبادئ القانون الدولي وعن مؤسساته الشرعية وعن الدول الأعضاء في هذه المؤسسات. فهذا هو غاية وجود هذه المؤسسات واذا غابت هذه الغاية ينتفي مبرر وجودها ومن ثم فإن الأساس لاقامة تحالف قوي بين الدوائر الثلاث موجود بالفعل. وبقيام هذا التحالف يستطيع هو بدوره التأثير وتعديل المواقف داخل الدوائر الأخرى التي هي اصلاً ذو اتجاهات مختلفة ومتصادمة.

    ناهيك عن ان السير في طريق هدم وتدمير البنيان العربي يخلق فراغ في المنطقة تتدافع القوى العالمية لاملائه فيحدث الزلزال حين تتصادم مع بعضها وينشأ وضع يهدد الأمن والسلم الدوليين. وأحداث التاريخ الإنساني كله تروى هذه الحقيقة، حيث كانت المنطقة العربية ساحة تصادم الامبراطوريات المتعاقبة في التاريخ ابتدءاً بغزوات الكسندر الأكبر ثم تصادم امبراطوريات الفرس والروم والغزو المغولي والاحتلال التركي وما تلاه من تصادم القوى الاستعمارية واشتعال الحربين العالميتين الأولى والثانية واخيراً الحرب الباردة وتقاسم النفوذ في المنطقة العربية بين قطبي النظام الدولي. وفي مطلع القرن الواحد والعشرين يأتي ظهور مشروع الشرق الأوسط الجديد تكرار ممل لأحداث التاريخ العالمي. وبالتالي فإن ابراز هذه المعطيات كلها كافية لكل من يملك عقلاً ان تثني المتبنين لمشروع الشرق الأوسط الجديد بالعدول عن مشروعهم ويجنبوا المنطقة والعالم حروب تزيد من مآسي الإنسانية.

     وُضع المشروع التفكيكي (الشرق الأوسط الجديد) حيز التنفيذ بعد ان تمت التهئية لنجاحه بتوفير الشروط الخارجية والداخلية المتمثلة بانهيار التوازن الدولي بين القطبين، وانفراد القطب الأمريكي بالقرار الدولي، وداخلياً تتمثل في الانفصال الكلي للسياسة ومكوناتها، أنظمة سياسية وأحزاب، عن شعوبها وتحولها إلى أداة من أدوات المشروع التدميري للمنطقة العربية، حتى الأحزاب التي كانت تبعيتها للكتلة السوفيتية سارعت لتبحث لنفسها عن مكان بين مجموعات التبعية للقطب الأمريكي. فتبعية السياسة ومكوناتها أصبحت إدمان تحتاج إلى معالجة مؤلمة للتخلص منها.

     نستطيع رؤية ذلك بكل تفاصيله في النموذج الذي أتبع في إلغاء وتفكيك الدولتين في جنوب الجزيرة العربية (اليمن)، حيث تمت العملية في مسارين: مسار الإلغاء والتفكيك للدولتين، ومسار تفاعل ومواقف الشعبين من المسار الأول.
 المسار الأول: تم تمريره بخديعة حملت عناوين براقة مثل "الوحدة" أو "الاتحاد"، جرى الشحن العاطفي لها في الوعي الجمعي على امتداد القرن العشرين كاملاً، حيث تم إلغاء الدولتين بإعلان مايو 1990، إعلان مثّل بوابة الإلغاء والتدمير لبنيان الدولتين وإلغاء شعوبها بإلغاء سيادة كل منهما على أرضه ونزع قراره السيادي المستقل. في المسار الأول الخديعة عمت الشعبين في دولتي الجنوب والشمال، وكانت ابرز أحداث التفكيك والإلغاء إعلان مايو 1990، وحرب 1994(فالاتفاق كان محاولة لشرعنة الإلغاء والحرب كانت تهدف تثبيت الإلغاء).

المسار الثاني: مسار الاياب ويرتبط بتفاعل ومواقف الشعبين التي سارت في خطين منفصلين عن بعضهما. مسار تماهي مع المشروع التفكيكي سار عليه الشمال سياسة وشعب. انتهجته كل مكونات السياسة في الدولة الشمالية حتى المكونات الفكرية للآسف. ومسار مقاوم للمشروع التفكيكي سار عليه شعب الجنوب بكل قطاعاته الفاعلة وهدفه استعادة وضع الدولتين وبقاء الخارطة السياسية للمنطقة كما كانت عليه قبل 1990، حيث نجح شعب الجنوب في الانفصال عن السياسة السابقة ومكوناتها الحزبية وانشأ صرح سياسي جديد يحمل إرادة الشعب ويجسدها في موافقه وتحركاته وأفعاله، هذا الصرح هو المجلس الانتقالي الجنوبي وقيادته الوطنية الانتقالية.

    يكمن التمايز بين الشعبين في أن شعب دولة الشمال لم يأخذ زمام المبادرة وظل تابعاً للسياسة السابقة ومكوناتها، ولهذا استمرت الأحزاب تتحدث باسمه ولا تعبر عن إرادته، فالحوثيون امتداد للارادة الإيرانية والاصلاح امتداد للإرادة التركية والعفاشيون امتداد لإرادات دولية أخرى. رؤاهم وافعالهم تتماهى مع المشروع التفكيكي. كانوا طرف في اتفاق مايو 1990، وهم من ألف التحالف حرب 1994، ومن ثم فهم صناع المشكلة، أنهم الطرف التنفيذي للمشروع التفكيكي الخارحي يعملون على تقسيم دولة الجنوب إلى دولتين وتقسيم دولة الشمال إلى أربع دول، وكل ذلك تحت اسم "الاتحاد".
      فيما شعب الجنوب مستمر في مقاومة المشروع الخارجي ويتمسك في الدفاع عن بقاء الخارطة السياسية في جنوب الجزيرة العربية والعالم العربي كله كما كانت قبل انهيار التوازن الدولي في 1990.
      في هذه المواقف وامتداداتها الخارجية المتصادمة يكمن التعقيد في الصراع في جنوب الجزيرة العربية ويتكرر المشهد نفسه في معظم الدول العربية.

أستاذ الفلسفة السياسية المساعد جامعة عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى